فتنة
2010-03-02
لسنا الوحيدين الذين «يروعهم فقد الذاكرة».. هكذا تقول فاطمة المرنيسي، الباحثة المميزة في التاريخ الاسلامي، في كتابها «الحريم السياسي»، حيث توضح أن المسلمين يشتركون مع غيرهم في «الحساسية إزاء التغيير»، ولكنهم يختلفون في الحساسية إزاء الزمن، «إزاء القلق من الزمن الموجه الذي يفضي إلى الموت».
تتوسع المرنيسي في تحليلها لتعامل الغرب والاسلام العصري مع فكرة الموت ومرور الزمن (مع تحفظي على شطرية الغرب والإسلام)، فتقول «ان ما يميز الغرب الحديث هو نجاحه في وضع قناع من سحر المستقبل على وجه افتتانه بالموت، محرراً بذلك طاقاته الخلاقة. أما المسلمون العصريون فإنهم يفضلون الموت على الحياة، حتى ولو لبضعة عقود، مأخوذين بسحر ألم القبر. نحن مختلفون عن الغربيين بالطريقة التي نستهلك بها الموت، بطريقة استهلاك الماضي. هم يصنعون منه طبق حلوى لنهاية الوجبة، ونحن نحاول أن نجعله صحنها الرئيس. هم يستهلكون الماضي كنوع من التسلية، من إمضاء الوقت للاستراحة من ضغط الحاضر ووطأته. ونحن نستشري في أن نجعل منه مهنة، في أن يكون نزعة وأفقاً. ومن فرط تمسكنا بالأسلاف في كل لحظة، نعيش الحاضر فاصلاً ترفيهياً، لا يشدنا كثيراً، وينتهي الى حدث محزن يقف عائقاً في وجه ما نترقبه».
هذا الافتتان بالماضي والزهد بالمستقبل، عدا ختامه المفني، لا يترك مساحة اهتمام عقلية وقلبية كافية بالحاضر الذي يناله اهمال تام مغلف بالزهد والورع، اهمال يتزايد بتزايد الشعور بالذنب تجاه الرغبات الدنيوية والتطلعات المستقبلية. لذا نجد أن معظم الشعارات العربية والاسلامية، هي شعارات تقديسية لفكرة الموت، الذي يمثل أعظم صور التضحية وأعلى درجات الانتصار. فالشهادة عرس تزغرد فيه الأمهات مما جعل الشهادة، وليس القضية، هي الغاية بحد ذاتها. تتجلى هذه الفكرة في «اشتياق» شباب المسلمين للموت الذي يلاحقونه أينما تَسمّى بمسميات الشهادة، فنجدهم يحاربون في معارك ليست بمعاركهم، ومن أجل قضايا لا تخصهم، وفي لعبة هي أكبر كثيراً منهم وأصغر كثيراً من نبل الغايات التي تستقر في قلوبهم.
أصبح الموت سلعة تباع لنا وتتحكم فينا، حيث أعظم إعلاناتها التسويقية هي بحور الخمر، وحرملك العذراوات.. الى بقية محرمات الدنيا التي تنقلب حلالاً شيقاً في الآخرة، وكأن تحريمها دنيوياً، هو اختبار لقدرة الانسان على المقاومة وليس اعتباراً لمضار تلك المحرمات. لذا، من لا يجد في قلبه الصبر على تلك المقاومة، تجده «يقطع قطوع» عبر «سكيك» قصيرة للموت بدل الاستمرار في حياة تشق على نفسه وتعذبه برغباته وتهيج أشواقه لمتعها التي تعددها عليه الأصولية آثاماً، وتقلبها قلقاً وعذاباً للضمير.
«لا يشدنا الحاضر كثيراً».. كما تقول المرنيسي، فهو مليء بالذنوب، وهو مؤقت وغير حقيقي، والأهم، هو يبدو غير مضياف لنا، وكأن لا مكان لنا فيه، وننسى نحن أن علينا أن نعمل لنستحق كرم الضيافة. وعلينا أن نتجاوب بإنسانية وأخلاقية وطيبات الدنيا، أن نستمع بها بحق، حتى تقبل علينا، دون إفراط أو تفريط.
للحالة الكويتية خصوصية في غرامها بالماضي، فتجدنا نردد حلمنا بعودة كويت العصر الذهبي، حيث كانت عروساًَ ودانة ودرة. وعلى الرغم من افتتاني بهذا العصر الذي لم أختبره، الا أنني لا أود العودة للوراء، بل أتمنى أن أرى اليوم كويت المستقبل. يا حبذا لو حظيت بلقطة من كويت سنة 3000، وهي معمرة الى أقصى حدودها، مشجرة، لطيفة الأجواء صافيتها، متاحفها ضعف أسواقها، لا ازدحام ولا خصام شوارعيا، ثلثا برلمانييها نساء، تمثال العظيم عبدالله السالم يفترش ساحة مجلس أمتها، ليبرالية الهوى، علمانية السياسة، ديمقراطية الفعل، لها قبة زجاجية ضخمة تظللها بأكملها وتكيف أجواءها في شهور الصيف، وبالطبع، فيها المسرح الأوبرالي الأضخم في العالم، معلقة على بوابته الضوابط الثلاثة عشر لتذكر الكويتيين بوقت سيريالي مضى وانقضى.. كم أنا مفتونة بالمستقبل.
عن جريدة أوان 1/3/2010
08-أيار-2021
05-نيسان-2010 | |
26-آذار-2010 | |
10-آذار-2010 | |
02-آذار-2010 | |
24-شباط-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |