بالخطِّ الأحمر
خاص ألف
2010-12-12
أكتبُ يومياتي على الجليدِ أحياناً . أنساها . يذوبُ الجليدُ وترحلُ تلكَ اليومياتُ إلى الأنهارِ والبحارِ . في أحيانٍ كثيرةٍ أحاولُ خداعَ نفسي فأكتبُ يومياتٍ عنِ الفرحِ كي أغيرَ انطباعاتِ عقلي الباطنِ عن نفسي . انطباعاتي أيضاً تتغيرُ عندما أبتسمُ متفائلةً أقولُ ستكونُ الأمورُ على ما يرامُ في كلِّ يومٍ ، أستطيعُ خداعَ نفسي . أصبحُ أفضل . افعلوا مثلي . علينا أن نحتالَ كي نستطيعَ العيشَ . أن نطبعَ في ذاكرتنا أشياءَ أفضل من التي تسكنُها لذا أرى نفسي أكتبُ بعضَ الأشياءِ غيرِ المفهومةِ لتضيعَ الأمورُ على حزني ويتوهُ عنّي يفكّرُ في البحثِ عن معاني ما كتبتُ .
كتبتُ البارحة بعدَ أن عدتُ من البحرِ . إنّهُ ليس البحرَ الذي كنتُ أراهُ وأحملُ أمتعتي إليهِ لنقضي يوماً بأقلِّ التكاليفِ هو بحرٌ في دبي يسمى "جي بي ر" أي المقيمين على شاطئ الجميرا . الحقيقة أنني جلستُ على شاطئهِ بعدَ أن مرَرتُ على المطاعمِ والمقاهي التي تضجُّ بالرفاهِ والحياةِ وجلستُ على الشاطئِ يلفحُ وجهي بردٌ خفيفٌ لم أشعرْ بهِ . رأيتُ أمي من قلبِ البحرِ تناديني . تبتسمُ لي . زوجي . حبيبي . الماضي الحاضرْ . نزلتْ من عيني دمعةٌ أخفيتُها عن ابنتي التي كانتْ تحضنُني ترغبُ أن تُدخلَ السعادةَ إلى قلبي دونَ أن تستطيعَ أن تزيلَ ذلكَ الجدارُ . هي ابنتي طبيبةٌ ورسامةٌ شابةٌ تنتظرُ فرصةً في الحياةِ كي تلمعَ كالنجوم . تتجاهلُ ما هي بهِ من أجلِ أن تستطيعَ أن تعوضَ لي شيئاً . أخجلُ منها . أقولُ أنّي بخيرٍ .ثمّ بحتُ لها بأنّني أخجلُ من التكريمِ كتبتُ على كمبيوترها الصغير الذي تحمله معها هذهِ الكلمات . ضحكت . قالتْ أفضل الكلمات عندما لا تكون الأمورُ واضحةً . كتبتُ :
حبيبي . هل يمكنُ أن أعرفَ طريقي إليك ؟
ضعتَ من زمنٍ بين أوراقي . أصبحتَ من ضمنِ الأرشيف .
اليومُ بينما كانَت أوراقُ القضايا على مكتبي
تجاهلتُ كلّ الأوراقِ والقضايا المستعجلة
فجأةً خطرَ لي أن أبحثّ في تنظيمِ حياتي من جديد .
هي عادةٌ بي عندما أهربُ من أعمالي
أوهمُ نفسي بأنّني غارقةٌ في التنظيمِ
وتصبحُ الفوضى جزءاً من الحاضرِ والماضي
فلا تنظيم لليومِ ولا للأرشيف
حبيبي أتدري كيف قضيتُ يومي ؟
أرسمُ دوائرَ بالقلمِ الأحمرِ على ملفٍ واحدٍ من ملفاتي
كنتُ غاضبةً غمرني ثلجٌ وسكون
ورحلتُ إلى عالمٍ يكرّمُ كلّ المجانين
لم يكتشفوا جنوني . أبدو هادئةً كالعقلاءِ
الريحُ العاصفةُ تسكنُ وجداني ، فيختبئ خلفَ تلالِ الثلجِ
وأرسمُ على الثلجِ دوائرَ حمراء أيضاً
كي يتلونَ بالأحمر
وضعتُ على ملفّك دائرةً بالخطِ الأحمر الرفيعِ
أرشفتُ الملفَّ في خزانةٍ كبيرةٍ كي لا أعودَ إليه
ضاع بين الملفاتِ التي ستدخل الخزانة لاحقاً
عدتُ إلى ملفّاتي كلّها فارغةٌ . رميتُها
أضعتُ ملفي بينها .
لا بأس
أرغبُ دائماً أن يضيعَ ملفُّ حياتي .
أرسلتُ له قبلاتي
بالخطِ الأحمر . رسمتْ دوائرَ حمراء حول المحظوراتِ
لم يكنْ في ملفي غيرُ الملفّ نفسه
مزقتُه بيدِ المجهولِ .
اختلطتِ الخطوطُ الحمرُ بالخضرِ وضاعت مساحاتك عندي
تسمّرت قدماي في منتصف الطريق
كنت أنوي الوصولَ إليكَ
لكنّني مشغولةٌ بتحديدِ مساحتي الجديدة سأكتبُها على سطح وجداني
على خطوطِ التماسِ مع قلبي ، ويصبحُ عقلي ملكي
أجّرتُه زمناً . سأنقضُ شروط العقدِ
سجنتني في عزلتي . في وحدتي فزادَ عندي ثلجُ الجنون
لم أكرّمُ كما يجب اعتقدَ الناسُ أنني أستجدي
لم يعدْ عقلي برسمِ الإيجار
لم يعدْ بحاجةٍ إليكَ
وداعاً حبيبي . حانَ الرحيل
وداعاً وعمري يقولُ لماذا أتيتِ ؟
لماذا لا تعودي لترويضِ المستحيل
نعم المستحيلُ لي ، وعمري يشهدُ عليهِ
كلّ ما يمرُّ بي هو من بقايا المستحيل
فمستحيلٌ إلا أن أعودَ إلى الشبابِ وأنتَ تنتظرُ الدورَ لتعبّر لي عن الإعجابِ
هل أكرّرُ ما قلتُ لكَ بأنّني لونتُ كلّ مساحاتي بخطوطٍ حمراء .. حبيبي إليكَ أهدي جنوني كي ترحلَ إلى شواطئهِ مرغماً
أمطاري التي تزخُّ من مقلتي في انتظارِ موسمِ الجنون
أشعاري وهي ليست بأشعارٍ إنما ثورةُ غضبٍ ثلجية
فالثلج يحرقُ أحياناً قد تسخرُ لو قلتُ بأنّ الثلجَ يكوي القلوب
من اليومِ سأعيشُ في أحلامك تائهة لا ترغبُ في الوصول
كم مرة ضعتُ في الأماكن والخيالِ وبين أطرافِ الحدود
ووجدتُ أوطاناً وأزماناً ليس فيها سوى الورود
دعنا من أحاديث العتابِ والهوى ورذاذ المطرِ
سنذهبُ معاً إلى أشجارِ الصبّار . البارحة فقط عرفتُ فوائدَ الصبار
اشتريتُ صندوقاً من ثمارهِ المقشرة كي لا يدخل شوكه بيدي
نظرتُ إلى الصندوقِ . رأيتُه من الماضي
قذفتُ بهِ من النافذةِ فليذهبِ الصبارُ إلى الجحيمِ
ثمّ رأيتُ علباّ من العصيرِ مكتوبٌ عليها عصيرُ أوراقِ الصبّارِ المحلى بالعنب .
اشتريتُ واحدةً لكَ علّ العنبَ قد تخمّر معَ الصبّارِ.
حبيبي تعالَ نغرّب حبنا ونكتبُ عنه تغريبةَ بني المهزوم
نمشي معاً ننظرُ في اللاشيءِ ويشيرُ لنا الناسُ يقولون : مجنونةٌ ومجنون .
لكنّها الخطوط الحمر وضعناها ، والدوائرُ على الملفاتِ وضاعتْ كلّها .
اليومُ سأبدأ في نوباتي المنتظمة . أرغبُ أن أتألقَ .
سأرقصُ عند التمثالِ القديمِ رقصاتٍ سحريةً
أبدؤها برقصةِ المجنونة وأنهيها بالموتِ ضمن تمثالٍ من الثلجِ
سأصعدُ على حبلٍ من أثيرٍ إلى مكاني .
محطتي التي سأبدأ في بنائها
على مسافة عدةِ سنواتٍ ضوئيةٍ فقط
يمكنُكَ أن تأتي معي . شرطَ أن تكرمني .
فقط عليك أن لا تدوسَ فوق خطي الأحمر
إن استطعت . اقفز . نحنُ دائماً نقفزْ فوقَ الخطوطِ الحمراء
حبيبتي ابنتي تجرعتْ مما تجرعتُ منهُ . تقولُ لي أستمدّ قوتي منكِ . أشعرُ أنكِ فقطْ من تستطيعُ السيرَ إلى أمام ، وفي صوتِ رجاءٍ قالتْ : أمي هل سنستطيعُ أن نغيّرَ حياتِنا ونحقّقَ ما نصبو لهُ من الأشياء .هل هناكَ نقصٌ بي يا أمي ؟ لماذا تقفُ في طريقي العثراتُ . أجبتُها : هل سمعتِ بالخيطِ الأرجوانيُّ ؟ .
أنتِ ذلكَ الخيطُ الذي اكتشفهُ الفينيقُ يوماً ولأنّكِ مختلفةٌ عن هذا الهباءِ تجدينَ ما تجدينَ . ليس فيكِ عذرٌ إلا مما بي .
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |