Alef Logo
يوميات
              

الصعودُ إلى "صفر "

ناديا خلوف

خاص ألف

2010-10-01

على رفوفِ المكتباتِ الخاصة ، والعامةِ . تتصدَّرُ كتبٌ كثيرةٌ مصفوفةٌ بعنايةٍ على الواجهةِ . تحدَّث عن نفسِ الأمرِ بنفسِ الأسلوبِ والتكرارِ المملِّ . أهمُّ الكتبِ التي تتصدَّرُ المكتباتِ هي: الكتبُ الدينيةُ . كتبُ الطبخِ والأبراج . بعدها كتبُ التنمية الذاتيةِ ، والتي لم يصدّقْ مؤلفوها كيفَ يسرقونَ أفكارِ " الطاقةِ البشريةِ " التي هي بالأصلِ موجودةٌ في أفكار المعتقداتِ البوذية والتاويةِ ، وربما يقدِّمُها هؤلاْء بشكلٍ أبسطٍ من الكتّابِ عندما ينصحونَنا باللجوءِ إلى داخلِنا . قرأتُ عناوينَ كتبٍ تتعلقُ بالتنميةِ مثل : الأفكارُ الإيجابيةِ. كيف تصطادين زوجاً . تخلصْ من المشاعرِ السلبيةِ . خمسُ خطواتٍ للقضاءِ على القلقِ . كانتْ أغلفةُ الكتبِ أنيقةً . عناوينُها توحي بأنَّ في داخلِها شيئاً مثيراً ، لكن ما إن تقرأ الصفحاتِ الأولى إلا وتذهبُ أحلامُكَ أدراجَ الرياحِ . إنّني لا أقلِّلُ من قيمةِ التجربةِ الشخصيةِ - إن كانت فعلاً تجربةً حقيقيةً - لكن البعضَ ليس لديهم أيةُ معرفةٍ ، بينما يقدِّمون أنفسَهم كروادٍ في معرفةِ الحلِّ لكلِِّ أمرٍ . يستشيرُهم الناسُ ولا يعرفونَ أنّهم يقومون بدعايةٍ إعلانيةٍ كي يسوّقوا أنفسَهم ، أو كتابَهم ، أو مشروعَهم .ليكون نصيبُهم أعلى رقمٍ في المبيعاتِ . نحنُ أيضاً نجتهدُ ، ولا نكسبُ سوى الخيبةِ . نضعُ أصابعَنا في عيونِنا ونبكي بصوت عالٍ أمام أنفسِنا . ما أتعسَ حظَّ الكتّابِ في بلادِنا ، ِأغلبُهم صامتٌ لا يتمكنُ من تسويقِِ عمله ، بينما آخرون يحصدون الجوائزَ التي ربما دفعوا ضعفَ قيمتِها وهم ينكرونَ ذلك .
أقرأ كتاباً في التنميةِ الذاتيةِ أو الأبراجِ بخمسِ دقائقَ ، ثمَّ أعيدُهُ إلى مكانِه لأبحثَ عن كتابٍ آخر . أجدُ كتاباً أتمتعُ بقراءتِهِ ، وأستغربُ لماذا يصمتُ بينَ تلكَ الرفوفِ المملوءةِ بالكثيرِ من كتبِ التجهيلِ والتسطيحِ للعقلِ ، وكتبِ الدعواتِ إلى التقوى الممتلئةُ بالرياءِ . أحياناً أجلسُ لساعاتٍ أقرأ في كتبٍ تستجدي الناسَ لقراءتها . لكنْ لا حياةََ لمن تنادي . نحن لا نقرأُُ إلا أنفسَنا . أقرأُ كي أحضِّرَ مقالاً ، ومن يدري؟ ربما لو لم تكن مهنتي تتعلقُ بالمعرفةِ لم أكن لأقرأُ سوى نفسي أيضاً فما أنا سوى واحدةٍ من ضمنِ مشروعِ الأميةِ الناجح .
الكتبُ كالبشرِ تصمتُ معَ الضجيجِ . تحدِّثُ الصامتين . تشكو همَّها لهم . وأنا من بين الذينَ تشكو الكتبُ لي . أتعاطفُ معها . أقولُ : تعلَّمي الصبرَ . تدربي عليهِ فهو مهارةٌ . أقولُ ذلكَ للكتبِ . نعم . فهي تحدّثني وأحدّثُّها .أ قرأُ الكتابَ وأربّتُ على كتفِهِ . أقولُ له : لا تخفْ ستكونُ لكَ الصدارةَُ يوماً . ربما بعدَ رحيلِ من كتبكَ ! يلمُّ بي الحزنُ لأنّ مؤلفَهُ لم يستفدْ مني لأنّني لا أستطيعُ شراءَ الكتابِ . لكنَّ للكتابِ روحاً ممزوجةً بأيامِ وليالي من كتبَهُ . أشعرُ بأنفاسِهِ ودمعهِ وهو يقولُ : شكراً لكِ مسحتِ الغبارَ عني ، وفتحتِ قلبي للحياة ! . .
من بينِ الكتبِ التي حققتْ مبيعاتٍ كبيرةً كتابٌ اسمه لا تقلْ "لا" أبداً ، وتحتَ العنوانِ مكتوبٌ : عشرُ خطوات تعلِّمُكَ أن تقولُ لنفسكَ : نعم . لا أستوعبُ ترقيم الأفكارِ لذا أمرُّ عليها مرورَ الكرامِ . دوّنتُ بعضَ الأفكارِ الموجودةِ في الكتابِ تقولُ المؤلفةُ في خطواتِها : ابحثْ عن فراغٍ تشغلُه . ثقْ بحدسِك . كنْ مهذباً . لا تخفْ من حماسِك . الحياةُ ليست مثالية . الكلُّ يخطئُ . ارتفعْ إلى فوقِ مستوى الأرض . اضحكْ على نفسِكَ . تراجعْ عن الخطأ . بعدَ ذلكَ ندخلُ في دوامةٍ أو
متاهةِ نجاحها بدءاً من مشروعِها مع الدجاج ، وانتهاءً بمقدمةِ الكتابِ التي يقدمُها لها أحدُ الممثلينَ في هوليود ، وإلى آخرِ ما هنالكَ من اللعبِ التسويقيةِ .
أطلتُ في المقدمةِ ، فأصبحتْ كالحيثياتِ التي تمهدُ للحكم على شخصٍ بريءٍ بالخيانة العظمى من أجلِ أن أقولَ: أنّني استعملتُ كلَّ الطرقِ التي تحدّثَ عنها هؤلاءِ الذينَ يتحدثون عن الطاقةِ والتأملِ ، والتأملِ التجاوزي ، والتنويمِ المغناطيسي والحريةِ النفسية . وما إلى ذلك من أمراضٍ جديدةٍ يفرضُها علينا هواةُ شهرةٍ . علينا أن نقبلَها ، ونتعاملَ معها، وقد نكونُ قمنا بالتأملِ الذي يتحدثونَ عنهُ في كتبِهم على مدارِ حياتنا دون أن ندري . ربما طبّقْنا تأملاً وتنميةً ذاتيةً أكثرَ من أي كتابٍ أيضاً ،فوعدْنا أنفسَنا بالمستقبلِ ، ومن خلالِ ضحكِنا على أنفسِنا تعلّمنا كيفَ نستمّرُ في الحياةِ .
من حقي أن أكتبَ عن تجربتي كما يكتبُها هؤلاء الذين بطروا من الشبعِ ، فانتقلوا إلى مرحلةِ النُبلِ ، وأوّلُ شرط للنُبلِ أن تكونَ كاتباً . هؤلاء الذينَ ضحكَ لهم حدسُهم فصدقوه، وإذ هم بين ليلةٍ وضحاها في مركبةٍ فوق الريحِ . قد تضحكونَ لو قلتُ لكم أن جنونَ العظمةِ مترافقٌ معَ الارتيابِ و الوسواس ِ القهري رافقوني على مدار حياتي . قبلَ أن يكتشفوا هذهِ الأمراضِ في القرنِ الحالي . معتقدةً بالمثلِ القائلِ " لا يصحُّ غيرُ الصحيح " ومتمسكةً به . أنتظرُ العنايةَ الإلهيةَ أن تشرفَ على تنفيذِهِ ،لذا لم أسعَ إلى تسويقِ نفسي . كنتُ أقنعُ نفسي دائماً بأنّ الزهدَ في الحياةِ فضيلةٌ اخترتُها طواعيةً ، وربما توارثتُها عن أجدادي الذين آمنوا بالصوفية ، والتقشفِ . كانوا يوصونا قائلين : تقشفوا في الأفراحِ وفي الأحزانِ . في لحظةٍ ما رفضَ كلّ من حولي هذا المبدأ في الحياةِ . أخصُّ بالذكرِ منهم أولادي . قالوا : " بدنا نعيش " مفاجأةٌ زعزعتْ كياني . عليَّ أن أجدَ الحلَ ، ولم أجدْه . وجدتُ نفسي مرغمةٌ على ما سأقومُ بهِ فيما بعد . في لحظةٍ أزلتُ من خلالِها الزيفَ العالقَ بي. وجدتُ داخلي يقولُ : هم يطالبون بحقِّهم . شعرتُ أنّه من حقّي أن أعيشَ حياةً كريمةً أيضاً .
سنبدأُ معاً من صومعتي . هناكَ كانت صومعتي التي اختبأتُ فيها هرباً من الحياةِ . لم أكنْ أشعرُ أنّني في العمقِ . كنتُ في كل يوم أشكرُ ربي لأنّه منحَني هذا المكانَ الآمنَ في الأسفلِ . وأكتفي بما يقعُ في طريقي من هباتٍ من الطبيعةِ أو البشرِ مقتنعةً بأنَّ الحياةَ دارُ فناءٍ . كانتْ صومعتي داخلَ تلك الحفرة . قريبةٌ من العالمِ السفلي الذي سنرحلُ إليه بعدَ زمنٍ. في لحظةٍ كادَ ت الحفرةُ تخنقُنا . ضاقَتْ علينا . اضطررتُ إلى مغادرتِها ، فإذ بي أرى حياةً أخرى . فيها وجوهٌ ضاحكةٌ . حياةٌ مختلفةٌ ، لم أتأقلمْ معها . لم أتعودْ عليها . تحسّرتُ على ذلكَ المكان الذي كان يحميني ، ويسهّلُ عليَّ عمليةَ الاحتضارِ كوني قريبةٌ من العالمِ السفلي .هنا أواجهُ الحياةَ الماديةَ التي يجبُ أن أبتعدَ عنها ، وأرحلُ إلى الروحانياتِ كعلاجِ منها . اكتشفتُ أنَّ الحياةَ التي أعيشُها بعيدةٌ عن الماديّة . بل مفرطةٌ في الروحانيةِ لدرجة أن هاجسي الوحيدِ أن أمرَّ بقرب بنكٍ ، فأرى رزمةَ مالٍ على الأرضِ ، و لم يصدقُ حدسي . لم أجدْ الفراغَ لأملأهُ أيضاً .
يبدو أن تركتي هي أثقلُ مما توقعتُ " الرغبةُ في العيش " جملةٌ تعني الكثيرَ ، وليسَ عندي إلا القليلَ . كم جلدتُ نفسي لأنّني بقيتُ في الأسفلِ زمناً ! لأولِ مرةٍ أعرفُ أنَّ الأرواحَ لا تنزلُ إلى العالم السفلي . بل تصعدُ إلى السماءِ . الصراعُ في داخلي كانَ على أشدهِ بين الموتِ والحياةِ . كلاهما يجذبني إليه . أميلُ إلى الموتِ أكثرَ، وفي محاولةٍ لإرضاءِ من حولي بدأتُ أبدي تجاوباً معَ الحياةِ
فَعَّلْتُ طاقتي الإيجابيةِ بواسطةِ فتيلٍ ضعيفِ الضوءِ .وجدتُ نفسي أتجاوبُ مع تلكَ النارُ التي لا يكادُ يراها أحدٌ . وصلتُ إلى مكانٍ ما قربَ الصفرِ . لأولِ مرةٍ في حياتي أفهمُ معنى الصفر . إنّني في المرحلةِ الإيجابيةِ - أي عندَ الصفرِ تماماً - هل سيسعفُني الحظُ إن ما وضعتُ أفكاري في كتابٍ أشرحُ فيهِ هذهِ الحالة ؟ وهل سيكونُ هو الأكثرُ بيعاً فأستطيعُ الانتقالِ إلى أعلى متجاوزةً الصفرِ ؟ إنّني أشعرُ بالتفوقِ ِ لأنّني اجتزتُ كلَّ تلكَ المسافاتِ حتى وصلتُ إلى هذهِ المرحلةِ . رأيكم هامٌ لي . أفيدوني به . أخشى أن أكونَ مازلتُ تحتَ الصفرِ ! أو أستمر بمحاذاتِهِ إلى الأبدِ !

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow