Alef Logo
المرصد الصحفي
              

إرث ثقيل

ابتهال عبدالعزيز الخطيب

2010-03-26

يتساءل كثيرون حول سبب طغيان الجماعات الإسلامية وتوجهها لاستخدام العصا (مجازاً وحقيقة) لفرض آراء وتوجهات دينية يختلف حولها المسلمون، فضلاً عن غير المسلمين من سكان هذا البلد. لِمَ لا تكتفي هذه الجماعات بالترويج السلمي والتوعية الإعلامية التي تضمنها لهم البلد، ويفرضها أي فكر ديمقراطي حر كوسيلة لنشر فكرهم، عوضاً عن محاولة فرض هذا الفكر بقوة القانون وكأنهم ميليشيا، وكأن فكرهم قوانين عرفية لا تُطبّق إلا بقوة السلاح؟

من المهم أن نتتبع أصل هذا الفكر المهيمن على المنطقة حالياً، وتوقيت تحوله من فكر فلسفي ديني متطرف إلى قانون قسري يهدد ويلزم ويستعبد الناس ويخنق أنفاسهم. يقول د.نصر حامد أبو زيد في كتابه «دوائر الخوف» إن الفكر الإسلامي الفلسفي بدأ يفقد العمق، ويتحول إلى القمع من بعد وفاة الرسول وتدريجياً، وصولاً إلى الدولتين الأموية والعباسية اللتين مثلتا قمة «عصور الانحطاط»، على حد تعبير أبوزيد، حيث ظهر في ذلك الزمن وعّاظ السلاطين الذين اتخذوا «الخداع الأيديولوجي» سبيلاً «إلى السيطرة على العامة». مورس الإرهاب على أشده في حينها، واتبعت طرق الترهيب والترغيب ووظّف فيها الإسلام لخدمة «الخلفاء» ترهيباً وترغيباً وتشريعاً. وعليه، يقول الدكتور، «تحول الفكر الإسلامي من أن يكون (صياغة) للواقع وترشيداً له إلى أن يكون (تبريراً) لهذا الواقع، بمنحه غطاء أيديولوجياً ومشروعية دينية». ومن ثم تأسس الفكر السلفي المتطرف المعادي لكل التوجهات المغايرة، و«هيمن (التقليد) على العقل المسلم.. وصارت علوم الفلسفة والمنطق من المحرمات.. وفي هذا الإطار يصبح المعيار الوحيد للإنسان هو (الطاعة)، وهو معيار لا يترك مجالاً لإنسانية خارج المعيار، سواء للمسلم أو غير المسلم».

ويؤكد الدكتور أن حركات الإسلام السياسي نجحت في الحشد والتعبئة، خصوصاً في رفضها لمبدأ التبعية الجذاب والعاطفي (وهذا رأيي) في زمننا هذا، فنجحت هذه الحركات كما يؤكد الدكتور في «تحويل الدين عن وظائفه الأساسية -الروحية والأخلاقية- ليؤدي دور إيديولوجيا (المعارضة) ضد أنظمة الحكم القائمة، سعياً للوصول إلى السلطة. لكن إيديولوجيا التأويل تلك لا تقدم في الحقيقة بديلاً فعلياً يتجاوز بالوطن أزمته أو بالأمة تخلفها، لأنها تستمد مقولاتها الأساسية من الفكر الفلسفي في عصور الانحطاط».

تلك هي الأزمة، وهذه هي اللعبة، عندما يتحرك البعض، باسم الدين الإسلامي، لمنع النساء من المشاركة في الحياة الاجتماعية والرياضية في البلد، عندما يبذلون الجهد للحد من حركة المرأة وتنقلها دون محرم يراقب تحركها، عندما تتوالى فتاواهم في اتهام الناس وتكفيرهم والطعن في أخلاقياتهم ونواياهم، عندما تحرّم عليهم كل أوجه الفن، وتغلق دونهم كل شبابيك الحرية، وترفع في وجه العلم كل حوائط الحرام، فإن هؤلاء فعلاً يستنسخون ذاك الأسلوب القمعي الغابر لعصور الانحطاط، عصور الجواري والأموال السائلة، عصور قطع رقاب الفقراء وتقديمها على صوان من ذهب للأغنياء، عصور القصور والأنهار الجارية فيها، والفقر المدقع في الحواري المجاورة لها، تلك عصور قبَض الخاصة فيها على رقاب العامة بيد من حديد، بمساعدة فكر ديني صارم، هو نتاج فكر وعّاظ السلاطين الذين يقبضون من حكوماتهم وخلفائهم ثمن وعظهم.

إن ما يحدث اليوم لا علاقة له بالدين، وليس هو صراع بين مسلمين ملتزمين وآخرين متحررين، بل هو صراع بين خلفاء هذا الفكر القمعي الخطير الذي استمر من تلك العصور الغابرة إلى يومنا هذا، كأفضل فكر للقبض على عنق الشعب وسوقه كشياه جائعة، وبين أبناء هذا الزمان الذين يحترمون دينهم ودنياهم، الذين يعُون المؤامرة التي تحاول تصوير الدين الإسلامي على أنه فقه متخصص في الجنس، ولا يعالج سوى الشهوة، في محاولة للقبض على الجسد والعقل معاً.

إنه صراع بين فكر حكام الدولة الإسلامية في أسوأ عصورها وأكثرها ديكتاتورية وقمعاً وانحلالا،ً وبين أناس طبيعيين يعيشون زمنهم الذي لا يتسع لديكتاتورية وقمع حكام إمبراطوريات قمعية غابرة. إنهم أخطر «ظواهر هذا الزمان» على الدين الإسلامي، وفعلاً، في وجودهم، القابض على دينه كالقابض على جمرة، وإلى متى نحترق بهم وتدمى أيادينا بجمر فكرهم؟

آخر شيء:

تصريح الرئيس أحمدي نجاد بتقسيم العالم إلى شياطين وموحّدين أحرار يمتد، كما يبدو لي، من الفكر الزرداشتي الذي يقول بالصراع الأزلي بين إله الخير أهورا مازدا، وإله الشر أهريمان، والذي ينعكس على واقع البشر في حياتهم اليومية. الفكر الزرداشتي لا يؤمن بالانتصار الدائم للخير، فأحياناً للشر من الانتصار نصيب. مجرد خاطرة تنبيهية حتى لا يقع الرئيس نجاد في المحظور.

عن جريدة أوان 22/4/2010











تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

عتبات مقدسة .. عن المثلية الجنسية والحريات

05-نيسان-2010

إرث ثقيل

26-آذار-2010

فرويد .. كان عربياً

10-آذار-2010

فتنة

02-آذار-2010

بلا جدران

24-شباط-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow