العوصمة
2010-04-12
خاص ألف
العوصمة مفردة مشتقة من (عاصمة ) ، على نسق العولمة ، قريبة منها في الشكل لكنها بعيدة في الموضوع . وهي على نسق التوأمة ، وتبتعد عنها كثيرا ً في المعنى .
أرغب في تسجيل هذا المصطلح باسمي ،إذا لم يتقدم شخص ٌ آخر ويعلن أنه سبقني بذلك .
من كلمة ( العوصمة ) نشتق الفعل ( عوصم ) للمذكر ، و ( عوصمت ) للمؤنث ، وسنرى كيف تستخدما . فعندما يقول أحدنا :" كيف الحال ؟ وتتحول إلى : " شلونك ؟ نقول عنه ( عوصم ) أي أصبح من أهل العاصمة لفظا ً ، وإن كان أصله من القامشلي ، أو من جبلة . أما الذي تعود أن يسأل مستفسر أ : " ما هيك ؟ فإنه عندما ( يعوصم ) يقول :" موو هييك .
أما في العوصمة الغذائية فنرى أن الكنافة اللادقانية ،أو الجبلاوية ، تستبدل بالحلويات الشامية المعروفة باسم المدلوووقة.
ماذا يعني وجود عاصمة ٍ ما لبلد ٍ ما ؟ هل يجب أن تغيب المدن الأخرى أمام هذه العاصمة ؟ وهل يجب أن تنحني هذه المدن للعاصمة ، ولا تستطيع الإتيان بأي حركة ٍ إلا من خلالها ؟
ماذا يعني أن العاصمة يمكن أن تحارب المدن الأخرى حتى بأبنائها الذين يصبحون في مرحلة ٍ تالية ٍ أبناء العاصمة وينسون مدنهم بانتظار تقاعدهم ، وعودتهم الاضطرارية إلى تلك المدن المنسية لتبدأ معاناتهم وبحثهم عن أصدقاء تخلوا (هم ) عنهم منذ عشرات سنين ( قضوها أبناء عاصمة ) ؟
هؤلاء تحديدا ً أقول لهم - وبالأحرى لمن ينتظر تقاعده منهم - أكتب هذه الكلمات لأذكر أبناء مدنكم الصغيرة بمعاملتكم كما يكتب أصحاب الشاحنات : ( ربي ارزقهم كما يتمنون لي ) ، أي كما عاملتموهم في السابق وأنتم أبناء عاصمة ، ليردوا لكم الكيل مكاييل لأنكم تستحقون ، وإن اعتبرتم أنفسكم قيمين على الثقافة والفكر في مواقعكم الحالية .
عندما أتحدث عن العوصمة هنا ، وعن المدن الأخرى ، فلا أقصد بالأخرى اللاذقية فقط ، وإن أحضرت أمثلة ً منها ، بل أعني كل المدن الصغيرة بلا استثناء ، لأن ما يحدث اليوم صار مشكلة ً كبيرة لماذا ؟
التركيز في العاصمة على حساب المدن الأخرى ، يضر بهذه المدن ، ويظهر ذلك ، أكثر ما يظهر ،في الجانب الفكري والأدبي والفني.
· المهرجانات :
رغم كل ما يقال عن تقديم الدعم لهذه المهرجانات ( وأنا من الذين يكيلون المدائح لداعميها ) فإن مهرجانات اللاذقية التي تحقق تقدما ملموسا ً عاما ً إثر عام ، لا يقدم لها الدعم الكافي ، ولا المطلوب ، ويبدو أن السبب في ذلك هو غلاء المعيشة في العاصمة مقارنة ً مع المدن الصغيرة ، لذلك يقدم الفتات للمدن الصغيرة ، وتسمن العطايا للقائمين على هذه المهرجانات في العاصمة ، وأعتقد أن معظم الذين سيقرؤون هذه الكلمات لن يطالبوا بأي تفسير ٍ فهم أدرى مني بالتفاصيل ، بل وبالأشخاص ، بل وبالحوافز المادية التي تقدم هنا وهناك ، والفارق الكبير بينها .
· الدراما :
لا أدري لماذا أتضايق عندما تبدأ فكرة تصوير مسلسل ٍ في اللاذقية ( علما ً أن التصوير في اللاذقية وما يقدم له من جهود أهل اللاذقية ممثلي الأدوار الثانوية أو الكومبارس ساهمت في إنجاح الكثير من الأعمال الدرامية السورية ) أتضايق حقا ً لتهافت أبناء المدينة الصغيرة على قلتهم وراء مدير الإنتاج للحصول على دور ٍ ولو صغير ٍ رغم إمكاناتهم الفنية العالية ، بينما القادم من العاصمة نجم ٌ لا يشق له غبار ، ومزود ٌ بالأدوار المهمة قبل خروجه من العاصمة . وتقدر للنجم (المتعوصم ) المبالغ الكبيرة لقاء كل حلقة ، أو كل ظهور ، ليبقى الفتات لأبناء المدن الصغيرة .
· حتى في موسيقا أوغاريت ؟؟؟
في أوغاريت اكتشفت أقدم أبجدية ٍ في التاريخ ، وأقدم نصوص ميثولوجية يمكن اعتبارها بداية المسرح الحقيقية قبل اليونان بسبعة قرون، إضافة ً إلى أقدم تنويط ٍ موسيقي ٍ في العالم ، وهو أيضا ً يسبق التنويط اليوناني ( الفيثاغورسي ) بسبعة قرون .
وبدل الاعتراف بأهمية أوغاريت في مجال الموسيقى ، نلحظ الجحود وإهمال الموضوع من النقاد والدارسين ، وكأن أوغاريت أو موسيقاها و أساطيرها وملاحمها لم تكن موجودة ! وإن وجدت ؟ ما هي النتيجة ؟ سوف نقدم لكم مثالا ً بسيطا ً عن هذا الموضوع :
اكتشف الرقيم الأوغاريتي ( ح 7 ) في العام 1957 ، وقدم للجمهور في العام 1979 في الاحتفال بالذكرى 50 لبدء التنقيب في أوغاريت ، وانشغل العالم في دراسة الرقيم الذي يحتوي على معلومات ٍ موسيقية ٍ لم تعرف حينها ، و قدم العلماء من ( فرنسا ، وأمريكا ، ومن كندا وبلجيكا ) دراساتهم وتحليلاتهم ، مما أعطى صورة ً تقريبية ً لما يحويه هذا الرقيم ، لكنها لم تكن كافية ، فالصورة تقول إن الرقيم هو عبارة عن إشارات ٍ موسيقية ، وكلام ٍ شعري ٍ ، وما إ لى ذلك ، لكن هؤلاء لم يصلوا إلى المعرفة العلمية الدقيقة لمحتوى هذا الرقيم ،حتى جاء دور ابن اللاذقية ( راؤل فيتالي ) المهتم بالفيزياء ، و استطاع معرفة تفاصيل الرقيم الفيزيائية ، وفك معظم أسراره ، لكن خبرته الموسيقية المتواضعة حالت دون إكمال ما بدأه ، فلجأ إلى الموسيقي المعروف ( زياد عجان ) الذي أكمل مع( راؤل ) حل اللغز ، وكانت النتيجة التي أذهلت الجميع بأن الرقيم عبارة ٌ عن نشيد ٍ ديني ٍ باللغة الحورية ، على الوجه الأول من الرقيم ، بينما يحوي الوجه الثاني طريقة عزف وغناء هذا النشيد ، أي باختصار ٍ شديد ، وبلغة عصرنا - التنويط الموسيقي - .
ماذا بعد
الموسيقي زياد عجان لم يتوقف عند هذا الكشف بل أعاد توزيع النوتة الموسيقية أكثر من مرة ، وفي أكثر من مناسبة ، ولحن عدة أشعار ٍ أوغاريتية مستخدما ً المقام الأوغاريتي الموجود في النوتة ، كما ألف العديد من القطع الموسيقية الآلية معتمدا ً الطريقة عينها . وقدم هذه المقطوعات والألحان في الكثير من المهرجانات والاحتفالات في اللاذقية، وحضر في بعض ٍ منها كثير ٌ من الشخصيات المعروفة . ورغم كل ما قدمه ( زياد عجان ) من عمل ٍ في سبيل حل رموز النوتة الأوغاريتية ، وما أداه من أعمال ٍ في سبيل تعريف الجمهور المحلي والعربي والعالمي بهذه الموسيقا ،بالرغم من كل ذلك (تقوم العاصمة ولا تقعد ) ويبدأ التطنيب من كل جانب بما فعله عازف ٌ كبير ٌ في دمشق منذ أيام ، (يقول الإعلام ) إنه أعاد توزيع موسيقا أوغاريت !!
( يا لطيف لهلق حتى وصل الخبر للعاصمة ؟؟ )
ولماذا كل هذا الاهتمام ؟ لأن العازف الكبير قام بذلك بمصاحبة ( الفرقة السيمفونية ا لوطنية ) ، ولا فرقة سيمفونية وطنية في اللاذقية حتى يسمع العالم بزياد عجان .أو على الأقل لم تتح لنا الفرصة نحن أبناء المدن الصغيرة لسماع عزفه وتوزيعه الأوغاريتي ، حتى لو كنا أبناء أوغاريت ، بل ولا تتاح لنا حتى المشاركات في بعض الندوات التي تتعلق بتاريخ مدننا الصغيرة ، والتي تقام في العاصمة حصرا ً من اجل استقبال الشخصيات الغريبة والغربية المهمة .
من جانبنا نؤكد للعازف الكبير أنه ليس موضوع نقدنا ، ولا موضع انتقادنا ، ( رغم معرفته المتواضعة بالنوتة الأوغاريتية ) وهذا واضح ٌ من خلال لقائه الإذاعي في ( إذاعة شام . ف . م ) حيث يقول ( مقتبس حرفي عن الإذاعة، استبعدنا اسم العازف منه،واستبدلناه بالعازف ، والملون بالأحمر من قبلنا ) :
" فما هي قصة "أصداء من أوغاريت"؟.. يقول " العازف " إنه استوحى هذه المقطوعة من أقدم نوته موسيقية عرفها التاريخ، تم اكتشافها في مدينة أوغاريت الأثرية على الساحل السوري، وهي عبارة عن رقيم مسماري من مقتنيات متحف دمشق الوطني، نُقش على هذا الرقيم أبيات شعرية باللغة الحورية، تناجي فيها امرأة أوغاريتية عقيمة؛ آلهة القمر، وفي الأسفل من الأبيات الشعرية، تم نقش مجموعة من الرموز التي تمثل أول تدوين موسيقي للحن هذه الأبيات، مكتوباً لآلة "الكنارة" الموسيقية ذات الأصول السومرية، ويتابع "العازف " قائلاً :«تمت دراسة هذه الرموز الموسيقية على مدى سنوات من جانب علماء الآثار، وقمت باستخلاص الأبحاث المقدمة بهذا الصدد، ودراستها على مدى أربع سنوات، ثم أخذت القاسم المشترك بين هذه الأبحاث، وأعدت صياغة اللحن الأوغاريتي القديم، ليأخذ شكله الحالي، الذي قدمته على آلة البيانو مع التوزيع الأوركسترا لي، تحت عنوان "أصداء من أوغاريت"..».
( انتهى المقتبس )
أما الأخطاء التي وردت في اللقاء فهي :
1- اللغة الحورية لم تفسر بعد ، أي أن كلمات الرقيم معروفة لكن ترجمتها ليست معروفة .
2- الخطأ الثاني ، وهو (حالة ٌ فريدة ٌ في الرقم المسمارية الأوغاريتية ويشير راؤل وزياد إلى ذلك ) الرموز غير موجودة في أسفل الرقيم ، بل على ظهر الرقيم ( قفاه ) . أي أن الرقيم بوجهين أحدهما للشعر ، والثاني للتنويط .
3- الخطأ الثالث يتعلق بدراسة الرموز الموسيقية ، وقد تمت من قبل موسيقيين وفيزيائيين أكثر منهم ( علماء آثار )
البحر
هذا الاهتمام بالعاصمة على حساب الأطراف ليس جديدا ً ، وأذكر أنه في عام 1987 ، وأثناء دورة ألعاب البحر المتوسط التي أقيمت في اللاذقية ، كان مسؤولو العاصمة يناقشون مكان إقامة المباريات ، وقرروا نقل : هذه اللعبة إلى دمشق ، تلك إلى حلب ، وهذه إلى العاصمة ، وهذه أيضا ً في العاصمة أفضل ، ... علما ً أن المباريات يفترض أن تقام معظمها في مدينة ٍ متوسطية ، قلت للمجتمعين يومها ، وأشهد الله على ذلك :
" يا جماعة لماذا تتعبونا معكم ،في نقل هذه وتلك ،
انقلوا البحر إلى دمشق ، وكفى "
في الصحافة
في جريدتنا الغراء ( الثورة ) مجموعة من المحررين (معظمهم من خارج العاصمة ) لكن معظم (هذه المعظمهم ) معوصمون، لذلك فإن النشر يفرق بين المحررين الموجودين في العاصمة ، والآخرون الموجودون في الأطراف ، فالذين من الحسكة تتأخر موادهم ، لصالح من هم من دمشق ، والذين من طرطوس كذلك ( عفوا ً هناك استثناء ٌ واحدٌ في طرطوس ) ، أما الذين في اللاذقية فعندهم الطامة الكبرى ،لماذا ؟ لأن التأخير وحده غير كاف ٍ ، يضاف إليه الإهمال في معظم الموضوعات ، وعدم اكتراث القائمين على الصفحات المتخصصة لأي قلم ٍ من الأطراف ، معتقدين أنهم وزملاؤهم الوحيدون في القطر العربي السوري الذين يفقهون معنى الصحافة والنشر .
بالنسبة لي ( شخصيا ً ) ، أرسل المادة مرة واثنتين وثلاث ، معليش ، سيأتي يوم وتنشر ، يأتي هذا اليوم بالنسبة لبعض المواد ،ولو متأخراً ، ولا يأتي أبدا ً بالنسبة لموادٍ أخرى ، حيث يسر أصحاب الدروج المعوصمة بالاحتفاظ بها ، لماذا ، إنه السؤال الوحيد الذي لا يستطيعون الإجابة عنه ، وأتحداهم .
تتأخر المادة النقدية حول ( مهرجان الكوميديا الرابع ) رغم حضوري جميع المسرحيات ومتابعة المهرجان لأكتب عنه ، وإرسال عدة صور عن المهرجان والمسرحيات ، وتنشر لزميلتي، رغم عدم حضورها إلا مسرحية أو أكثر ، وتنشر مادتها ،والصور من ( البروشور ، وليست حية ً عن المهرجان )،ولن أتحدث عن الأخطاء الواردة في الموضوع ، لكن لمن أراد يمكن العودة إلى ( الثورة ، شؤون ثقافية ، الجمعة 2-4-2010 ) .
بالمناسبة هي من اللاذقية ، لكنها عوصمت ، وكلفت بمهمة تقضيها بين الأهل ، وهي مناسبة لتكتب مادة أو اثنتين ، طيب .. أنا لست ضد زميلتي ، ولا أقصدها ،وأرجو لها التطور والنجاح الدائمين خاصة ً عندما تكتب عن جمعية أصدقاء أوغاريت ، على لسان أناس ٍ لا علاقة لهم بالجمعية ، وتتناسى الذين أسسوا الجمعية ( مقال لها ،الثورة ، شؤون ثقافية ،الخميس 17-1-2008 . )
ويبقى السؤال قائما ً ما ذنبي ؟ بل ما ذنبنا نحن أبناء المدن البعيدة عن العاصمة ؟ بل هل تستوعبنا العاصمة جميعا ً لنأتي ونسكن بها ونترك مدننا ؟ ما الحل ؟
في اعتقادي أننا نواجه مشكلة ً في ما أسميناه ( عوصمة ) ، ويجب التفكير مليا ً في هذه الحالة التي وصلنا إليها ، وإيجاد حلول ٍ حقيقية ٍ تضمن أن يعامل الإنسان في هذا القطر تبعا ً لقدراته وإمكانياته وكفاءاته ، وليس لمكان وجوده أو مكانته ، أو علاقته وقرابته ....
×××××
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف
08-أيار-2021
31-أيار-2011 | |
25-أيار-2011 | |
26-شباط-2011 | |
02-كانون الثاني-2011 | |
13-أيلول-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |