طاقةُ الحياةِ
خاص ألف
2010-11-08
المرأة . الرجلُ . سرُّ الحياةِ . الجنسُ. الغريزةُ . الرغبةُ . مفرداتٌ قد تدلُ في أكثرِ حالاتِها على غريزةِ البقاءِ المتمثلةِ بالجنس . تلكَ الغريزة التي تحافظُ على استمرارِ الحياةِ على هذا الكوكبِ . قد تصبحُ غريزةً مدمرةً لو اعترتها بعضُ الأمراضِ . إنّنا نرى ونسمعُ يومياً عن حوادثَ اجتماعية مؤسفةِ ، كالاعتداءِ على الأطفال ، والاغتصابِ على سبيل المثال لا الحصرِ . عندما تتغيرُ تلك الغريزة من غريزة إنسانية إلى مرضٍ مدمرِ . يكونُ الجنسُ ربما دافعاً للقتلِِ والجريمةِ . بدلاً من الحبِّ والسعادةِ . أكثرُ المشاكلِ الجنسيةِ تتلخصُ في موضوعِ الكبتِ . النظر إلى الجنسِ على أنهُ خطيئةٌ خاصةً بالنسبةِ للنساءِ . الجنسُ خطيئةٌ تلصقُ بالمرأةِ وقدْ تزهقُ روحها تحتَ اسمِ جريمةِ الشرفِ . كيف يمكنُ للمرأةِ أن تنفتحَ على العلاقةِ الجنسيةِ حتى مع زوجها إذا كان الدرسُ الذي تعلمتهُ في مدارسِ الأسرةِ والمجتمعِ والدينِ يلصقُ الخطيئةَ بجسدِها ؟ إنّها متوجسةٌ على الدوام من هذا الجسدِ ولا ترى من جمالِه سوى الشعورُ بالذنبِ . فما تمارسهُ المرأةُ ليس جنساً ، ربما هي غريزةُ الأمومةِ مع عدم التعميم على كلِّ النساءِ .
الاختلافُ بين الرجلِ والمرأةِ في موضوعِ الجنسِ شيءٌ طبيعيٌ بحكم تكوينِ كلّ جنس الفيزيولوجي وما يتعلقُ بذلكَ من هرموناتِ وأشياءَ علمية ليست مجال تخصصي..
للجنسِ مكانتُه المقدسة في الدياناتِ القديمةِ وفي جميعِ الأساطيرِ. لو تحدثنا عن الجنسِ المسموحِ به - نظرياً - ضمنَ مؤسسةِ الزواج نجدُ أنّ أساسَ النجاح في العلاقةِ الجنسيةِ هو قبولُ كلّ شخصٍ للآخرِ ككيانٍ إنسانيٍّ مستقلٍ متميز. عندها يكونُ الجنسُ طاقةً إبداعيةً وانفتاحيةً خلاقة ًلأنَّ الاتحادَ بينهما يجعلُ الرجلَ ينسى أنّه رجلٌ ، والمرأةَ تنسى أنّها امرأةٌ لأنّهما يدخلانِ في عالمٍ من الروحانيةِ والسموِّ بالمشاعرِ .
في عالمِ الروحِ والطاقاتِ. يسمى الجنسُ "بطاقةِ الحياةِ " في الكتب المقدسة الخاصة بالهندوسية . هناكَ تعاليمٌ للطرقِ التي يجبُ أن يمارسُ الجنسُ وفقها . ليكونَ هناكَ ذلكَ التوازنُ الأزلي في الحياةِ بشكلٍ عام حيثُ القوتانِ الخلاقتان " المؤنثةِ والمذكرةِ " ولكلِّ قوةٍ دورها فلا إثمَ في ممارسةِ الجنسِ لأنّهُ من صلبِ الحياةِ .
الروحانيون يقولونَ : أنّ الجسَدَ هو المعبدُ . من واجبنا أن نشعرَ بقدسيةِ هذا المعبدِ ،وتكريمه عن طريقِ الشفاءِ من الخجلِ وعقدةِ الذنب في داخلِنا ،والذهابِ إلى العمقِِ في الحبّ والمتعةِ عن طريق توسيعُ الوعيّ والخبرة الروحية من خلالِ الحياةِ الجنسيةِ ، هذا هو الطريقُ الوحيدُ لنلامسَ الإلهَ الموجودَ في أعماقنا ، لذا يكونُ عندها جسدُ الشخصِ الآخرِ هو المعبدُ وروحُهُ هي الإلهُ ، وذلك النشاطُ هو تمجيدٌ للربِ . كلُّ هذه الأفكارِ أصيغُها بطريقتي ، لكنها ليست أفكاري . قد تكونُ من صلبِ الروحانيةِ ومن قراءاتي السابقةِ التي جعلتني أرى أنّ تلكَ العقائد تتحدثُ بصراحةٍ عن الطريقة المثلى للفعل الجنسي ،وتعتبرُ أنّه يشبهُ العبادةَ إذا كانَ منزهاً عن الأغراضِِ الشخصيةِ ، أو ما يدعى " الأنا " فالأنا في الجنسِ تعني الشهوةَ والرغباتِ والأحاسيسِ الجسدية ،والعواطفَ حيث يكون الجسمُ الماديُّ في الشخصِ الآخرِ هو لإرضاءِِ الذاتِ ، والتعويضِ عن النقصِ فقط . يتحولُ الجنس بهذهِ الطريقة إلى إدمانٍ يشبهُ أيَّ إدمانٍ آخر ، لأنّه لا يدورُ حولَ الفعلِ بحدِّ ذاته بل حولَ احتياجاتٍ عميقةٍ للشخصِ ، وهي أبعدُ من الفعلِ الجنسي .
علينا أن نكونَ أكثرَ وعياً . أن نستخدمَ تلك الطاقةَ لتكريمِ بعضَنا البعض من خلالِ العلاقةِ الجنسيةِ المعينة . كي يتمَّ التفاعلُ بيننا بوعيٍّ كاملٍ ، حيثُ يكونُ الشخصانِ ساعتها في حالةٍ تتدفقُ منها المعلوماتُ بينهما عبر أسلاكٍ خفيةٍ ، وإذا كان طرفٌ من الأطرافِ في حالٍ سيئةٍ سيشعر الطرفُ الآخر أنّه ضحيةٌ . وعلينا أن لا نسمحَ للآخرِ بجعلِنا ضحيةً لهُ .
أكدّ فرويد ومن أتى بعده : أنَّ الجنسَ يعطي الطاقةَ في مجالاتٍ أخرى مثل الفنِّ . الأدب . العلم . عندما يتحدُّ الحبُّ والرغبةُ ويشتدُ ويتعالى يصلُ إلى مكانةٍ قدسيةٍ فالجسدان يتحدان . هما اثنانِ في واحد . رغمَ استقلاليتهما . ولا بدّ أن يعطي هذا التفاعلَ الطاقة الإبداعية في مجالاتٍ يختارُها الوعيُ فيما بعد .
يأخذُ علينا البعضَ كيفَ أنّنا نوجهُ طاقاتَنا لتحقيقِ أهدافَنا في الحياةِ ، كالسعي من أجلِ المالِ ، والسلطة ، ولا نوجّهُها لتعلُّمِ الحبّ ، فالحبُّ فنٌّ علينا أن نبدأَ بتعلمه كأيِّ فنٍّ آخرَ، ولا شك أن هناك كيمياء في أجسادنا تحركُنا ، فهناكَ أشخاصٌ نشعرُ أنّهم أكثرُ إثارة من غيرهم. كما أن تعلمِ هذا الفنُ هو من بابِ تعلّمِ المهاراتِ الكثيرةِ التي علينا تعلّمها مثل احترام الذات ، والسيطرة على الغضب ، وغير ذلك من المهارات .
يمكنُ لأحدِكم أن يسألَ سؤالاً وجيهاً : كيفَ يمكنُ للرهبانِ في المعابدِ -على تنوعها - أن يعيشوا ويقودون أنفسَهم دون رغباتٍ ؟ الأمرُ ليسَ بهذهِ السهولة ، لكنّ عمليةَ التطهيرِ والتنقيةِ المستمرةِ لديهم ، وممارسةِ الطقوس اليومية تحوِّلُ تلكَ الطاقةَ الإبداعية من خلال الصلاةِ والإجراءاتِ اليومية إلى ٍإبداع آخر ، وهذا لا يتمُّ إلا لمن يعيشون خارجَ النطاقِ الاجتماعي أي في المعابد والأديرة .
هناك مقولةٌ حولَ الجنسِ مفادها : " هل الناسُ يمارسونَ الجنسَ لأنّهم أكثرُ سعادةً ، أم أنّهم أكثرُ سعادةً لأنّهم يمارسونَ الجنس؟ " يؤكِّد علماءُ النفسِ أنّ زيادةَ وتيرة الجنسِ تجعلُ الإنسانَ سعيداً . ترفعُ حصيلةَ إنتاجه ومتوسطَ دخله . يقول جورج لوينشتاين أستاذ الاقتصاد وعلم النفس في جامعة كارينجي ميلون : " من الواضحِ أنّ الجنسَ هو شيءٌ ٌّ في حياة الكثيرِ من الناسِ . هو قوةٌ محفزةٌ في الشؤونِ الإنسانية "
أن تمارسَ الجنسَ تعني : تمتعْ بالحياة . شاركْ شخصاً واحداً واتحدْ معه لأنّ الحياةََ تبدأُ مع تلكَ الشرارةِ الإلهية .
التأمل الجنسي أو التانترا هو عبارة عن تأمّلٍ من أجل فتح الحواسِ كي يتمَّ تقديرُ السرور ، ويتعودُ الإنسانُ أن يقودَ طاقتهُ الجنسيةِ عبرَ عالمهِ الداخلي والخارجيُّ . التانترا في اللغة السنسكريتية مؤلفة من كلمتين تانتا " علوم المبادئ الكونية " ومانترا " علم الصوت والاهتزازات . لكنّني وجدتُ مصطلحاً يعبرُ عنها بطريقةٍ أفضل هو : " يلوحُ في الأفقِ " أو التأمُّل الجنسي ، وتأتي بمعنى الترفيهِ ، أو العطاء أيضاً . ممارسة التانترا تبرزُ لنا ما يلوح في أفقِ الحياةِ من ضوءٍ يوصل كلَّ شيء بكلِّ شيء بسلاسلَ مصنوعة من الاهتزازِ . عندما نشعرُ بالحب يتحركُ كلُّ شيءٍ في الجسدِ والروح والرأسِ والقلب الداخلي والخارجي .
ويمكنُ للفكرةِ أن تكونَ أكثرَ وضوحاً من خلالِ هذهِ التراتيل التي قمتُ بترجمتها :
اتبعْ مسارَ إشعاعِ قوةِ الحياةِ
كأنّها تومضُ كالبرقِ إلى الأعلى
من خلالِ جسمكَ . . .
حضورٌ في وقتٍ واحدٍ
إلى ذلكَ المكانِ المشرقِ
بين الساقين
إلى التاجِ في الجمجمةِ
وإلى ذلك المكانِ. للنجمِ المشعِّ على رأسك
لاحظْ . إذا عشتَ تلك الكهرباء
تصبحُ أكثرَ دقةٍ من أيِّ وقتٍ مضى
عندما تبزغُ . تكونُ كشمسِ الصباحِ
حتى تخرجُ هذه التيارات
قمةُ الرأس تشعرُ بالامتنان عندَ كل احتضان
وهكذا تصبحُ الحميمية في حياةِ جميعِ الكائناتِ
أو تتبعُ نهرَ الحياةِ الذي يتدفقُ من خلالِكم
الترفُ يبرزُ مع الطاقة
كأنّه يقبِّلُ كلَّ مركزٍ من مراكزِها على طولِ العمود الفقري
يتذوقُ كلُّ جزيءٍ منها الطعمَ على طولِ الطريقِ
هناك أغنية في كلِّ منطقةٍ من الجسدِ
الاستماعُ إلى هذه الأصواتِ الجميلة يترددُ
في إيقاعِ الحروفِ الطويلةِ
في المقابلِ : يتمُّ احتضانُ كلّ حواسك
وتراها كالضوءِ
تتذوقُ التنويرِ
ورائحةِ المعرفةِ
فعلُ الحبِّ. يساعدُ على ركوبِ تياراتِ الإثارة
يتدفقُ نهران معاً
يرتعشُ الجسمُ
ليس في الداخلِ والخارج فقط
سروراً بالاتحاد
بل لأنَّ العقلَ نفسه قد دخلَ ضمنَ الطاقة الإلهية
والجسدُ عرفَ من أين أتى
هذا هو الواقعُ
وهذه هي الحقيقة دائماً "
التانترا لا تدعو إلى الفجور . بل بالأساس تمثل اتحاد الروح مع الآلهة . وهي ليست مشابهة لما نراه من تجارةِ للجنسِ بعيداً عن غايةِ الحبِّ الحقيقي العميق . الذي هو في الحقيقةِ يشبهُ رحلةً صوفية تساعدُ في الوصولِ إلى المتعةِ والسلامِ من خلالِ الاتصالِ مع الكونِ ، والتوازنِ مع الطبيعة .
إننا نتحدثُ عن طاقةِ الحياة التي هي موجودة في داخلنا ، لكنّ المجتمعَ الغارق في المادية ، ومتاعبَ الإنسان الاقتصادية معَ الجهلِ والتخلفِ ،غيروا مفهومَ الجنسِ ومعَ الهبّاتِ الساخنةِ للأصوليةِ الجديدة بعدَ أن نضجتْ وبلغتْ سنّ اليأسِ . سواء كانتْ أصولية تتعلقُ بالعقيدةِ أو التوجه الفكري والتي جعلتنا نعيش في مجتمعٍ ينظرُ إلى القيمِ من منظورٍ متشّددٍ . حيثُ تلتقي الأصوليةِ الدينيةِ بالأصوليةِ الاجتماعيةِ لتضعَ قيمها في مواجهةِ كلّ من لا يوافق عليها . فيصبحُ إما كافراً أو خائناً ، وأصبح الجنس يعني : أن يتمتعَ الرجلُ بجسدِ المرأة بشكل أناني تشعرُ بعد ذلك أنّها ضحيةٌ ، وقدْ يشكلُّ الموضوعُ لديها عقدةً على مدارِ حياتِها . فالجنسُ في حياتنا لا يعبّرُ عن السرورِ بالاتحاد . بل هو - ولو من خلال مؤسسة الزواج – نوعٌ من الاغتصاب للمرأة ، وربما للتعويضِ عن مشاكل الرجل النفسية التي تشعره بالنقص . من خلالِ الفعلِ الجنسي يشعرُ بنشوةِ الانتصار التي تعوضُه عن حالةِ القهر الاجتماعي التي يعيشُها سواءً كانت هذه الحالة اقتصاديةً أو معنويةً ، أما بالنسبةِ للمرأةِ فالزواجُ والجنسُ وكلُّ الأشياءِِ التي تربطُها بالرجلِ هي عبارة عن عقدِ إذعانٍ ليس إلا . في بلادنا طبعاً وليس عند الجميعِ ، حيثُ لكلِ قاعدةٍ شواذ . هناك نخبٌ تحاولُ أن ترقى بعلاقتها الجنسيةِ إلى المشاركةِ والاتحاد الذي يفتحُ الملكاتِ الإبداعيةِ .
إنّ التخيلاتِ والأحلامَ الجنسيةِ موجودةٌ عند الرجالِ والنساءِ بطرقٍ مختلفةٍ إلا أنّ المرأةَ تحاولُ دائماً أن تتحدثَ عن طهارةِ جسدِها . ويعيش الرجلُ والمرأة حالةً من الازدواجيةِ فيما يحبون أن يكون ، وما يجبُ أن يكونَ ، وما يجبُ أن يكون هو لإرضاءِ المجتمعِ دائماً . كي يظهرُ الجنسانِ بغيرِ ما هما عليهِ حقيقةً . لترضي الصورةُ الآخرِ وهذا هو الزيف الذي نعيشُه
داخلَ العائلةِ فتكونُ عائلةً مزعزعةِ الركائزِ ، ويدفعُ ثمنَ ذلكَ الأطفال الذينَ سيكونونَ شباباً فيما بعد . يحملونَ كلَّ العقدِ التي ورثوها من آبائهم والتي ستنعكس بشكل سلبي على حياتِهم وعلى المجتمع .
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |