عندما يُتّهم الكاتب السوري في المبادئ والبديهيات
2010-02-23
محمدالماغوط بريشة أدونيس
يمكن إخراج الحديث المستجد عن مدى مصداقية الجوائز العالمية ومرجعياتها، والتشكيك بالكتّاب السوريين الذين نالوها أو تم ترشيحهم للفوز بها، عن السياق الثقافي والأيديولوجي العام الذي يندرج ضمنه، وهو كيفية التعاطي مع البديهيات الكبرى مثل الولاء للوطن والتطبيع والاحتكاك المباشر وغير المباشر مع جهات ربما تُعد «معادية» أو «غير مريحة» بأحسن الأحوال، والذي يُرجع بالأصل إلى ثقافة جديدة تحاول أن تجد لنفسها في الحياة الثقافية السورية شكلاً وإطاراً ما، قد يثير جدلاً بين وجهات النظر المتعددة.
الكاتب خليل صويلح يفوز بجائزة نجيب محفوظ للرواية التي يمنحها قسم النشر في الجامعة الأمريكية في القاهرة، عن رواية «ورّاق الحب»، فنسمع حديثاً مشكّكاً بالقائمين على الجائزة ونواياهم، وقبله كلام مشابه حول جائزة البوكر العربية التي تدار بالشراكة بين مؤسسة بوكر البريطانية ومؤسسة الإمارات في أبو ظبي، والتي كان الكاتب خالد خليفة قد وصل إلى قائمتها النهائية في نسختها الأولى عن رواية «مديح الكراهية». هنا تفرض التساؤلات الحسّاسة نفسها. هل يعني هذا أن خليل صويلح أو خالد خليفة مدانان حقاً؟ هل تحدّث خليفة صاحب نص «هدوء نسبي» عن «الأدب السوري المطرود من رحمة المؤسسات» طمعاً في الـ 50 ألف دولار (قيمة الجائزة)، أم لأن روايته صدرت عن دار الآداب في بيروت بعد أن مُنعت في وطنه سورية؟ هل يعني هذا أنّ الأعمال السورية المرشّحة لمثل هذه الجوائز سيئة أو عادية المستوى الفني، ولكنّها أخذت بعين الاعتبار لاعتبارات تتعلق بمواقف كتّابها؟ كلها أسئلة مشروعة في ظل ما نسمعه من اتهامات تبلغ درجة التخوين والعمالة والاتهام بنشر ثقافة التطبيع وما إلى ذلك. حدث ذلك مع نجيب محفوظ بعد نوبل، ومع أدونيس بعد تصريحاته في أحد المهرجانات الأوروبية وافتراض أنه يسعى لنوبل، ويظهر الآن بمعطيات جديدة لا يبدو أنّها تختلف من حيث المبدأ والخلفيات.
في سياق متصل، الوقائع تقول إنّ تعاطي بعض المثقفين السوريين مع الأحداث والفعّاليات العالمية ظلّ قاصراً وساذجاً لسنوات عديدة، وربما أكثر من اللازم. فالانسحاب «البطولي» من المهرجانات الكبرى التي تشارك فيها إسرائيل كان له أثر عكسي فظيع على الثقافة السورية في الداخل والخارج، لدرجة أنّ الدهشة باتت السمة المميزة لردود الأفعال الدولية تجاه أي اختراق ثقافي سوري هنا أو هناك. هل يمكن التشكيك بوطنية رجل مثل جهاد سعد؟ سمعة الرجل وتاريخه العريق لم يمنع الاتهامات التي طالته بعد أن التقطت له صورة مع صحفي إسرائيلي في مهرجان دولي دون علمه بحقيقة الرجل. الكل يعلم مدى حساسية السوريين تجاه أمور كهذه، ولكن هل يعني هذا ترك المنابر العالمية مفتوحة أمام العدو، لتصل به الوقاحة إلى الادّعاء بإسرائيلية أطباق الحمّص والفتّة؟ لماذا لا نقتدي بما فعله المخرج حاتم علي في مهرجان تاورمينا السينمائي منذ عام تقريباً؟ عندما علم صاحب «التغريبة الفلسطينية» أنّ عليه مصافحة المخرج الإسرائيلي آري فولمان لحظة تسلّم الجائزة الكبرى (الثور الذهبي) للمهرجان عن فيلمه «الليل الطويل»، أقفل عائداً من صقلية الإيطالية إلى البلاد في اليوم التالي مباشرةً، رغم أنّ الإسرائيلي عضو لجنة التحكيم في المهرجان العريق يساري التوجّه، وهو مخرج فيلم «فالس مع بشير» الذي يتحدّث عن مجازر صبرا وشاتيلا وينتقد شارون بشدّة. لم ينسحب علي من المهرجان في استعراضات بطولية فارغة، وفي نفس الوقت لم يحتك مع أعداء بلاده. وكانت النتيجة أنّ مانشيت «سورية تنتصر» تصدّر الصحف الإيطالية رغم أنف الجميع.
في مثال آخر على الصعيد السياسي، عندما اقتضت المصلحة السورية العليا المشاركة في الحلم الفرنسي المسمّى «الاتحاد من أجل المتوسط»، كان خبراء السياسة في البلاد يعلمون بوجود إسرائيل في المشروع، ولكن المشاركة لا تعني الاعتراف بالعدو أو التعامل معه بأي شكل من الأشكال، فالمصلحة الوطنية تقتضي عدم تفويت هذا القطار بغض النظر عن ركّابه.
الاستطرادات السابقة لها علاقة مباشرة بموضوعنا الأساسي، لأنه يمكن بناء الفرضية التالية استناداً عليها حتى لو بدت شخصية بعض الشيء. أنا من الكتّاب المشاركين «باستمرار» في جريدة «الأسبوع الأدبي» الصادرة عن اتحاد الكتّاب العرب، الذي شكّل مؤخّراً لجنة لدراسة أوضاع بعض الكتّاب ومنهم خالد خليفة وغيره. إذا ما نشرتُ الآن رواية عن علاقة عجوز في الثمانين مع جسدها، ورشّحت هذه الرواية لجائزة عالمية ما مثل البوكر أو نجيب محفوظ، هل يعني هذا أنّي تحوّلتُ بقدرة قادر من التيار القومي الملتزم إلى تيار شرق أوسطي ما يحاول اختراق ثقافة المنطقة وعزلها عن المواضيع الكبرى؟ إذا كان هذا منطقياً، فربما كان اتهام الكاتب السوري بالخيانة العظمى والمطالبة بإعدامه منطقياً أيضاً بطبيعة الحال. دون أن يعني كل هذا أننا نكذّب ادّعاءات أي فريق أو جهة، فما يهمّنا أسلوب التعامل مع X وليس X نفسه.
الصورة الشاملة ليست بهذا الضيق والمحدودية، فما يحصل له علاقة بثقافة جديدة وأخرى عتيقة. بخطاب قديم وعقلية حسّاسة اعتادت الهروب من كل ما قد يكون شائكاً في سبيل حماية المجتمع، من وجهة نظرها على الأقل. الصورة الحقيقية لها علاقة بنظرية «ملء الفراغ» الشهيرة، فالكوب الفارغ لا بد أن يتمّ ملؤه من أي مصدر كان، وما دامت غالبية المؤسسات الثقافية الرسمية عاجزة عن فرض نفسها على الساحة بالشكل والمضمون والأموال وكل الطرق والأساليب الجذابة، فعلينا ألا نستغرب «هلمّة» الجوائز وربما غيرها في المستقبل.
في نهاية عام 2007 وصل عدد المراكز الثقافية الرسمية إلى 441 مركزاً على امتداد المحافظات والقرى. هل يمكن إنكار أنّ المركز الثقافي الفرنسي أو الألماني أكثر فاعلية وتأثيراً منها مجتمعةً؟ هذا أيضاً تساؤل متعلق بالموضوع الأساسي.
فلننظر إلى الصورة الشاملة أولاً قبل أن ندخل إلى دهاليزها، ولنتذكر أن الشيطان يكمن في العنوان العام قبل أن يدخل في تفاصيله.
نشرت في كلنا شركاء
علي وجيه
08-أيار-2021
11-تموز-2010 | |
14-حزيران-2010 | |
«جزيرة شاتر».. درس سكورسيزي الجديد دعوة صارخة للتعمّق في النفس البشرية |
08-أيار-2010 |
17-نيسان-2010 | |
14-آذار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |