محمود حميدة لشرفات الشام: «دمشق هي المكان الوحيد الذي لا أشعر بتوتر عند السفر إليه»
2010-01-24
ربما يكون من غير المجدي التعريف بسينمائي مثل محمود حميدة، فهو الذي لعب دور جثّة متغيرة الانفعالات في (جنّة الشياطين) من إنتاج شركته الخاصّة، وهو (عدلي) الذي خاطب الله مباشرةً في مشهد لا يُنسى في (بحب السيما)، وهو مصدر مجلة (الفن السابع) قبل أن يغلقها لأسباب تمويلية. باختصار هو المدافع عن السينما حتى النخاع!!
صاحب (دكان شحاتة) حضر الساعات الأخيرة من مهرجان دمشق السينمائي السابع عشر، وبقي يومَين بعد ختامه للتمتع بدمشق التي يعشقها، فالتقته (شرفات الشام) قبل ساعة من توجّهه للمطار.. أي حوالي الثالثة بعد منتصف الليل!!
برأيك، هل أصبحت السينما كفن معرفي وجمالي مهددةً بشكل جدي كما يرى بعض النقاد؟
إذا كنتَ تقصد من حيث القيمة فلا أتفق مع هذا الطرح، لأنّ القيمة لا يعادلها شيء، وبالتالي لا يقهرها شيء، وهي تبقى قيمة بغض النظر عن المحيط.. ولكن إذا كانت بعيدة عن متناول الناس فهي ليست سينما، لأنّ الدائرة لا تكتمل إلا بوجود الجمهور.
ولكن (جنّة الشياطين) واحد من أهم أفلامك على الإطلاق، ولم يُشاهَد على المستوى الجماهيري..
هذه النوعية من الأفلام يُطلق عليها في المجتمعات المستقرّة (أفلام عالية الجودة الفنية The very artistic films)، ذات أهمية وظيفية هي استشراف أدوات المستقبل في الصناعة، ويكون صنّاعها على دراية تامّة بأنّ عائداتها لن تأتي مباشرةً كأيّ فيلم آخر..
نحن ليس لدينا مثل هذا الوعي المتطوّر، بل عندنا وعي مغلوط يتمثّل بعمل أفلام فنية للمهرجانات بهدف نيل الجوائز.. هذا كلام فارغ!!
فيلم (جنة الشياطين) قدّم قياسات عالمية في الصوت والصورة لأول مرة كإنتاج مصري خاص، وطرح موضوعاً غير مطروق سابقاً بوجوه جديدة في التمثيل والعمليات الفنية مثل المونتاج، فكان الفيلم الروائي الأول لخالد مرعي كمونتير مثلاً، وهذا ما أقصده بالأفلام التي تستشرف أدوات جديدة من أجل مستقبل الصناعة.
بعد كل هذه الخبرة، كيف تقرأ النص السينمائي الآن؟ ما الذي يغريك فيه؟
أولاً لا بدّ أن يناسبني العمل من كافة النواحي حتى المالية، فقد أطلب أجري كاملاً وقد لا أتقاضى أجراً!! أنا عامل في هذه الصناعة وشغلي أن ألعب الشخصية أمام الكاميرا، وفي هذه الناحية لا أحد أو شيء يستطيع إغرائي أو مفاوضتي أبداً، كما لا تستطيع أن تغري نجاراً أن يصنع لك غرفة نوم أو خياطاً أن يعمل لك جلباباً!!
أنا صاحب مهنة أحترمها وأدّعي أنّي أجيدها، وأي كلام من قبيل أخذ الفرصة لاستعراض العضلات مرفوض تماماً.
ألا يتنافى هذا مع مشاركتك في مشاريع شخصية لبعض المخرجين مثل يوسف شاهين وخالد يوسف؟
أبداً، ليس بالضرورة أن أتفق معك في الرؤية لنعمل معاً، فقد يكون عملك يناسبني رغم الاختلاف الذي أسعى إليه أصلاً..
في (دكان شحاتة) يطلب حجاج من ابنه أن يغطّي الشرخ الهائل في الجدار بصورة جمال عبد الناصر.. هل تتفق مع الرؤية المتشائمة للمستقبل التي قدّمها الفيلم؟
سُئلتُ عن هذا المشهد كثيراً.. الجملة صدرت عن الشخصية كما هي بعفويتها وضرورتها، هناك شرخ وصورة شخصية لرمز القومية والنضال وما إلى ذلك، وهو صعيدي مثله يدعو للنخوة والشهامة فكانت الاستعارة مناسبة هنا. الموقف عائد للشخصية نفسها وهي تتبع لرؤية المخرج، أنا أقوم بتصنيع تفاصيل الشخصية وأدائها فهذه وظيفتي.. أمّا شخصياً، فأنا أرى الوضع أسوأ من ذلك بكثير!!
هل أنت ناصري؟
لا، ولكن عبد الناصر كان زعيماً كبيراً ومؤثّراً جبّاراً من الناحية العاطفية. لا زلتُ أذكر منظر الناس في المقهى وهم يستمعون لخطابات عبد الناصر بعد رحيله، وكان قد اعتاد افتتاح خطاباته بعبارة: «أيها الأخوة المواطنون»، ففي مرّة وقف الناس بعد العبارة لاعتقادهم أنّ عبد الناصر عاد إلى الحياة مجدداً!! هذه سطوة الشخصية، ومن الطبيعي أن أتأثّر بالمجموع..
لستُ في مكان يخوّل لي الحكم على عبد الناصر والخلل الذي تسبّب فيه سواءً كان يدري أم لا، ولكن عاطفياً كنتُ أميل إليه كثيراً في ذلك الوقت، ولكن الوضع تغيّر الآن، فالمرحلة اختلفت والزمن غير الزمن كما يُقال..
الآن يتكلّمون عندنا عن مجيء جمال مبارك ومسألة التوريث من عدمه.. الحياة هكذا، مَن يملك دكاناً يريد أن يوّرثه لابنه، ولكن في الدولة الوضع مختلف؛ علينا أن نسأل أنفسنا: هل يصلح الشخص أم لا؟ فليس لمجرد وصف «وريث» نقيم الحجج على الشخص ونرفضه قبل أن ننظر إلى كفاءاته وبرنامجه الانتخابي..
هي مناقشة مفتوحة بعيداً عن مسألة التوريث، لأنّ البشر لا يوّرَثون، ومَن يتحدّث بهذه اللهجة وضع نفسه مكان العبيد! إذاً: البلد ليس دكاناً أو قطعة أرض، ونحن لسنا عبيداً!!
لديك نظريات خاصة في السينما وطرائق معينة في التعامل مع الكاميرا، حتى أنّك أصدرتَ مجلة خاصة بالسينما باسم (الفن السابع).. إلى أيّ درجة يحتاج الممثّل إلى التنظير النقدي عملياً؟
هو أسلوب وتدريب خاص بي لم أعلّمه لأحد لأنّي اكتشفتُه بالصدفة، فإذا وقفتُ أمام المرآة على بعد متر مثلاً، هذا يعني أن الصورة تبعد عن المرآة متراً أيضاً، وبالتالي فإنّ المسافة بين الأصل والصورة متران! وهذا ممنوع في علم الحركة، لأنّ مثل هذه التدريبات يجب أن تتم تحت إشراف أستاذ، ولكن في أسلوبي الخاص عملتُ الممنوع لأكون الأستاذ والتلميذ في نفس الوقت! واستفدتُ من ذلك في سهولة الحركة إلى خارج الجسد والعودة إليه، فأنا أصدّر الشخصية لبؤرة العدسة، أي أتحكم بالإشعاع الصادر عن جسدي كيفما أشاء.. وما زلتُ مواظباً على هذه التدريبات حتى اليوم.
تُعرَف بالمغامرة في اختيار أفلامك، ألم تقلّل هامش المغامرة الآن خوفاً من الفشل بعد كل هذا المشوار؟
المغامرة أساس وليس هامشاً حتى نكتشف أنفسنا من خلال الآخرين، ومن حق الجمهور أن يبدي رأيه مثلما يريد.
هل يكون تاريخ الممثّل حامياً له أم حجّة عليه في هذه الحالة؟
لا ندري! اليوم إذا ما ذُكر الشنفرى في مكان ما، كم من الناس يعرفه؟!.. الأمر نسبي.
إذاً أنت ممَن يؤمنون بالنخبوية في بعض الأفلام..
ما أهدف إليه بالدرجة الأولى هو أن أكون مسلياً جيداً بنظر السيد المتفرج، وإلا فأنا ممثّل فاشل!! بعد ذلك ننظر إلى ناحية وصول الخطاب وفهمه، فقد يقول لي أحد الحضور: أعجبتني في هذا المشهد ولم تقنعني في ذاك، فأقول له «عَ راسي» كما تقولون هنا!!
كيف كان العمل مع يوسف شاهين؟
كان ممتعاً جداً بالنسبة لي وفيه قدر كبير من التواصل، أنا استفدتُ منه وهو استفاد مني حسبما قال لي!
لكنّه يوصف بالدكتاتور في موقع التصوير..
ويجب أن يكون كذلك!! المخرج الذي لا يقدر أن يكون دكتاتوراً في العمل لا ينفع لهذه المهنة «يروّح بيتو أحسن»!! لم أشعر بذلك مع يوسف شاهين، وكان النقاش بيننا مثمراً.
يتحدّث البعض عن تنامي مهرجانات السينما المدعومة برؤوس أموال ضخمة في الخليج، مما يهدّد المهرجانات العريقة في القاهرة ودمشق.. هل تحوّلت مهرجاناتنا إلى برستيج لا أكثر؟ وهل أنت مع المطالبين بإلغاء مهرجانات السينما في بعض البلدان مثل سورية وحتى مصر؟
نحن ما زلنا في طور المراهقة، وقلتُ مرات عديدة بأنّ علينا أن نتعامل مع المهرجان على أنّه عرس، فإذا مات عزيز لدينا ألغينا العرس!!
علينا أن نسأل أنفسنا: هل يوجد خلل؟ نعم يوجد.. هل أصلحناه؟ بالتأكيد لا وأنا أشهد، لأنّ الوعي لم يرتقِ لهذا المستوى من العمل، وبالتالي عندما أُسأل عن رأيي بالمهرجان أقول: لا أمتلك أدوات تساعدني لأعطي تقريراً وافياً، لأنّ حيثيات العمل وآلياته لا تسمح بذلك.. مثلاً، ما الإضافة الاقتصادية التي قدّمها سوق المهرجان؟ ما فائدة التقاء الناس ببعضهم البعض؟ للأسف ليس لدينا تقارير بذلك.
أنا من المعترضين على مهرجان القاهرة مثلاً بسبب خطأ في الأداء، ولكن هذه وجهة نظري أنا، فلستُ أدعو لإغلاق المهرجان بل لإصلاح مكامن الخلل فيه، لأنّ صناعة المهرجانات عندنا لا زالت في طور المراهقة كما قلت.
هل المطلوب من السينما أن تكون على مستوى عالٍ في ظل تراجع القطاعات الأخرى؟ بمعنى هل السينما في أزمة كما نسمع دائماً؟
السينما في أزمة وتدهور منذ إنشائها لعدم وجود قانون ناظم للصناعة! وسنبقى نتحدث عن أزمة السينما ونتشاجر في ظل غياب القانون الذي يؤطّر علاقات الأفراد والمؤسسات مع بعضهم، ويحدّد الحقوق والواجبات، ويوّثق الوظائف.. هكذا تجد أنّ الطالب يتخرّج من معهد السينما دون أهداف محددة يسعى لتحقيقها، ودون أن يدرك مسؤولياته بالضبط، فنصبح كلنا مسؤولين مسؤولية عشوائية في هذه الحالة!!
مَن يقف ضد إصدار قانون تنظيم الصناعة يريد أن تبقى الأمور مشاعاً، وأن نظل نحن كالغجر نرقص ونغني بين حين وآخر!!
هل العمل في هوليوود أو خارج السينما العربية هاجس لديك؟
عبر عليّ الهاجس لكنّه لم يستقر طويلاً، لأنّني اكتشفتُ أنّي لم أقم بتسلية أهلي كما يجب بعد، كما أنّ الممثّل لا يصلح لغير بيئته برأيي، لأنّه سيكون مفتعلاً ويشمله الكذب..
شوارزينغر بعد أن أصبح حاكماً لكاليفورنيا مُنع من التمثيل لأنّ هذه المهنة محتقرة، وليس لديّ تفسير آخر!!
هل تفكّر بإعادة مجلة (الفن السابع) مجدداً؟
لا، فقد أغلقتها وانتهى الأمر. أضفتُ الموقف العقلي السينمائي إليها وألغيتُ الاجتماعيات ونحّيتُها عن الصراعات، فنشأ الطلب عليها وهذا يكفي، لأنّ هناك مَن سيأتي ويكمل الطريق وهكذا..
حدّثنا عن طقوسك الخاصة في موقع التصوير..
أقوم بقراءة الشعر تحديداً والاستماع لموسيقى معينة تناسب خلفية الشخصية التي أؤديها، لأنّي أقوم باستحضار الكاراكتر وصرفه أكثر من مرة خلال وقت قصير، وهي عملية شاقة جداً على الممثل.
ما يخطر ببالك تلقائياً لدى سماع الكلمات التالية:
نجيب الريحاني: سبعة أفلام بسبعة آلاف فيلم.
فيلليني: كنت أنوي دراسة فيلليني وتاركوفسكي في مشروع بحثي كبير، لكنّي نسيتُ المراجع التي جمعتها في أمريكا، فأهملتُ كل الموضوع!!
كيوبريك: شعر.
لوريل وهاردي: بهجة لا تناسبني. أحبّ اسماعيل ياسين، زينات صدقي، عبد الفتاح القصري.. ومن الجيل الجديد يستهويني أحمد حلمي.
شارلي شابلن: من أرباب الصناعة، عمل كل شيء في السينما، والوحيد الذي يناظره في الصناعة العربية هو أنور وجدي.
توم وجيري: قط وفأر، كنّا نتفرج عليهم في السينما وليس التلفزيون.
دمشق: مكان يلازمني. عندما ينتقل جسدي من القاهرة إلى دمشق كأن لا انتقال. المكان الوحيد الذي لا أشعر بتوتر عند السفر إليه، رغم أنّي ممن يتوترون بشدة عند السفر حتى لقريتنا التي تبعد 70 كم عن القاهرة! وما زلتُ أذكر أول زيارة لي حتى الآن. أحبّ أن آتي إلى بلودان مع العائلة في الشتاء.
القاهرة: عاشق بلادي بعبلها وبهبلها كمان، في العين وفي الحلم واللي في بالها أحلى كمان (فؤاد حداد).
حاوره: علي وجيه
المصدر: جريدة (شرفات الشام
08-أيار-2021
11-تموز-2010 | |
14-حزيران-2010 | |
«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية |
08-أيار-2010 |
17-نيسان-2010 | |
14-آذار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |