كان يقود سيارته مستمعا إلى أغنية رومانسية قديمة و التي تزيد من إحساسه بالوحدة، لم يكن متعجلا، كان هناك وقت حتى يحين موعده مع صديقه ــ وقت طويل في الحقيقة ــ دائما ما يصل مبكرا جدا و ينتظر، و الانتظار يزيد من إحساسه بوحدته ويفسد أية متعة للأمسية.
بينما كان يقود غير مسرع رأى امرأة تقف على حافة الطريق تشير إلى السيارات، من بعيد رأى أن لها خصرا طويلا ناحلا، فكر: ما أجمل لو استطاع احتضان هذا الخصر بذراعيه في رقصة بطيئة! عرض عليها توصيلها ، بتردد قبلت، لم تكن الأغنية قد انتهت بعد، و كان قد رأى أن للمرأة عينين و شفتين جميلتين كذلك، فكر: ما أجمل لو أن هاتين العينين امتلأتا بحبه و هاتين الشفتين ابتسمتا له أثناء تلك الرقصة! لكنها كانت تجلس منكمشة في كرسيها، ملتصقة بالباب، ناظرة من النافذة فبدت بعيدة و غير مهتمة، مما جعل صورة تلك الرقصة تبهت و تتلاشى.
انتهت الأغنية و أراد أن يستمع إليها ثانية، لكنه لم يجرؤ على مد يده نحو الكاسيت، و فكر: ما الداعي على أية حال؟ بعد صمت بدا طويلا سألته إن كان سيمر على وسط البلد، و كانت تبتسم، ابتسامتها جميلة كما تخيل، قال: سآخذك هناك. شكرته ، سألها إن كانت تحب سماع الأغنية فقالت نعم. بدأت الأغنية مرة أخرى و خلقت جوا من الشوق، بدا أنه أثر فيها، جلست براحة أكثر، فقدت اهتمامها بالنافذة، حتى أنها ألقت عليه نظرة أو اثنتين. كان هو يبحث عن شيء يقوله كي يستثمر هذا الجو حين اضطرب محرك السيارة ثم توقف، لم يعرف ما الذي يحدث، لم يستطع تشغيل المحرك مرة أخرى، ظل يردد: أنا آسف. نزلا، و اقترح عليها إيجاد سيارة أخرى، كان خجلا للغاية، عرضت عليه مالا مقابل التوصيلة غير المكتملة فرفض بشدة قائلا: أنا آسف. ذهبت، و فكر: أنا آسف. حدث ذلك أمام محطة بنزين، دفع السيارة إلى هناك، سأله العامل إن كانت فارغة، فقال إن مؤشر البنزين لا يعمل و طلب منه أن يملأها، كانت عيناه تبحثان عنها و كانت هي قد وقفت على حافة الطريق تشير إلى السيارات، فكر: ربما اشتغلت السيارة و لحقت بها. قال العامل: كانت فارغة، و بعد ثلاث محاولات اشتغل المحرك، قاد إلى الطريق و نظر إلى حيث كانت فلم يجدها، بحث عنها لكنها كانت قد ذهبت، فكر: لقد ذهبت.