فرويد .. كان عربياً
2010-03-10
ليست المصيبة في منع فريق نسائي من تمثيل بلده.
ليست المصيبة في خرق القوانين وفي الامتهان البيِّن للدستور، بل وفي العداء الواضح بينه وبين الدينيين عندنا في الكويت. أؤمن حقيقة بأن مصيبتنا أكبر وأعمق، هي مصيبة أيديولوجية دينية كاملة تصطبغ بها المنطقة، حيث تصدرت الكويت جيرانها في سرعة الاصطباغ وكثافته.
بكل وضوح أقولها، المجتمعات الدينية الحالية هي مجتمعات جنسية من الطراز الأول، في واقعها، هي مجتمعات فرويدية صرفة ولكنها تأخذ منحى مرضيا في فرويديتها.
هي أولاً تحكم على المجتمعات من نسائها فقط لا غير.
فالمجتمع الفلاني محافظ لأن نساءه «متغطيات»، وهذا خليع لأن نساءه «كاشفات».
وكأن قدر المجتمع وتركيبته محفوران على جسد النساء فقط لا غير.
أما الرجال فيقاسون بفحولتهم، لذا، تجد هذه المجتمعات تحثّ الرجل على اتخاذ أكثر من «رفيقة» لحياته، فإما زوجة أو خليلة تحت مسميات دينية تبيح وتحلل وتضفي قبولاً، بل واستحساناً اجتماعياً ودينياً. تلك مجتمعات تبني كل علاقاتها:
الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية وغيرها على الفرضية الجنسية، على علاقة شهوة تهبط بأفراد المجتمع إلى مستوى «لا انساني»
يجعلهم قيد هذه الشهوة، ولأنهم، بحسب تلك الفرضية، بيولوجياً ونفسانياً، عبيد لرغباتهم، لا بد إذن من فرض إجراءات تحميهم منها العزل والقمع والعقوبة الشديدة المتكررة الجسدية منها والنفسية، وأهمها ترسيخ حالة من تعذيب الضمير والربط المطلق بين مخالفة «إجراءات الحماية» ومبدأ الشرف.
هنا تنقلب الموازين، فيصبح ضرب الرجل لزوجته، أو اغتصابه لها، أو حشده للزوجات في بيته، أو تزويجه لطفلته، كلها أفعال شرف مستحقة دينياً، وتصبح مشاركة امرأة تلبس بنطالاً وقميصاً في مباراة كرة قدم رسمية لتمثل بلدها عاراً وإثماً شرعياً. فرجل هذا المجتمع (إلا من رحم الخالق بالخروج عن هذا النسق المريض) لا يرى في المرأة إلا رغبة، لأنه بحكم تعاليمه الدينية والمجتمعية الحالية له فرصة مع كل امرأة ليس لها رجل تقريباً، وبالحلال، بل له فضل وثواب متى ما مارس فحولته التي أصبحت اليوم دلالة على التدين والالتزام.
ورجل هذا المجتمع يعتقد، وذلك بحكم التلقين المجتمعي كما أتى على ذكره بتوسع الدكتور حامد الحمود في مقالته الرائعة «قراءة في فتوى الشيخ البراك» المنشورة في القبس بتاريخ 2 مارس، أن هذه «الأنثى» مادة للجنس وليست مادة «مواطنية».. ولذا يتوجب عليها أن تعتزل الحياة العامة بأنواعها كافة، لما لظهورها و«حركتها» من أثر غاية في الضرر على الرجال حاضري الغريزة في كل زمان ومكان.
ان رجل هذه المجتمعات لا يمكنه أن يقر بحق المرأة المواطني، ولا بقدراتها الإنسانية بالتساوي معه، لأنه في حال أقر بحقها وقدراتها، فإنه تلقائياً وحقيقياً سيخسر هيمنته المجتمعية عليها عندما تتحول فجأة إنساناً يبني ويعمل ويشارك في تعمير الوطن وصنع القرار.. كيف عندها يمكنه أن يعاملها كأداة متعة يحق له حتى أن يضربها، إن هي رفضت إمتاعه؟ وكيف عندها يمكنه أن يقنعها أن الملائكة ستلعنها، إن هي لم تستجب لرغباته، وأن خالقها سيغضب عليها إن هي لم تقر بحقه في «تكويم» نسائه، وأن دينها يعاقبها إن هي ردت صفعته بصفعة مماثلة؟
نعم، سيخسر رجال مجتمعاتنا كثيراً، إن هم سمحوا بهذه الانتفاضة الرياضية الرقيقة، فهي تؤنسِن المرأة وتموطنها وتعطيها ذات قيمتهم المجتمعية والمدنية.
المشكلة إذن ليست في منع فريق كرة قدم، المشكلة أننا قبلنا بهذا المنطق الذي يجعل منا ومن بناتنا أدوات جنسية، تحولنا، في حال أقبلنا على المشاركة في الحياة العامة وفي بناء بلدنا، إلى عرض مباح، أخلاقنا مهزومة وشرفنا مشكوك فيه، وأي تجسيد لنشاطنا يثير الغرائز ويعرض المجتمع لهزيمة أخلاقية. أي إهانة تلك لإنسانيتنا جميعاً نساء ورجالاً؟! وأكرر سؤالاً طالما طرحته في مقالاتي، لمَ سكوتنا على هذه الإهانات الفاحشة؟ مم نخاف تحديداً؟
عن جريدة أوان 8/3/2010
08-أيار-2021
05-نيسان-2010 | |
26-آذار-2010 | |
10-آذار-2010 | |
02-آذار-2010 | |
24-شباط-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |