ضمنَ مئةِ مترٍ مربع الفصلُ الخامس
خاص ألف
2011-01-11
قد يكون النجاح مسألةَ وقتٍِ لا أكثرَ . سنحصلُ على نتيجةِ جهدنا وصبرنا . لم أكنْ أعرفُ أنّ للصّبرِ نهايةٌ . اعتقدتُ أنّ العالمَ مظلمٌ ..دفعتُ الكثيرَ من عمري كي أحصلَ على بعضِ السعادةِ . لاشيءَ بالمجانِ .عندما تمرُّ الأيامُ الصعبةُ . نرى أنّنا قد بالغنا في الحزنِ وفي نظرتنا إلى العالم . بالغنا في موقفنا من الأشخاص . ليس هناك شرٌ مطلقٌ . هذا ما كتبته عليا في "مذكراتِ امرأةٍ بعد منتصفِ الليل" وكتبتْ أيضاً: أشعرُ بالإنجازِ . بقيمةِ حياتي وعطائي . رغمَ كل ما جرى معي يجبّ علي أن أمتنُّ إلى كلّ من كانوا عوناً لي . سواء كانوا أشخاصاً حقيقيين أم من صنعِ خيالي . عندما رافقوا رحلة حياتي كانوا مليئين بالمشاعر النبيلة . أقدّرُ هذا . هم من صنعَوا الجمالَ في عالمي في لحظاتٍ شعرتُ فيها بالسعادةِ . حتى سعيد . كان مخطئا ًبشكلٍ عام . لكّنّهُ قدّم لي المالَ في بعضِ الأحيانِ . هو الشيءُ الذي كانتْ تحتاجه عائلتي في مرحلةٍ ما. هاني هو ابننا .وهو الرابطُ بينُنا . سامحتُ سعيداً . لن أسألَ عنهُ . أعتبرُ أنّ ما فعلَهُ كانَ تحتَ تأثيرِ مرضٍ نفسيّ ألمَّ بهِ . لم يكنْ سيئاً بالقدرِ الذي توهمتُ . كان مربكاً فقط من علاقتنا التي أخفاها عن زوجته .ومخطئاً في تفكيرِه .
أتذكّرُ عندما تعلمتُ قيادة السيارة. لم يكنْ الأمرُ معجزةً . لكنّهُ بالنسبةِ لي كانَ كذلكَ . بدا بعدَ ذلكَ أمراً سهلاً . كدّتُ أن لا أفعلُه لأنّني بالغتُ في تقديرِ صعوبته . أعتقدُ أنني بدأتُ أعرفُ طريقي وحاجاتِ نفسي . لم أعدْ خائفةً من الحياة .سيتزوجُ هاني قريباً . يعاملُُ صديقتهُ بلطفٍ . يعتبرُها إنساناً لهُ حقوقٌ وعليهِ واجبات . ربيته على الفضيلةِ واحترام الناس . أخي سامر تغيّرَ به الحال . الجزيرة الصغيرةُ تغيّرت أيضاً . شركةُ الأحلام التي يعملُ فيها هاني ترغبُ أن تنشئ مشروعاً ضخماً في الجزيرةِ . هي الآن تقومُ بالإجراءاتِ الرسميةِ . قاربُ سونيا بدا يأخذُ الناس أخذتْ الحقّ القانوني الحصري باستعمالِ قواربها "قوارب الأحلامِ " . ستشتري في كلّ فترةِ قارباً جديداً . عندها خطةٌ لزيادةِ عددِ القواربِ . تعلّمُ أخي سامر القيادةَ الآن . سيعملُ معها بأجرٍ على أحدِ القواربِ ، وقد يديرُ شركتها في المستقبلِ أيضاً .
اجتمعَ شملُ عائلتي في بلدةٍ غريبة . قربَ جزيرةٍ صغيرة
قربَ جزيرتنا تحطُّ النوارسُ كلّ صباح ومساء .
على شواطئنا يخصبُ الحبُّ . يتألّقُ الجمال .
في بلدةٍ غريبة تحقّقَ الحلم . الحلمُ الجميلُ بالحياةِ .
جزيرتي . تعودُ إلى الوجودِ بحلةٍ جديدةٍ . بثوبِ زفافٍ جديد .
في جزيرةٍ صغيرةٍ مهجورةٍ . يزورها اليومُ طيفٌ مملوءٌ بالأملِ
صخرةٌ في قلبِ البحر تنادي . المستقبلُ نحنُ من نصنعُه .
في يومٍ من الأيامِ جلستُ على رصيفٍ في مدينةٍ اسمُها السرابُ في شارعٍ اسمه المحبةِ. قربَ متسولةٍ ظنّها الناسُ أميّ . لم أكنْ أعرفُ أن هذا الشارعَ يقصدُه البعضُ فقط . رأيتُ فيهِ سياراتٍ فارهة ً .. رجالاً بربطاتِ عنقٍ يبدونَ في أحسنِِ حال . خجلتُ أن أتطلعَ إليهم . مظاهرهم الرسميةُ تقولُ هم أبعد ما يمكنُ عن الانحلالِ .
كيف يمكنُ لرجلٍ محترمٍ بربطةِ عنقٍ وسيارةٍ وكلّ ما يحتاجهُ البشرِ أن لا يكون نبيلاً . أن يفعلَ شيئاً مشيناً . لا يخطرُ لي أنّ هؤلاء الرجال يمكنُ لهم أن يخونوا زوجاتهم أو أن يعبثوا بمستقبلِ عائلاتهم . اعتبرتُ سعيداً رجلاً نبيلاً .كنتُ أشعرُ أنّني لا أستحقُهُ .
ماذا كنتُ أنتظرُ من سعيدٍ ؟ قبلتُ منه كلّ شيء دون أن أحسبَ أموري جيداً . استعجلتُ كثيراً في موضوع الزواج . لم أبحث عن معناه وعن التفاصيل . مازالت سذاجتي تؤلمُني . كيف أركبُ في سيارةِ رجلٍ غريبٍ أذهبُ بها إلى منزله . أستقرُّ معه وأعتبرُ أنّ الأمرَ كانَ زواجاً . لم يكن هذا زواجاً . صحيحٌ أنه طلبني من عائلتي . هذا ما فعله مع عدة فتياتٍ بعدي وقبلي . لكنّني معذورةٌ في عدم إدراكي لما جرى . حتى الآن لا أدركُ أنه يمكنُ للإنسانِ أن يتخلى عن أطفاله . سعيد لم يتخلَ عني فقط . تخلى عن هاني أيضاً . حبسني ضمن عالم ليس فيه حياة . لم يستفدْ مما فعله . هاهو في السجن . تسبّبَ لنفسه بالمتاعب ولنا أيضاً .
أشعرُ بالغباءِ عندما يسيطرُ سعيد على ذهني . عندما أعيشُ من خلالِ ما تركَه لي من ألمٍ وحزنٍ . من هو سعيد هذا ؟ انتهى من حياتي إلى الأبد . نجونا من تلك الجزيرةِ . عائلتي كلّها معي . سامر أخي وهاني ابني هم عائلتي اليوم . سامر أفضلُ مني في الاندماجِ في المجتمعِ . انسجمَ مع الحياة والناس . تعلّمَ لغتَهم . هو شابٌ يجيدُ التعاملَ معَ البشرِ . تخلّص من الماضي . عندما أتحدّثُ له عن حياتنا يقولُ :
"علينا أن نصلّي من أجلِ أرواحِ أهلنا . أن نعملَ على إرضائهم . أن نحقّقَ ما كانوا يطمحون إليه . عليكِ بالنسيان فعمرُنا قصير جداً يجبُ أن نعيشه " . يتحدُّث مثل سونيا تماماً بل في بعضِِ الأحيانِ أشعرُ أنّهُ تشّربَ من فكرها . هو ليس سامر الذي قذفني بكأسِ الشاي التي أحرقت رأسي .سامر اليوم يحترمُ المرأة . كان يحتاجُ إلى فرصةٍ ليتغيّرَ. هو وسونيا أصدقاء . أراهُ سعيداً برفقتها . لم أعدْ أراهما كالسابقِ . هما مشغولانِ بالعملِ وبصداقتهما . من يدري ؟ قد يتطورُ الأمر بينهما فهاهي ألانا تناديه " عمو " يعاملُها هي وصديقها كأنّهما أبناؤهُ .
هاني أيضاً يهتمُّ بصديقته . ستعملُ في مشروع الجزيرةِ عندما يبدأ . يزوراني كل يوم عطلة . نتناولُ الطعامَ معاً في منزلي. صديقتُهُ فتاةٌ لطيفةٌ تناديني " ماما " أبتهجُ عندما أسمعُها . أحبّها. هي جميلةٌ أنيقةٌ . تجيدُ إدارةَ الحديثِ أكثرَ من ابني . يستمعُ لها بإعجابٍ دون أن يعقّبَ على حديثها .
وايتي ازدادَ وزنه . يرمي له الأطفال بالطعام عندما يأتي معي إلى قربِ البوابةِ . وصفَ له طبيبه حميةً بعد أن أجرى له التحاليل المطلوبةِ . كتبتُ قربَ البوابةِ "ممنوع إعطاء الطعام للكلاب " مسؤوليتي تجاه وايتي تتطلبُ منّي أن أحميه .
البناءُ سيبدأُ على الجزيرةِ قريباً . هاني هو مهندسُ المشروع الذي اختارته الشركة . مشروع تخرّجه في الجامعة كان عن بناءِ مكانٍ على جزيرةٍ صغيرة في البحر. مخطّطُ البناءِ يضمُّ الماءَ والأشجار والنوافذَ التي تدخلُ منها الشمس فيكونُ في الأماكنِ ظلالٌ تساعدُ على التأمّلِ .
شرحَ لي هاني عن المشروعِ :
" سيكونُ ذلكَ الحلم الذي راودني دائماً عندما كنتُ أجلسُ معَ سيرينا الحورية" . أردتُ أن يكونَ البناءُ مرتفعاً تسبحُ في داخلهِ الغيومُ . أن يكونُ مكاناً للتأملِ ، ومكاناً للاختباءِ من الخوفِ . مكاناً يضجُّ بالحياةِ ، ومعتزلاً يمكنُ أن يقيمُ فيهِ فيلسوفٌ صوفي "
ستجتمعُ على الجزيرةِ الأحلام وتتعانقُ
لم تعدْ جزيرة معزولة منذ لحظاتٍ فقط
العالمُ سيرحلُ إلى هنا من أجلِ إلقاءِ التحيةِ .
كلّ فردٍ يأتي ليرى أنّ الحلمَ قد يصبحُ واقعاً
في بوابة الجسر سأقفُ كلَّ يومٍ . أزوّدُ الزوارَ بالتذاكر .
في بوابةِ الحلمِ . سيزورُ كلُّ قادمٍ أحلامي
في جزيرةٍ معزولةٍ ضمنَ بحرٍ هائج . ستصفّقُ الأمواج
الجزيرةُ لن تكونَ معزولة ً بعدَ اليوم . أصبحتْ تتلونُ بألوانِ العالمِ كلّهُ
ستصفقُ أمواجُ البحرِ للنجاحِ . البحرُ مسرورٌ بقدومِ البشرِ إليهِ .
اعتزلتُ العملَ في مطعمِ الذوق الراقي . سيكونُ له فرعٌ صغيرٌ داخلَ المبنى الذي سيقامُ على الجزيرةِ .في هذا البناءُ. سأقيمُ فوقَ الأماكنِ التجارية في الطابقِ الأول . اخترتُ وظيفتي بنفسي . سأقطعُ التذاكر للعابرين من على الجسر مشياً على الأقدام إلى جزيرة الحلم .الرحلةُ إليها تستغرقُ ساعةً تقريباً . هناك طريقة ٌ أخرى . الركوب بقوارب الحلم . سلسلة القوارب التي ستديرها سونيا ويكون سامر يقود إحداها . كما يوجدُ مركباتٌ صغيرةٌ تعبرُ الجسرَ بمن لا يستطيعونَ المشي على الأقدامِ .
أتذكّرُ عندما كنتُ أزورُ البحرَ في الخامسةِ صباحاً معَ سرحان لأهربَ من المنزلِ ، وألتقي بالطبيعة وأجترُّ آلامي .كانَ تأمّلِ البحر يجعلني أنسى نفسي وأسمو بها . عدتُ اليومَ إلى عادتي . في هذه المرةِ أتأمّلُ الإنجازَ ، وكم من الوقتِ بقي ليحقّقَ هاني حلمه ؟ لم يعدْ في داخلي ذلكَ الصراع . إنّني هادئةٌ بكل ما تعنيه هذه الكلمة . أفكّرُ أحياناً أنّ ما جرى كانَ يجبُ أن يجري وفقَ نفسِ الطريقةِ ،ما جرى علّمني أن أعيشَ الحياة . كانتْ تجربةً رائعةً . ربما كانتْ مؤلمةً أحياناً . لكنّهُ الألمُ الذي ينبثقُ منهُ الحبُّ والنجاح .
لاشيءَ في هذهِ الحياة يأتي بسهولةٍ . الألمُ والسعادةُ يتعانقانِ أحياناً في مرحلةٍ ما . اعتقدتُ أنّني عالقةٌ في المنتصفِ من كلّ أمر . لا يكتملَ ولا يتراجعُ . هذا المنتصفِ هو الذي حدّدَ لي بدايةِ الطريق .
كانَ يمكنُ لي أن أقبلَ الخسارةَ إن كانتْ ستخلصني من ذلكَ المنتصف في وقتٍ منَ الأوقاتِ . لم أكنْ أعرفُ أنّني تحليتُ بالصبرِ . إلا بعدَ النجاح .
الزمنُ كفيلٌ بحلّ كل الأمور . انتشلني مما أنا عالقةٌ بهِ ووضعني على الطريقِ الصحيحِ .
قبلَ أيام التقيتُ "يوسف " كنّا معاً في الجامعة . هو من مدينتي . كان يدرسُ في نفسِ المدرسةِ عندما كنّا في الثانويةِ . أسبقهُ بسنةٍ دراسيةٍ واحدةٍ. كم كنتُ أحسدُه عندما يجلبُه والده بسيارته ! كان والده موظفاً كبيراً . لم أقتربْ منه في الماضي أبداً. اعتقدتُ أنه قادمٌ من كوكبٍ آخر .
أمامَ البوابةِ رأيتُ عاملَ بناءٍ اقتربَ مني :
- عليا ! ماذا تفعلينَ هنا ؟
- تعرفُني !
- نعم ألا تتذكرين يوسف . كنا معاً في الثانوية ثم في الجامعة . درستُ الهندسةَ . أتيتُ إلى هنا من أجل العملِ.
- لماذا أتيتَ إلى هنا يا يوسف ؟ كنتم في بلدكم أمراء . لم أكنْ أتجرأ أن أقولَ لك : صباحُ الخير . ماذا حلّ بك ؟
- سأذهبُ إلى العملِ الآن . نلتقي في المساء .
تبادلنا أرقامَ الهواتف .
أمرُ مدينتي غريبٌ . عندما ذهبتُ إليها لم أعرفْها . شعرتُ بالغربةِ . هي أيضاً لم ترحبْ بي . لم أرَ فيها أحداً أسلّمُ عليه .لم أتبادلْ الحديثَ إلا معَ أخي . الأمراءُ أيضاً لم يعودوا يعرفونها . أفقرتهم فرحلوا .
هل يمكنُ أن يكون يوسف عاملاً ؟ لم لا ؟ ما العيبُ في ذلكَ ؟
لكنّ عمرَه لا يسمحُ له أن يعملَ في البناء ! يبدو أنّ الدنيا هكذا .
في أولّ يومٍ اجتمعتُ بهِ معَ يوسف . شعرتُ أنّني أعيشُ في مدينتي . بين أهلي .
وفي المساءِ
عادتْ إليّ طفولتي . كدتُ أقفزَ من الفرحِ
رأيتُ الشبابَ يعودُ بثوبٍ جديدٍ .
وضعتُ عطراً . حزمتُ خصري . شددتُ ظهري .
من ألتقي به اليوم . هو عالمي الذي مضى ، وبعض دهري .
يوسفُ كان حلماً في يومٍ مضى . عادَ إليَّ حقيقةً .
- منذ متى أتيتَ إلى هنا ؟
- أتيتُ منذُ شهرين . حصلتُ على عملٍ هنا . سيقيمونَ بناءً أسطورياً . تصوري أن شهاداتي لم تنفعني إلا في الحصولِ على وظيفةِ عاملِ بناءٍ . لستُ متضايقاً من الموضوعِ .يكفي أن أشهدَ على بناءِ هذا المكان الحلم كما يسمونه .
بعدَ وفاةِ والدي في السجن . تعثرت أحوالنا . كنتُ قد تزوجتُ حديثاً من زينة . تعرفينها . الفتاةُ التي تركتْ الدراسةِ في المدرسةِ الثانوية. ابنةُ الطبيب منذر صديق أبي .
- عرفتُها . كانوا يقولون عنها أجملُ فتاة في المدرسة . أي أنكَ فزتَ بالمالِ والجمال دفعةً واحدةً . زينة محظوظة عندما تزوجت شخصاً مثلكَ . .
- لم أفزْ بشيءٍ . تزوجتُ من أجلِ أن يرضى أبي . عندما سجنَ وتعثّرتْ أحوالُنا . طلبتْ زينة الطلاق . كانتْ حاملاً . أردتُ أن نستمرّ إلى الأبدِ أو إلى أن تنجبَ طفلَنا على الأقلِّ . أجهضت الطفلَ دونَ أن تعلمني . حجزتْ على منزلنا . والدي كان قد سجّلَه لها كمهرٍ مؤجلٍ .تزوجتْ زينة وأنجبتْ . تعيشُ معَ زوجها في منزلنا الذي أخذتهُ منّا . انتقلت والدتي للعيش عندَ أخيها . عندما يصبح لديّ المال الكافي سأجلبُ والدتي لتعيش معي هنا . يكفيها ظلم أبي . رغمَ أنّهُ كان يحبُّها ويشتري لها ما تريدُ . لم تعجبْها طريقتهُ في الحبِّ . تريدُ أن يكونَ معها . لم يكنْ حاضراً في حياتها على أيّ صعيدٍ فقط في كل يومٍ يكلّفها بصنعِ وليمةٍ ما من أجلِ هؤلاء الرجال الذين لا يستحقون . أبي أحبّ السلطة والجاه أكثر من المالَ .
اعذريني . أطلتُ بالحديث . كم أنا سعيدٌ برؤيتكِ . أشعرُ أنّنا مازلنا في الثانويةِ . لو قلتُ لكِ أنني كنتُ معجباً بك لا تصدقين .
كنتِ تثيرينَ بغموضكِ حبَّ المعرفةِ لديّ. أراكِ حالمةً . اعتقدت أنّكِ ملاكٌ يسبحُ بينَ الغيومِ. يختفي أحياناً ويظهرُ في أحيانٍ أخرى . في مراتٍ كثيرةٍ كنتُ أخطئ عندما أختلسُ النظرَ إليكِ . أنظرُ إلى السماءِ أعتقد أنّكِ هناكَ ويذهبُ ذهني في رحلةٍ حالمةٍ معَ فتاة تسبحُ بينَ الغيومِ .
- كفاكَ سخفاً . الجميعُ يقولونَ هذا ! بصراحة . كنتُ أراقبُكَ وأقولُ : لماذا لا يتزوجني شخصٌ مثل يوسف . كنتَ يومها مدللاً . لو عادتِ الأيامُ إلى الوراءِ ، وحالكَ مثلُ حالي ربما لم ألتفتْ إليكَ .
لماذا كانَ على الشبّانِِ أن يصادقوني .؟ لم أكنْ أجيدُ حتى الابتسامِ وإذا ما ابتسمَ لي أحدهم . أنظرُ إليهِ كشريرٍ . في داخلي ذلكَ الكبرياءُ الذي كانَ يمنعني من الحديثِ معَ أحد ، وفيهِ أيضاً ذلكَ الخوفُ الذي يشعرني بعدم قيمتي وأهميتي . هذا التناقض جعلني أبدو كأنّني أحلمُ . كنتُ أختبئُ فقط فلا أنظر في عينِ أحد .
- كم أنتِ ذكيةٌ يا عليا ! كأنّكِ قرأتِ ما أفكّرُ بهِ في هذهِ اللحظةِ . عرفتُ دائماً أنّكِ تملكينَ ذاك الكبرياء والاعتزاز بالذاتِ . لكنكِ لم تبدي خائفةً أبداً . كنتِ على الدوام رائعة .
- إن لم تكفّ عن المديح سأنسحبُ . علينا أن نحذف من قاموسنا كلمة عظيم وجميع مشتقاتها . وكذلكَ كلمة ذكي . فقط الخبراء يقدّرون الذكاء ويضعونه في ملفٍ سريّ . ماذا تعني كلمةُ ذكي ؟ قالوها لي كثيراً في الماضي، لدرجة أنّني كدتُ أقتنعُ . كنتُ مجتهدة . وكنتُ مغفلةً أيضاً . غفلةً أشدّ مما تتصورُ . لن أشرحَ شيئاً عن الماضي . لا أحبُّ أن نفسدَ الجلسةَ . سأصطحبكَ في قاربِ سونيا لمدةِ عشرِة دقائق في البحرِ . تعلمتُ قيادة القارب . لا تروقني القيادةُ كثيراً . أشعرُ بالدوار لو قدت أكثر من عشر دقائق. قدتُ الكثيرَ من الأمورِ في الحياةِ . لذا أتمنى أن يقودني أحدٌ ما .
على الدوامِ كنتُ أحلمُ أن يقودني هذا " الأحد ما " في شارعٍ مجهولٍ . في مركبةٍ لا تتوقفُ .
أن يعتني بي . أن أتدلّلَ عليه، ويبتهجَ . اعتقدتُ أنني أستحقُّ أن أكونَ امرأة عادية.
لم يأتِ ما كنتُ أحلمُ به . بقيتُ أمسكُ بدفةِ القيادةِ إلى أن تعودتُ عليها .
صمتَ يوسف بينما كنّا في القاربِ . غنيتُ لهُ كلماتٍ من ذاكرتي حضرتني في تلك اللحظة :
في مدينةٍ بعيدةٍ كانَ حبيبي أميراً . أعجبتِ الأميرُ فتاةً فقيرةً
في الحكاياتِ : الأميرُ يحبُّ الفقيرةَ ، والأميرةُ تحبُّ الفقير
هي حكاياتٌ . لا نصدّقُها . أحبُّ أن يكونَ قد حدثَ هذا فعلاً
في مدينةٍ بعيدةٍ اسمها السرابُ . حلّ الخرابُ . اغتربَ الأميرُ
تنكّرَ في لباسِِ عاملِ بناء . لا لن تخدعني بزّتكَ . مازلتَ أميراً سيدي .
أنتَ أميرٌ في طلّته . في ابتسامتهِ وفي رقّّتِه .
ستبقى في نظري ذلكَ الأمير . لن تنتهي الحكايةُ هنا .
- أصبحتِ تجيدين الغناء وتأليف الكلمات لم تعودي خجولة كالسابق . كم أنا معجبٌ بذلكَ .
- مازلتُ يا عزيزي كما عرفتني . الأمرُ وما فيهِ أنّ حالَكَ لم يعجبْني . أردتُ أن أقولَ لكَ شيئاً، لتتذكرَ دائماً من أنتَ ، فأتت إلى ذاكرتي هذه الكلمات .في داخلكِ يعيشُ ذلكَ الأميرُ النبيلُ . وفي خارجكَ ينعكسُ الداخل عليه فتبدو مضيئاً وسيماً .
- وتقولين أنكِ لست ذكية . أشعرُ أنّني أميرٌ حقاً . مادامتْ عليا تقولُ ذلك .إنّني على ثقةٍ أنّكِ تقولينَ الحقَّ .
أيها العالمُ . اسمعْ . هنا أميرٌ حقيقيّ . تقودهُ جنيّةٌ من الحلمِ في قاربٍ ضمنَ بحرٍ ستضطربُ أمواجهُ بعدَ قليلٍ .
تغني لهُ الجنيةُ أساطيرَ الحبِّ . رذاذُ البحرِ يبشّرُني بموعدٍ جديدٍ
سأضمّكِ أيتها الجنيةُ كي لا ترحلي من حياتي .اشهدْ أيّها البحرُ .
أعطِني المركبَ لأقودَ .
أغمضي عينيكِ . احلمي بالسعادةِ على قاربكِ تطلُّ من بعيدٍ .
أشعرُ بالسعادةِ . السعادةُ التي بحثتُ عنها طويلاً . سأغمضُ عيني كي لا تهربَ منّي.
المركبُ مركبي والجنيةُ ساحرتي واليومُ لي . يا فرحي .
سأغني عن القاربِ والجنيةِ . لن أبسملَ أبداً . كي نبقى معاً إلى الأبدِ .
في قاربٍ صغيرٍ سلّمتُ دفةَ قلبي إلى جنيةٍ جميلة . أعطتني دفةَ القيادة . أغمضتْ عينيها على حلمٍ .
الحلمُ حلمي . والقاربُ لي . والجنيّةُ حبيبتي .
سرقتِ قلبي . أعيديه إلي . أو اجعلي قلبكِ مكاناً يدفئُ خلايا عمري من جديد .
في قاربٍ صغيرٍ سحرتني امرأةٌ أتتْ من الماضي . في بحرٍ هادئ أسيرُ بها ويتهادى المركبُ على وقعِ دقّاتِ قلبينا . .
قلبانا أدفأا البحرَ. بدأَ يضطربُ .
أنا وأنتِ أيتها المرأةُ الملكةُ توأما روح . تعالي إليَّ . أضناني المسير . إنّني أحتاجكِ .
خذيني إليكِ في كلّ لحظةٍ . اسكني جسدي . أصيبيهِ بمسٍٍ.
يحتاجُ عمري إليكِ ، وروحي تهيمُ فيكِ . لا ترحلي بعدَ اليوم.
- يعجبُني أن تتغزّلَ بي . فقط أسألكَ : هل يوجدُ مدرسةٌ يتعلمُ فيها الرجالُ كلماتِ الحبِّ فتكون متشابهةً دائماً ؟ رغمَ أنّ الكلماتِ متشابهةٌ ، لكنّ كلماتك اخترقت قلبي . عندما ننتهي من حالةِ الغرامِ هذهِ . سأعرّفك على ابني هاني . سأطلبُ منه أن يساعدَك في تغيير عملك ، وفي جلب والدتك .
- إلى هذه الدرجةِ لكم مكانتكم هنا ! معَ هذا أرغبُ أن أبني نفسي بالطريقةِ التي أستطيعُ فعلها . أرغبُ أن أتعلمَ من دروس الحياةِ .
إنّني مقتنعٌ بعملي . لا أريدُ تغييره حالياً على الأقلِّ
- لا أحدَ لديه مكانةٌ هنا يا يوسف . المكانةُ للعملِ والمالِ والعلم . ابني هو مهندسُ مشروعِ الحلم . فقط أردتُ أن نبحثَ لك عن عملٍ ليس فيهِ ذلكَ الجهد الكبير . ربما نكونُ قد كبرنا على الأعمالِ التي تحتاجُ لجهدٍ .
- ربما كبرتِ أنتِ . أما أنا فما زلتُ طالب الثانويةِ الذي قلتِ عنه أميراً . اتركي الحياة تجري كما تشاءُ . لن يحدثَ معي أكثر مما حدثَ. فقدتُ زوجتي . ابني . أبي . كم أنا حزينٌ لأجلهِم . أبي حرمَ نفسهُ من كلّ ملذاتِ الدنيا كي أنشأُ مثلَ الأمراءِ . لم تأتِ كلماتكِ عن عبثٍ . كان يقرأ سيرَ الأمراءِ ويقلّدهم . أحبَّّ السلطةََ من أجلِ أن ينالَ احترامَ الناس . لم يكنْ يؤذي أحداً . أراد أن لا أكرّرَ تجربته في الفقرِ . ذهبَ ضحيةََ أشياء لم يفعلْها . إذا ملكتُ الكثيرَ من المال . سأعودُ لأبني قرب قبرِه مكاناً للعبادة سأقولُ من خلاله للعالم كلّه : هذا أبي الذي كان بطلاً .
- ما أروع هذه المشاعر ! أنتَ أميرٌ يا يوسف . ربّاك والدكَ على هذا وبقيت كما ربّاك . هنيئاً له . الأميرُ لا يقبلُ إلا أن يكون بطلاً . آباؤنا أيضاً يستحقون الرحمةَ . كانوا في أعماقهم أبطالاً هزمتهم الحياة . بقيتُ زمناً طويلاً حتى وصلتُ بتفكيري إلى عدم لوم أبي. اعتبرتُه مسؤولاً عن كل ما جرى لنا . مع أنّنا مسؤولون عن أغلب ما جرى . لم أفكّرْ بنبلٍ مثلما تفكرُ أنت .
- أنت مملوءةٌ بالنبل سيدتي . أراكِ تكيلين لي المديح والتبجيل . هل أستحقُّ العطفَ إلى هذه الدرجةِ ؟ لم أكنْ في الماضي سعيداً . كنتُ محاصراً بوصايةِ أبي . الألمُ من أجلِ أمي التي أرهقَها كثيراً . في المرحلةِ الأخيرة لم تعد تستطيع أن تفعلَ شيئاً .لستُ ضعيفاً إلى هذهِ الدرجةِ يا عليا . لا تشفقي عليّ أكثر .
- أبداً يا عزيزي . هذا ليس عطفاً . ربما كانَ حباً أو مشاعرَ أردتُ البوحَ لك بها يوماً . كنتُ لا أحلم أن أحبّكَ وتحبّني . فقط أن أقولُ لك : مرحباً أيها الأمير . الآنَ أنتَ أمامي . سأقولُ لك كلّ الكلمات التي عجزتُ عن البوحِ بها حتى لنفسي . في الماضي لم أكنْ مؤمنةً بقولِ تلكَ الكلماتِ حتى لو شعرتُ بها . شعرتُ بالدونيةِ على الدوام . أعرفُ أنّني فتاةٌ صالحةٌ .اعتقدتُ أنّ الناسَ لا يعرفونَ ذلكَ . سأعبّرُ لكَ عن مشاعري دونَ خجلٍ . مادمتُ أشعرُ بها .
- أسألكِ يا عليا : هل يمكنُ أن نستعيدَ المكانَ والزمانَ والأشخاص . شرطَ أن نحملَ تجاربَنا معنا ونعيش بأمانٍ . لو حصلَ هذا ! لعشنا معاً بسعادةٍ إلى الأبدِ .
- نعم . يمكنُنا فعلُ ذلكِ في أرضٍ خياليةٍ .في مكانٍ خياليّ . في عملٍ مسرحيٍّ . يمكنُنا أن نشعرَ بتصوراتنا كأنّها جزءٌ من الواقعِ .نعيشُ الفصولَ التي نرتّبها في ذهنِنا . نحنُ الآنَ نمتلكُ تلكَ السعادةَ التي تتحدث عنها . إن عشناها . ستخلّدها ذاكرتنا . دعكَ من ماضينا ومستقبلنا . لنعشْ لحظاتٍ جمعتنا دون موعدٍ .
عندما عشتُ في جزيرةٍ صغيرةٍ هناك . حلمتُ بالحبِّ . . .
اعتقدتُ أن العالمَ مكانٌ غيرُ صالحٍ للعيش . وجدتُه ضيقاً .
ابتكرتُ من خيالي أشخاصاً وأزماناً ساعدوني على تجاوزِ ذلك .
اليومَ جزيرتي تبنى . أحلامي تتحقّقُ . الحبُّ ماثلٌ أمامي .
حياتي كانتْ جميلةً . أخطأتُ . لم أقدّرْ جمالها . هي جميلةٌ على الدوامِ .
العالمُ دائماً وجدَ كي نعيشَ فيهِ . دعنا نعيشُ الحياةَ دونَ تعقيدٍ .
أيّها العالمُ . كم أنتَ جميلٌ !
- أنتِ كما عرفتُكِ مملوءة بالحياةِ والجمالِ . هكذا رأيتُكِ يوماً وهكذا أراكِ الآن . اقتربْ من قلبي أيّها الجمالُ . تعالَ ننسجُ أحلاماً على شواطئ غريبة . كلّ الأماكن يمكنُ أن تصبحَ وطناً وذكرى . إذا عشنا الجمالَ فيها . ستكونُ ذكرياتُنا ملونةً على شاطئ كان غريباً . أصبحَ بنا وطناً جديداً .
- لم أكنْ أعرفُ أنّك تجيدُ قولَ الشعرِ . خلقنا لنكونَ معاً . شاءتِ الحياةُ أن لا نعرفَ بعضنا كما يجبُ . كلامك هو داخلي الذي أعيشُ فيه . أعتقدُ أحياناً أنكَ أنا . أضيعُ بكَ وتضيعُ بي . هو الحبُّ الذي كنتُ أنشدُه على الدوام . الفرقُ الوحيدُ أنّ الحبّ يحتاجُ للشبابِ . عمري تجاوزَ الألفَ عام .لذا يطلبُ حالةًَ مناسبةً فقط . سنعيشُ حالةَ حبّ مناسبة . لن تكتملَ . بمعنى لن تكونَ لها نهاية .
كلّ هذا مدوّنٌ في تلكَ المذكراتِ .
كلّ الحكاياتِ محفوظةٌ في دفترٍ اسمه دفترُ ذكرياتي .
أعدتُ كتابته ليصبحَ أجملَ من الواقعِ .
عندما كتبتُه أوّلَ مرة . كانَ مليئاً بالألمِ والدموع .
بدا أسوأَ من الواقع .
معَ أنّ الألمَ في داخله جميلٌ . يمكنُ لمن يقرأ المذكراتِ أن يبكي . بكى سرحان وقمرُ الزمان معي عندما كنتُ أكتبها .
قالَ قمر . في قراءةِ الألمِ متعةٌ تطهّرُ قلوبنا .
في كلّ مرةٍ سأعيد الكتابةَ . بمنظارٍ جديدٍ . أفكّرُ في تغييرِ اسمِ مذكراتي .
في منتصفِ الليلِ يرحلُ العاشقونَ إلى السماءِ . تتلألأُ النجومُ
في منتصفِ الليلِ يبدو ضوءُ القمرِ يغطي الكونَ . يحلُّ السكونُ
في منتصفِ الليلِ أعدّ نجومَ السماءِ أودعُ أسراري فيها . أمارسُ طقوسَ الجنون .
وفي منتصفِ ليلٍ. بكيتُ العزلةَ . الفقرَ . الغربةَ فكنتُ نصفه
المجنون .
الحياةَ ليستْ منتصفَ الليلِ وما بعده .
في الحياةِ صبحٌ . ظهرٌ . مساءٌ ، وليل .
لماذا تكونُ مذكراتي فقط بعد منتصفِ الليل ؟
يمكنُ لي أن أبدأَ : "في مذكراتِ امرأةٍ أحبتْ أميراً "
الحبُّ هو حالةٌ خلّصتني من عذاباتِ الماضي .
في كلِّ مرةٍ ترفُّ النبضاتُ في قلبي عندما ألتقي الأمير
تغمرُني السعادةُ ، شيءٌ ما أشبهُ بالحلم الجميل .
عاشقةٌ للحياةِ من أجلِ الحبِّ . ليتَ حلمي يطول .
إحساسٌ بالقوةِ يغمرُني . بالفرحِ . بأنّ ما جرى كانَ يوماً شبه مستحيل .
" مذكراتُ امرأةٍ أحبت أميراً" هي ضمن مذكراتي التي كنتُ أكتبُها بعد منتصف الليلِ . مازلتُ في حالةِ عشقٍ معَ الليلِ .
بعدَ منتصفه وقبلَ ظهورِ الخيطِ الأولِ من الفجرِ .
أمشي قربَ البوابةِ . أنظرُ للجزيرةِ . أستعجلُ الزمن كي ينجزَ حلمي .
الوقتُ يمضي مستعجلاً . لم يعدْ عندي مشكلةٌ في الزمنِ .
في الماضي . كان النهار طويلاً مملاً . اليوم يمرُّ الأسبوعُ مثلما تمرُّ اللحظاتِ .
العالمُ كلّهُ في حالةِ ركضٍ دونَ توقفْ . لم يعدْ في الحياةِ متعة الاسترخاء . نسيّ الناسُ واجباتهم تجاهَ أطفالهم . يركضونَ من أجلِ لقمةِ العيشِ . العياداتُ النفسيةُ مملوءةٌ بالبشر . شبحُ الفقرِ والبطالةِ والخوفُ من المجهولِ يطاردُ الجميعَ . أصبحَ هاجساً ينتهي بحالاتِ إحباطٍ أو بنوباتِ فزع . لم تعدْ الطبيعةُ جزءاً من الحياةِ . الأطفالُ مصابونَ بالبدانةِ بسببِ إهمالِ الأهلِ لأمورهم النفسية . هم يشاهدون التلفاز ويأكلون الطعامَ الضّارَ . يشربون المشروبات الضّارةِ . قيمُهم تغيرت أيضاً . الكثيرُ من أطفالِ اليوم لا يبتسمون ولا يلعبون . أحزنُ لهذا . كم أتمنى أن أفعلَ شيئاً لأجلِ الطفولةِ !
أقولُ لنفسي أحياناً : ما بكِ أيتها المرأةُ . تفتشينَ عن المتاعبِ . مالكِ وهذا الهراء ؟ أكملتِ واجباتكِ . انعمي بالاسترخاءِ .
مازلتُ على قيدِ الحياةِ . عليّ أن أمارسَ دوري .
دوري غيرُ محدّدٍ بزمانٍ ولا مكانٍ .
لم تنتهِ حياتي . لن أسمحَ لإنسان بإلغاءِ كياني كنوعٍ من التقاعدِ والمكافأةِ .
في مدينتي هناكَ. طعمُ التقدّمِ في العمرِ كطعمِ الترابِ .
يتمنى الناسُ الموتَ . قبلَ أن يطاردهمْ شبحُ الوصايةِ .
كم آلمني يوماً منظرُ النساءِ والرجالِ يجلسونَ على كراسٍ عتيقةٍ أمامَ الأبوابِ .
كبِروا في العمرِ . أهملَهم أحبّتهم . يتمنونَ الموتَ بدلاً من حياةٍ بلا حياةٍ .
لماذا يموتُ المرءُ قبلَ أن تأتيهِ المنيةُ ؟ هل هناكَ من أسبابٍ ؟
سأبقى على قيدِ الحياةِ إلى أن تنتهي حياتي
. سأبقى من أجلِ حبّي للأمير. من أجلِ نفسي . عمرُنا في الحبِّ مازالَ بعضُ لحظاتٍ .
مازلتُ في عمرِ الشبابِ . حذفتُ بعضَ العقودِ من الزمنِ . أرى أنّني في العشرين أو دونها . لا تعاتبْني أيّها الزمنُ . سأبقى شباباً مزهراً . الشبابُ يسكنُ الروحُ والقلبُ . فليفنَ جسدي ، وليبقَ ذلكَ الشبابُ .
إنّكِ تحاكمينَ العالم . تريدين حمايةََ الأطفالِ والشيوخِ . من أنتِ ؟
لا تسألوا من أنا . إنّني صوتٌ . صدى. يتردّدُ منذ دهورٍ . يطلبُ الرحمة .
نستطيعُ أن نحدثَ فرقاً في العالمِ بما نفعلُ ، أو نقولُ .
نبحثُ عن الحياةِ ضمنَ عالمٍ مملوءٍ بالحياةِ
العالمُ لنا . نعيشُ فيهِ ليغتني من فكرنا . إن لم نفعل ذلكَ . ما نفعُنا ؟
كتبتْ عليا : "في مذكراتِ امرأةٍ أحبتْ أميراً " التي وضعتها في ملفِ مذكراتِ امرأةٍ بعد منتصفِ الليلِ :
قد أكون أنهيتُ رسالتي تجاه ابني . لن أتوقف عن عملي . سأقطعُ التذاكرَ في بوابة الحلمِ إلى كلّ الزائرين لجزيرتنا . ربما هذا لا يكفي . لم يعدْ ينقصُني شيءٌ . قد تكونُ فكرةُ تأسيسِِ جمعيةٍ تهدفُ إلى غرضٍ نبيلٍ فكرة تستحقُّ الدراسةَ
الفكرةُ مكتملةٌ في ذهني . ستكونُ حولَ العنايةِ بالأطفالِ . سأطلقُ دعوةً إلى علماءِ النفسِ والاجتماعِ والمهتمين بشؤون الطفل من معلمين ومربين أن يشاركوا معي في دراسةِ الفكرةِ . بناءُ مدرسةٍ من نوعٍ جديدٍ . "مدرسةُ الأحلام " ستكونُ تجربة ً فريدةً في تربيةِ الطفلِ من سنٍّ مبكرةٍ . أطفالُ المدرسةِ يتعلمونَ الصدقَ وعدمِ الزيفِ هم وأولياءِ أمورهم الذين سيشاركونهم الدروسَ التي هي أشبهُ بالعلاجِ للآباءِ.
لن يتبقى لديكِ وقتٌ للحبِّ والأمير . هل تتخلين عنه ؟
حبي ليوسفَ سيكونُ إلى الأبدِ . صورةُ هذا الحبِّ يجبُ أن تبقى كما شعرتُ بها . لن تمنعني من المضيّ قدماً في مشروعٍ نبيلٍ . قد يشاركني الأمير ببعض أفكاره ويكونُ عضواً في جمعيتي المقبلةِ .
حبّنا يسمو فوقَ أغراضِ البشر . هوَ من نوعٍ جديدٍ .الحبُّ الذي يتجاوزُ الرغباتِ . لك حبي أيّها الأميرُ إلى الأبدِ .
أفكّرُ في قصصِ الحبِّ الخالدةِ على مرّ الدهور . كلها مرّت بمأساةِ الموتِ والانتحارِ . سيتغيرُ الأمرُ بيننا . لن يكونَ حبّنا عذاباً . سينتهي بالحبّ مثلما ابتدأ بهِ . سنعملُ على أسلوبٍ جديدٍ لا ينتهي بالموتِ والانتحارِ . قد لا ينتهي بالزواجِ أيضاً. لا أحبُّ النهاياتِ الحزينةِ أو السعيدة . النهايةُ تعني الانتهاء .
لن ننتهي من حبٍّ أتى صدفةً بيني وبينَ أميرٍ أتى من أحلامي القديمةِ .
لا أعرفُ إن كانَ قلبهُ مثل قلبي . لا أرغبُ أن أعرفَ . ليكنْ حبي لهُ هديّة .
أحبّه ليسَ كما يحبُّ البشرُ .
عندما أغمض عيني مساءً .أقولُ لهُ : أغمضْ عينيكَ أيضاً .
عندما تذهبُ إلى مدينةِ السرابِ سأرافقُك . أبي أيضاً يستحقُّ أن أبني لهُ معبداً .سأقولَ للعالم : هذا أبي كان مشروعَ بطلٍ لم ينجزْ
سأبني لعائلتي أكثرَ من معبدٍ . بل سأجمعُ من كلّ عقيدةٍ أجملَ ما فيها .
سأتوّجُ معبدَ أمي بتاجٍ لم يلبسْهُ أحدٌ قبلها .
سرحتُ في ذهني بعيداً . إلى تلكَ المدينةِ التي التصقتْ بي فلا هي تتركني ، ولا تأخذني إليها .
- ما بكِ يا عليا ؟ إنّني جالسٌ منذُ ساعةٍ وأنتِ تسرحينَ في عالمٍ بعيد .
- رحلتُ بذهني إلى هناك . إلى مدينتنا . مازلتُ أتوقُ لزيارتها مع أنّني لم أجدْ فيها شيئاً . في بعضِ الأحيانِ أرى أمي تبكي . أبي يجلسُ القرفصاءَ يأكلُ شيئاً ما . إخوتي . كلُّ هذا أراهُ في وضح النهارِ . بيتنا مرسومٌ في ذاكرتي . ولا أشعرُ أنّ أهلي رحلوا . أشعرُ أنّهم قربي . لم أعدْ تلكَ المتمردةُ على كلّ شيءٍ .
- أشعرُ هنا بكياني أكثر . بقيمتي كإنسانٍ . إنّني عاملُ بناءٍ أستطيعُ أن أكونَ أميراً بعد انتهاء الدوامِ . يمكنُني أن أجدَ فرصاً أفضل . ولا أجدُ فكرةَ العودةِ مناسبةً . لو عدتُ لن أجدَ الأشخاصَ الذين أبحثُ عنهم ولا الجلساتِ التي أحبّها . أصبح كلُّ شيءٍ ذكرى .
- ألستَ أنتَ من قالَ أنّهُ سيبني معبداً لوالدهِ كي يقول للعالم : أبي كان بطلاً .
- كنتُ قد تأثرتُ بإنكارِ الناسِ لوالدي . حقدتُ عليهم . تخلّصتُ الآنَ من هذهِ المشاعر . في مدينتنا . لا داعي لفعلِ هذا . إذا عدتُ غنياً . أستطيعُ أن أفعلَ ما أريدُ . لن أعودَ . سأعملُ هنا وأنشئُ شركتي التي يكونُ اسم والدي عليها ، وبذلكَ يرافقني في مسيرةِ حياتي .
- فكرةٌ جميلةٌ أعجبتني . لن أسمي المركزَ الذي سأنشئهُ مركز الأحلام . سأسميه باسمِ أمي سيكون اسمه " مركز" الخزامى" للتعليمِ المبكّر ِ " ويكونُ تابعاً لجمعيةِ الحلمِ الإنسانية . يمكنُكَ أن تكونَ عضواً بها .
- بالطبعِ سأكونُ عضواً في كلّ شيءٍ تفعلينه في الواقعِ أو الأحلام . متى فكرتِ بمشروعٍ كهذا ؟ هو مشروعٌ ناجحٌ بامتيازِ .
- أفكّرُ أن يكونََ مشروعاً رائداً . الهدفُ منهُ ليسَ الربح . بل دعم المشروع نفسه .
- لا أصدقُ ما تتحدثينَ عنهُ . هو أمرٌ لا يقومُ به إلا من يملكُ الكثير من المالِ ، ومن يكونُ ذهنه منفتحاً ومتعاطفاً مع الآخرين . كنّا نسمعُ عن أشخاصٍ يفعلون ذلك . لكنّهم ليس من مدينةِ السرابِ . أهلُ مدينتا ترتجفُ أيديهم عندما ينفقون المالَ حتى لو كانَ على حاجاتهم الضروريةِ .
- لا تظلمْ أهلَ مدينتا . كيف تطلبُ منهم أن يقوموا بأعمالٍ خيريةٍ وهم جائعون ؟ حتى الأغنياء لديهم الخوف وعدم الأمان . وُلدنا يا عزيزي في تلك المدينة .ولدَ معنا الخوف من كلّ شيءٍ ولولا أنّني سكنتُ هذه الجزيرة التي كانت معزولةً عن العالم ، ولو لم نخطئ الطريق إلى هذا المكانَ لما تغيرنا . الفضلُ يعودُ إلى هذا المكانِ وإلى الأصدقاء الذين قدّموا لي الدعم المادي والمعنوي . علّمني الناسُ هنا كلَّ الأشياءِ الجميلة ، وأجملُها التواضع.
- إلى وقتٍ قريبٍ كنتُ أسألُ نفسي : لماذا أغلبُ الناس في مدينتي يحملونَ نفسَ الأفكار ؟ لا يسمحون لأحدٍ أن يعبّرَ عن رأيهِ في مرةٍ سألني أحدهم : ما رأيك بأغنيةٍ كانت مشهورةً يومها ؟ قلتُ: لا أحبُّها . اعتبرَ الأمرَ موجّهاً ضدّه . من يومها لا يتحدُّثُ معي . عندما سجنَ أبي . قالَ : يستحقُ ذلكَ كي يتعلمَ ابنه الأدبَ والجدية.
- على شاطئ قربَ جزيرةِ الأحلامِ نقفُ . نتحدّثُ عن مدينةٍ هناك
نحملُها في وجدانِنا . نغضبُ منها. نسامحها . مدينتنا راقدةٌ بين الحاضر والماضي . عندما حزمنا حقائبنا . كانتْ نائمة . بكيناها . تركنا كلّ شيءٍ خلفنا . بدأنا من جديدٍ في مكانٍ جديد . أعطيناهُ كلّ طاقتنا وخلاصةِ عمرنا .
لم ننسَ ذلكَ المكانُ الذي ولدنا فيهِ . لن ترحلَ ذكراهُ . في أحيانٍ كثيرةٍ تؤلمنا الذكرى . نحزمُ حقائبنا ثانيةً . نريدُ أن نعودَ . إلى أينَ نعودُ ؟ لن نرى ما نحلم ُ بهِ . نحنُ نصفانِ . روحان، وعالمانِ . واحدٌ هنا وآخر هناكَ . أحدُهما يشدّنا إلى الخلفِ وآخرُ إلى الأمامِ . عالقونَ في الذكرى ، كما أنّنا عالقونَ في بناءِ أحلامنا . الشوقُ والحنينِ يرحلانِ بنا إلى مدينتِنا . نرسمُها بألوانٍ من صنعِ خيالِنا . نحضنُها قبلَ النومِ . تكونُ قصةً نرويها لأنفسِنا كي ننامَ .
في جزيرةٍ صغيرةٍ توحدتُ مع الطبيعةِ والسماءِ
أتتني نداءاتٌ من الماضي . حاصرتني . اعتقدتُ أنّها نهايةُ الحياةِ
وقعتُ في نشوةِ إلهامٍ روحي . أبدعتُ في رسمِ صورةٍ لمدينتي
" السرابُ "
قد تكونُ جنةُ اللهِ على الأرضِ . لا أعتقدُ أنّني رأيتُها عندما زرتها . كانت مختبئةً عنّي ، فالجمالُ دائمٌ لا يرحلُ . سأعودُ لها يوماً . أرسمُها كما تخيلتُها عندما كنتُ في جزيرتي .
الأوطانُ تعملُ بقانونِ الجذبِ . تسكنُنا عندما نغادرُها فتصبح جزءاً منّا . تنبذنا عندما نحلُّ بها . تكوينا بنارها ، ونقسمُ أغلظ الأيمانِ أنّنا لن نعودَ . قبل أن نغادرَ بقليلٍ نعذرُها . نقولُ : نحنُ من قصّرَ في حقّها . لا ندري إن كانَ أحدُنا مقصّراً . هو حنينٌ إلى أمّ . إلى عائلةٍ . إلى مدارجِ صبوةٍ . إلى الحبّ الأوّلِ . إلى البيت الأول . إلى الفراق الأوّلِ .وإلى الحياةِ التي تشكلتْ في وعينا أوّل مرةٍ . نعاتبُ أنفسنا على الدوام . نقولُ :
لماذا الرحيلُ مادامَ العمرُ لحظاتٍ . لمن نتركُ الأحبّةَ ؟ كم مرةٍ أعدنا السؤالَ . لم يأتِ الجوابُ . رحيلُنا هو استمرارٌ للحياةِ . استمرارٌ لنا. لعمرنا . من خلالِ رحلةٍ جديدةٍ تعيدُ تشكيلَنا .
أيتها الرحلةُ خذيني إلى مواطنِ الجمالِ في الدنيا
إلى نفسي الحائرة . املئيها بألوانِ الحياةِ .
إلى الأماكن التي أعشقها وتعشقني . في مناطقَ منسيةٍ .
إلى النسائمِ في حضنِ الطبيعةِ ، والقلاعِ التي بناها الإنسانُ .
كتبتْ عليا كلّ هذه الأشياء . وكتبتْ أيضاً :
في لحظةٍ كدتُ أنسى كلّ الأشياءِ القديمةِ أحببتُ أن أتخلصَ منها . يوسف أعادَ لي هذه الذكريات . كلما ألتقي بهِ تعودُ لي تلكَ الهواجسُ . أشعرُ بالتعاطفِ معهُ . لا أعرفُ لماذا لم تعطهِ تلك المدينةِ حقّه ؟
يوسف أصبحَ مخزنَ ذكرياتي . كلما نلتقي نتحدّثُ عن يومٍ ما في المدرسةِ أو المدينةِ .
الحنينُ إلى الأماكنِ وهمٌ يسكنُ داخلي . أعبرُ إليها
أعيشُ كلّ الحالاتِ . الذكرياتِ . يقتلُني الشوقُ
أردّدُ الكلماتِ والأسماءَ .
أتخاطرُ معَ كلّ من عرفتهم يوماً . أطرقُ برأسي . أبكي
لا أعرفُ أين تكونُ مدينتي لتحضنني .
أستيقظُ من حالتي . أمتنُّ للحياةِ . لكلّ الأصدقاءِ .
أكتبُ على أوراقي قصةَ مدينةٍ اختفتْ في أعماقِ البحرِ
فظهرتْ على شكلِ جزيرةٍ صغيرةٍ أصبحتْ حلمي.
مادمتُ لن أرى في تلكَ المدينةِ الغارقةِ في البحرِ أميّ . لن تكونَ مدينتي .
ليس لي فيها أحبة . كلهم قضوا . هل أعيشُ معَ الأمواتِ ؟
لن أنساكِ أيتها المدينةُ الغارقة
سأكتبُ اسمكِ فوق أعلى السواري . أنت حاضرةٌ على الدوامِ في ذاكرتي .
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |