Alef Logo
يوميات
              

عتبات مقدسة .. عن المثلية الجنسية والحريات

ابتهال عبدالعزيز الخطيب

2010-04-05


في المجتمعات محفوفة الجوانب، محددة الأطراف، مؤطرة التفكير بقوى دينية سياسية، تتضاءل حريات الأفراد وتستباح خصوصياتهم، والحريات والخصوصيات هما وجهان لعملة واحدة، وهما ما يشكلان في النهاية تمييزاً اجتماعياً وسلوكياً للبشر عن باقي موجودات الأرض. لذا، فإن المجتمعات التي لا تحتفي بالحرية والخصوصية، تعامل أفرادها معاملة وحشية لا إنسانية، قمعية تهبط بالمستوى السيكولوجي والبيولوجي والأيديولوجي للأفراد، فتنهزم نفسياتهم وأفكارهم، وبالطبع أجسادهم، أمام قوى القمع التي تستخدم الجسد للوصول للفكر، فتراها مجتمعات تقيد الجسد وتعذبه وتحقره لتهزم العقل وأفكاره، والنفس ومشاعرها، وتحزمهما على وسطها المتخم المتضخم بالمال والسلطة السياسية والروحانية الدنيوية والأخروية.

وبما أننا نعيش في أحد هذه المجتمعات، ولا مخلص لنا فيما يبدو إلا أنفسنا، وعن طريق ثورة فكرية تستحق هدر الدماء، نعم، فليس من نضال وجهاد أكثر استحقاقاً للدماء البشرية من حرياتهم وخصوصياتهم، يلحّ علينا سؤال: أين تقف سلطة رجال الدين في المجتمعات المتسلطة، وأين يبدأ الوازع الشخصي ودور الضمير الانساني؟

في لقاء خاص بمبعوث إحدى المؤسسات البحثية الإنسانية سألني: كيف تعرّف السلطة عندكم المثليين لتقبض عليهم وتحاكمهم، هل تحتاج لرؤية العين للفعلة، أم إن هناك مقياسا مختلفا؟ أجبته أن هناك خلطا صارخا بين «مستبدلي الملابس أو المظهر» المعروفين بالـ cross dressers وبين المثليين المعروفين بالـ homosexuals، فالأول يلبسون ملابس الجنس الآخر، وهم ليسوا بالضرورة مثليين مطلقاً، وهم من يطلق عليهم: المتشبهون بالجنس الآخر في مجتمعنا، والتالون هم أصحاب التوجهات الجنسية لذات جنسهم، وهؤلاء لا يمكن التعرف إليهم مطلقاً.. من أشكالهم الخارجية. «وما مقياس القبض على هؤلاء أو هؤلاء إذن؟..» يسألني المبعوث؟ فأجيب: «حقيقة لا أعرف».

هنا تتجلى أعتى صور اغتيال الحريات، وانتهاك الخصوصيات في مجتمعاتنا. فالحكم على المظهر الخارجي هو مقياس دون مقياس. فعندما يبدو لي الشعر الطويل للرجل تأنّثا تشبُهيا، يبدو الطول ذاته علامة فارس مقدام لدى آخرين. ليس هناك من خط واضح، أو فكر فاصل المعالم في المظهر الخارجي، الذي هو كما الوجه البشري مميز ومختلف وخاص جداً بصاحبه.
أما الحكم على الاختيار الجنسي، فذاك يتطلب كسر أبواب غرف النوم، انتهاك شراشف الأسرّة، اغتيالا لحق الإنسان في ستر نفسه. إنه أمر يتطلب ويأمر بالفضيحة التي تنهى عنها الأعراف الإنسانية والدينية، لأنه يحتاج لمراقبة، يتطلب إطالة الرقبة للتجسس في الأماكن المحظورة وتوسيع بؤبؤ العين في أقفال مفاتيح الأبواب للتعرف إلى هذا التوجه الجنسي. في العرف الديني هناك الحرام، وهذا الحرام، وأكتبها بعلو الحرف المطبوع، يتغير بتغير الزمان والمكان، ولا أشك أن تتغير الرؤية للكثير من هذه الأمور، بما فيها المثلية الجنسية، بتطور البحث العلمي البيولوجي اليوم، وبسبره أغوار الجسد والسيكولوجية الإنسانية، وهو تطور سيزيح الستار عما غمض علينا لملايين السنين.. منذ وجد الإنسان على وجه الأرض. لكنني أؤكد أن طبيعة الفكر الديني تستوجب تحديد الحلال والحرام، وتفصيل الصح من الخطأ من وجهة نظر عقائدية. المشكلة تكمن في التطبيق، وفي المدى الذي يريد أن «يتمدد» فيه أقوياء السياسة الدينية، وصولاً إلى غرف النوم، مبعثرين شراشف خصوصية الأفراد، مستبيحين أجسادهم ورغباتهم وشهواتهم الإنسانية التي ليس لأحد الحق عليها سوى الأفراد أنفسهم، وليس من كابح لها سوى الضمير والإرادة الشخصية.

تلك المشكلة إذا ما تركناها تتمدد، فإنها ستمرغ وجوهنا جميعاً في طينها. فحتى الأزواج قد يؤتون ما حرّم الدين الإسلامي بمقاييس اليوم. لذا، فالقبول بمنطق اغتيال غرف النوم وانتهاك الشراشف، سيوصل أقوياء السياسة الدينية لأسرّة الأزواج، وعندها لا مناص، سنتحابّ بأمر وفتوى، وستخاط شراشفنا على مقاييس «الأقوياء»، فتصبح كبيرة أو صغيرة على أسرتنا، ونغترب ونتميكن (من الماكينة)، ونهبط من درجة الإنسان الذي يقف له ضميره وعقيدته وأخلاقه على أبوابه الخاصة ليبقيه آدمياً دائماً حتى في خلواته، نهبط ونهبط إلى درجة.. اللاإنسان.. هذا المخلوق الذي يحتاج إلى تهجين وتكبيل، سلسلة حديدية حول معصمه، أو كعب رجله حتى لا ينطلق، وقد تعرى من تمكينه الإنساني بإرادته وأخلاقه، إلى بدائية الترغيب والترهيب، يُقبل عندما تتأرجح الجزرة أمام عينيه، ويدور مع دورانها. إن الدعوة لتقديس حرياتنا وخصوصياتنا هي دعوة للحفاظ على آدميتنا.. حتى لا نفقدها، ونصبح ذات يوم ونحن لسنا.. نحن.
عن أوان الكويتية
بالاعتذار من الكاتبة أضفنا عن المثلية الجنسية والحريات على العنوان الأصلي
عتبات مقدسة

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

عتبات مقدسة .. عن المثلية الجنسية والحريات

05-نيسان-2010

إرث ثقيل

26-آذار-2010

فرويد .. كان عربياً

10-آذار-2010

فتنة

02-آذار-2010

بلا جدران

24-شباط-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow