عندما تصبغُ شعرَكَ
خاص ألف
2011-01-17
عالمُ اللونِ سحريُّ يمكنُ التلاعبُ بهِ عن طريقِ مزجِ الألوانِ . كم أحبّبتُ ألوانَ قوس قزحٍ ! حاولتُ أن أمرَّ من تحته مراراً . اعتقدتُ لفترةٍ أنّ الإنسان يمكنُ لهُ أن يشبهَ قوسَ قزحٍ . كنتُ أعرفُه جيداً . أعدّ ألوانه بسبابتي الصغيرة . اختفى من عالمي إلى الأبد . وربما من يومها لم يعدْ للظهورِ. أعتقدُ أنّكم لم تعودوا ترونه أنتم أيضاً .
أتمنى أن أكونَ رسامةً تجيدُ مزجَ الألوان واستخدامها في لوحةٍ جميلةٍ . هذا لا يعني أنّني لا أرسمُ ولا ألوّنُ . الرسمُ عندي هوايةٌ استعملُها لعقاب نفسي بينَ الحينِ والآخر . عندما أرى رسومَ حفيدي - التلميذُ في الصف الأول- أرى أنّها أكثر جمالاً من رسومي . على الأقل تجاوزَ مرحلة الاستطالةِ والشفافية . بينما مازالتْ رسومي تتخيّلُ اليدَ التي ستقطعُ تفاحةً أطولَ من اليدِ المرخيةِ إلى جانبِ الشخصِ . تعلمتُ الرسمَ على يدِ فنانٍ موهوبٍ في دار المعلمات . بذلَ معي أقصى الجهود دون أن أتطوّرَ قيدَ أنملةٍ. ابنتي كانتْ في الصف الأوّلِ الابتدائي عندما بدأتْ ترسمُ الوجوهَ دون أن يعلّمها أحدٌ ذلكَ . هذا دليلٌ أكيدٌ على أنّ الفنّ لا تخرّجُه المعاهد . ولو أنّ المعاهدَ أصبحتْ تخرّجُ اليومَ قاماتٍ في الفنِّ بحجمِ قامتي الفنيةِ .
العصرُ اليومَ هو عصرُ اللونِ . يتمُّ العملُ في كلّ يومٍ على الألوانِ التي تبهجُ النفسَ على الدوام. عندما يستعملُ الفنّان اللونَ يعبّرُ فيه عمّا في ذهنه. لا أعرفُ الكثيرَ عن هذا الأمر، لكنّني أعرفُ أنّ اللون الأخضر يدلّ على الحياة مثلاً .
كم أغبطكم ! - أعني الرسامين - طالما حلمتُ برسمِ لوحةٍ أضعُها على صدر غرفةِ الاستقبالِ في منزلي – عندما كان لي غرفةُ استقبال - وأحوّلُها إلى غرفةٍ تتحدثُ باللونِ والفنّ. في الماضي رسمتُ على قماشٍ أبيض سفينةً يقودُها ربانٌ. كم غضبتُ لأنّني اشتريتُ القماشَ والألوان الزيتية. أخفيتُ ما رسمتُ عن الأنظار، وبقي فمي مفتوحاً من الدهشة لفترةٍ طويلةٍ. ما زالتْ محاولاتي مستمرة . ربما يأتي الإلهام في لحظةِ غفلةٍ .
أعودُ إلى موضوعي :
الشَّعرُ المصبوغُ يعطي بريقاً جميلاً إن كانَ نوعُ الصبغةِ ثميناً لا يحتوي على مواد كيميائية . لا بدّ أن تصبغَهُ يدٌ خبيرةٌ أيضاً . ليسَ دائماً الأشياءُ الطبيعيةُ هي الأجمل. بالعكسِ تماماً لو أضيفَ للجمالِ الطبيعي بعضُ اللمساتِ الصناعية لبدا الأمرُ جميلاً و طبيعياً أكثر. جميعُ النساء تتمنّى أن تذهبَ إلى مراكزِ التجميل والعناية بالبشرةِ ، وأماكن التدليك والرياضة. لا يعرفنَ كيف يذهبنَ إليها. لم يعتدنَ الأمرَ لأنّ جيوبهنَّ فارغةٌ. يقمن بمهمّاتِ الصالوناتِ بأنفسهن . بعضهن ينجحُ أكثرَ. أما بالنسبةِ لي: نادراً ما أذهبُ .ونادراً ما أنجحُ أيضاً .
سيدتي. إن كان لديكِ المالُ الكافي. لماذا لا تذهبين؟ ستتعودينَ على موضوعِ العنايةِ بالجمالِ. الجمالُ الخارجيّ سينعكسُ على جمالكِ الداخلي ! ما أجملَ الشعور بالرفاهِ !
قد يبدو ما أقولُه غير جديٍّ بالنسبةِ للبعض. لا ألومُهم. عندما كنتُ أعتبرُ نفسي ضمنَ دائرةِ النضالِ. حاولتُ أن أتجاهلَ حاجاتي كأنثى وكإنسان. اكتشفتُ أنّ تلك الحاجات هي طبيعيةٌ جداً . علينا أن نعترفَ بها ليس للنساء فقط. بل للجنسين . فمن غيرِ اللائقِ أن يأتي رجلٌ للقاءِ حبيبته وحاجباه كحاجبي نمر. لابدّ أن يشذِّب كلّ ما يحتاجُ إلى التشذيبِ كي يظهرَ عليه الاهتمام .
أحاولُ أن أكونَ من ضمنِ العصرِ بأقلّ التكاليف . قدماي مازالتا تؤلماني عندما أتوجّهُ إلى صالونِ حلاقة مثلاً. أفكّرُ أنّني مازلتُ أقومُ بواجبي تجاه عائلتي. واجبُ الأمومةِ يقتضي عليّ أن أؤجّلَ واجباتي تجاهَ نفسي إلى أن تنتهي مهمتي. لن تنتهيَ مهمّتي. وظيفةٌ الأمومةِ هذهِ لا تنتهي إلا بانتهاءِ الحياةِ. فكرةُ إلغاءِ الذاتِ تعلمناها منذُ طفولتِنا. نعتقدُ أنّ للزمنِ ترتيبٌ . لا نعتني بأنفسَنا . من أجلِ أن يكبرَ الأطفالُ، ومن أجلِ أن يصبحَ لدينا المالُ ولا نتجاوزُ هذه الفكرة. علماً بأنّ عنايتَنا بأنفسِنا هي جزءٌ من احترامِ الذاتِ الذي يجعلُ ثقةَ أطفالِنا بنا أكبر. ماذا لو خصّصنا مبلغاً بسيطاً في كل شهر للاهتمامِ بأنفسِنا. ألا نستحقُّ ذلك ؟
أتحدّثُ عن موضوعٍ قد يعتبرُه البعضُ ثانوياً. هو في منتهى الأهمية. عملياتُ التجميلِ أيضاً ضروريةٌ في بعضِ الحالاتِ ليرضى الإنسان عن شكله. العملياتُ الضرورية لأماكن تبدو غير طبيعية ويخجل الإنسان من الظهورِ لو وجدتْ عندَهُ. كلّنا نرغبُ بالظهور بمظهر لائق. عملياتُ تحسينِ مظهرِنا تعطينا شعوراً بالسعادة ومزيداً من الثقة بالنفس. هذا لا يعني أبداً أن لا نتصالح مع أنفسنا إن لم نقدم ْ على العمليةِ .
ليس بالضرورة أن تقتنعوا بما أقولُ . يمكنُكم فقط مناقشةُ الأمر بالسّر بينكم وبين أنفسكم .
هل يهتمُّ الرجالُ بتحسينِ مظهرهم ؟
نعم . يهتم أغلبُ الرجالِ بمظهرهم ، ربما أكثرُ من النساءِ أحياناً. النساءُ العاملات سواءَ كنَّ طبيبات أو مهندسات أو عاملات مصنع. ليس لديهن الوقت الكافي للعنايةِ بأنفسهنّ بعد الزواج. مسؤوليةُ الأولاد والأسرة تنصبُّ على كاهلهنَّ. قالتْ لي طبيبة لديها طفلان: لم أنظرْ لنفسي في المرآة منذ شهر. بينما زوجي لا يخرجُ إلا بكاملِ أناقته . لا ينسى عطره. كنتُ معه في إحدى الحفلاتِ. سألوه إن كنتُ أمّهُ. من يومِها لم أخرجْ معه. . . لا تعليق . هل لدى النساء تعليقٌ؟
يبدو أنّني لا أجيدُ الحديثَ عن موضوعٍ واحدٍ إلى النهايةِ . سأتحدّثُ عن رجالِ المقابلاتِ في الفضائياتِ . تعرفونهم . كلّ الفضائياتِ تستضيفُهم منذُ كنتم بعمرِ السنة . حفظتموهم عن ظهرِ قلب. لن أتحدّثَ عما يتحدّثون بهِ ، ولا عن تحليلاتِهم الاقتصادية والسياسيةِ، فهذا ما لا أفهمُ به. أتحدّثُ عن صبغةِ الشعر التي يستعملونها. لاشكَّ أنّها لفتتْ أنظارَكم يوماً. تعودتُم عليها بمرورِ الوقتِ. تفتحونَ على الفضائياتِ لتشاهدواَ برنامجاً حوارياً مليئاً بالشتائمِ. تستسلمون إلى إغفاءاتٍ متقطعةٍ . عندما يحاولُ أحدُ الأبناءِ سحبَ جهازِ التحكّم من تحتِ وسائدكمْ. تستيقظون مذعورين. كيف تجرّأ أحدهم على تعكيرِ مزاجكم في تغييرِ قناةِ الإغواء السياسي أو الديني أو الجنسي؟
نعودُ لموضوع الصبغِ والصباغِ :
بعضُ أصدقائي من الرجالِ يضعون واقي الشمس على وجوههم، ويصبغون شعورهم. إنّهم يبذلون أقصى جهدٍ ليظهروا بمظهرٍ لائقٍ، وينجحون في ذلك. أحييهم. أجادوا التعاملَ مع المظهرِ. أعتبرُ الأمرَ نوعاً من التحضّرِ واحترامِ الذاتِ .
لماذا لا يفعلُ رجالُ الفضائياتِ مثلهم ؟ – أعني أغلبُ هؤلاء الذين يتصدرون الفضاء العربي – عندما أنظرُ لبعضهم بالصدفةِ لا أستمعُ إلى ما يقولون . يذكرونني بنفسي عندما كانتْ تنفضُ مدفأتي بفعلِ الريحِ ، وقلة ما يتسربُ إليها من المازوت ، وتبصمُ على وجهي بالسواد . فلا يذهبُ سوادُ الهبابِ عنّي لأيام . رغمَ أنّي كنتُ أستحمُّ عندما تنزلُ المياهِ من الحنفيةِ ويقلُّ ضخُّ الهواءِ إليها .
هم يصبغون بالأسودِ . يخرجون من صالون الحلاقةِ مباشرةً إلى الفضاء . قد يكونوا غسلوا شعورهم مرةً واحدةً فتوزعَ الصباغُ على كل أجسادهم ومنها وجوههم . يبدون كأن مدفأتي أتت بهبابها عليهم . يضيعُ غرضهم في الظهورِ بمظهرٍ لائقٍ. أمّا إذا كانتْ شواربهم كثةً ، وصبغوها إلى عمقِ الأدمةِ . تعتقدُ أنّهم مخلوقاتٌ من نوعٍ آخر . وربما ضاعَ غرضهم عندما كانوا يعدّون حديثاً حولَ القضيةِ. احتاروا عن أيّةِ قضيةٍ يتحدّثونَ وريثما يتذكرون يكيلون بعض الشتائمِ نعتقدُ أنّها موجهةٌ لنا . لا أحدَ غيرنا يجلسُ أمام شاشةِ الإغواءِ !
إنّني لا أنتقدُ تحليلهم. لديهم أفكارٌ مثيرةٌ أحياناً . يرتسمُ الأسى على وجوههم بينما لغةُ أجسادهم تتحدّثُ بالفرحِ .يتحمسونَ عندَ الحديثِ عن الجرائم بحقّ الطفولةِ ، ويرقصُ داخلهم فرحاً لأنّها حدثتْ لا يكفيهم الوقتُ للحديث . المذيع هو الذي يكونُ قد تحدّثَ . لا يمكن أن يتحدثوا أكثرَ منه. هم من عصرِه . لونُه من لونِهم وصبغةُ شعره من صبغة شعرهم .
أنصحُ من سميتُهم رجالَ الفضائياتِ ، بالعودةِ إلى المذيعاتِ الواعداتِ لأخذِ رأيهن بالصبغة. من أجلِ برامجِ الحوارِ أيضاً. المذيعاتُ لا يزاحمنَ المضيفَ على الجوابِ. هنّ رقيقاتٌ. أرواحُهنَ تذهبُ إلى الأثيرِ، بينما أجسادهن تبقى حاضرة مع المضيف !
تسألون : هل أصبغ شعري ؟ بالطبعِ أصبغُه . لكنّه لا يصمدُ إلا لأيامٍ . ميزانية العامِ الحالي وضعتها تحتَ شعارِ " الصبغةُ في كلِّ شهرين مرة "
لغةُ الشَعرِ المصبوغِ لغةٌ نستطيعُ من خلالها أن نحدّدَ اتجاهَ الرجل السياسي . المرأةُ في دين السياسةِ تتبعُ زوجها . وهو الذي يحدّدُ لها ما تقولُ وما تفعلُ وما تصبغُ . لذا لا ننظرُ إلى المرأة أبداً . فقط إلى لونِ شعرِ الرجل ولونِ شواربهِ . أخشى أن أخوض أكثر في الحديث عن الشعرِ المصبوغِ والسياسةِ. عاهدتُ نفسي أن لا أقرب من السياسةِ ولا رجالها الصابغين ! بإمكانكم أن تربطوا دائماً بينَ لونِ الشعرِ والتوّجه . أعطيتُكم أوّلُ الخيطِ . أمسكوا بهِ جيداً . كي تتأكدوا من صحةِ الكلامِ!
نادية خلوف
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |