وظيفة بمرتبةِ شرف . . . " كلب "
خاص ألف
2011-02-21
الأمرُ لا يتعلَّقُ بأمرٍ سياسيّ ولا بالمقالاتِ الساخرةِ ، لا أحبُّ التحدّثَ ببعضِ الأمورِ ، ومنها أمورُ السياسةِ . ليس خوفاً - معَ أنّني خائفةٌ من كلّ شيءٍ - بلْ لأنَّ لعبةَ السياسةِ ليست لعبةً سهلة . لا أميلُ لها . في سنواتِ عمري التي عملتُ بها في السياسةِ . كنتُ أتحاورُ مع ذاتي فقط. رجالُ السياسةِ لا يحبّون الحوار. شيء ما في داخلي يوحي لي بما أكتبُ . أتركُ ذهني على سجيّته ولا أحيطه بقيودٍ. لا أسمعُ الأخبار . لا أستمعُ للحوارات على الفضائيات . لا أرى تلفزيون الواقع . أحذفُ الكثيرَ مما أكتبُ . وعندما أرسل مقالاتي أتمنى أن تعودَ لأحذفها . أكونُ غيرُ راضيةٍ على أغلبها . . هذه النبذةُ أعرضُها كي لا يفهمُني أحدٌ على غير ما أنا عليه .
في حياتي أكثرُ من حسكورٍ . لاشكّ أنّكم أصبحتم تعرفونَ . صديقي الذي يقولُ لي على الدوامِ : أنّهُ عظيمٌ يملكُ كلّ شيء . يعرضُ مساعدتَه علي دائماً. أتدرونَ لماذا ؟ هو يعرفُ أنّني لن أقبلَها . يعرضُها كي أتحدّثَ باسمه أمامَكم . ها أنا ذا أتحدّثُ عنهُ . سيضيعُ الأمر عليكم لأنّ في حياتي أكثرَ من حسكور . حسكور المعارض . الموالي . المتمرد . الداعم . كلّهم يلتقونَ في غرفةٍ واحدةٍ سميتُها " الغرفة رقم صفر " لابدّ من اختصارِ الحكاية شرطَ أن لا يقاطعني أحد كالعادة ، فقبلَ أن أبدأ حديثي دائماً وبينما أحاولُ فتح فمي . يتناولُ أحدُ العارفين بكلّ شيءٍ الموضوعَ من أوّله لآخره . لا يبقى أمامي سوى الصمتُ ، فقدْ أفاضَ من تحدُّثَ وزادَ عليّ الكثير .
نسيتُ أغلبُ الموضوع الذي سأكتبُ عنه .
عندما يكتبُ القاضي حيثيات الحكم . ينسى الموضوعَ الأصليَّ قد يحكمُ على بريْ بالإعدام. هي شهوةُ القتلِ أحياناً. أو الاختلاطُ في الذهنِ بينَ قضيةٍ وأخرى .
السيّافُ يقطعُ رؤوس عددٍ من الخرافِ بعد قطعِ رأسِ المحكوم عليه بالموتٍ . كي تهدأ عندهُ شهوةَ القتلِ هذه. هو لا يميّزُ بينَ الإنسانِ والخروف. وظيفته " سيّاف " أم أنكم تعتقدونَ أنّه معالجٌ نفسي ؟
أفكاري اليومُ تتطايرُ في عدةِ اتجاهاتِ . الريحُ تعصفُ بها وتثيرُ الزوابع .
تذكّرتُ الآنَ موضوعي الأساسي :
تعملُ صديقتي في مكانٍ ما بوظيفةٍ " مستشار " أجرُها دونَ مستوى الصفة. هي سعيدةٌ بالوظيفةِ. تأكلُ وتشربُ وتدفعُ إيجار منزلها.
في مجموعةِ الشركاتِ التي تعملُ فيها موظفون كثر. كلُّهم بشهاداتٍ جامعية ، أو دكتوراه .
تبحثُ الآنَ عن عملٍ. ترغبُ في تركِ عملها.
لماذا ؟ الموضوعُ ليس كما تدّعي النساء" أخلاقي "
صديقتي مستشارةٌ مالية . يثقُ ربُّ العملِ بكلّ كلمةٍ تقولُها ، ويأخذ رأيها على محملِ الجدّ.
أتى يوماً إليها ببعضِ الأوراقِ عن دراسةِ جدوى لمشروعٍ جديدٍ.
دراسةُ الجدوى قامَ بها زميلها في العملِ .
هو يحملُ شهاداتٍ أعلى من شهاداتها . شهادات من تلكَ التي سهلَ على البعضِ الحصول عليها .
سألها ربّ العملِ : ما رأيكِ في دراسةِ الجدوى ؟
- دراسةُ الجدوى غير واقعية .
المرشحُ لاستلام الموضوع حرامي .
- هذا رأيكِ النهائي .
سجلي رأيكِ مكتوباً .
كتبتْ بخطٍ واضحٍ "مشروع وهميٌّ غيرُ قابلٍ للتنفيذ "
- أتى كاتبُ الدراسةِ :
- أنتِ مغرورةٌ لا تفهمين شيئاً
- لا أستطيعُ أن أضحكَ على نفسي. من وجهةِ نظري الموضوعُ لا يتعدى البلطجة .
في اليوم التالي قدمت صديقتي استقالتها.
- سألَ صاحبُ العمل : لماذا تتركين عملك ؟ .
- لا أحبُّ المواجهات معَ ذلكَ الأنانيُّ . هو حرامي. لا أرغبُ في الاستمرار والعمل معه كفريقٍ. يقولُ أنني أنافسّهُ وأرغبُ بقطعِ رزقه.
- أنتِ لن تقطعي رزقه. هو ضروري لشركاتنا. سيبقى في مكانهِ.
- حتى بعدَ أن عرفتَ أنّه كان يريدُ سرقتكَ !
- نعم . أنتِ كفيلةٌ بكشفِ هذه الأمور . أنتِ مستشاري الخاص . أثقُ بكِ.
أعرفُ أنّهُ لصٌ محتال .
- لا أفهمُ ما تقولُ سيدي . هل تدعُ لصاً يعملُ معك بينما تعرفُ ذلكَ؟ لا أستوعبُ الأمرَ. عقلي لا يستوعبُ ما تقولُ .
- هناكَ وظائف هامة عندي. سعرها عالٍ أيضاً . في عالمي الكثيرُ من البشر الذين يشبهونَ الكلاب. لا أرغبُ في التعاملِ معهم. أرسلُ لهم هذا الرجل. هذه وظيفته .بالنسبةِ لي. أنظرُ له هكذا.. يأتينا من خلالِه الكثيرُ من الأرباح. ليس كلّ شخصٍ مؤهلٍ لجلبِ المالِ لشركاتنا .
لا أرغبَ أن يعرفَ أحد ذلك الحديث الذي دارَ بيننا .
- عدتُ إلى المنزلِ وأنا أفكّرُ بأن وظيفةُ كلبٍ أجرُها الشهري أربعةَ أضعاف أجري. لو كنتُ كلباً لكان وضعي أفضل .
بكت صديقتي مما حصلَ.
- لا عليكِ . لا تتركي عملكِ . اعملي واجبكِ وكفى. العذرُ ليس فيكِ بل في تربيتنا جميعاً . الكلبُ قيمتُهُ كبيرة . كلبنا بيوض . جميعنا نكنّ له الاحترام أكثر مما نكنّه لبعضنا البعضِ . أي أنه أفضلُ منّا .
العذرُ في المساواة . هي التي خلطت الأوراق . المساواة بيننا وبينهم !
- أو تسخرين مني ؟ أصبحتِ مثلهم. هل تشبهينا بالكلاب ؟
- لا يا عزيزتي . أفكّرُ بصوتٍ عالٍ فقط . الكلبُ فيه من الصفاتِ الجليلةِ أكثر من صفاتِ ذلكَ الإنسان .
تحدّثنا في أمورٍ أخرى . دعوتها على حسابي- مع أنّهُ مصابٌ بالنزيفِ - إلى مقهى صغير .
ضحكتْ فيما بعد كثيراً. لم أضحكْ .
الموضوع لم ينتهِ عندي.
في نشأتي الأولى كنتُ أخافُ الجنياتِ والأرواح .
أتصورُ نفسي اليومَ أنّني عشتُ معَ فيثاغورث .
ذلكَ الكلبُ الذي عرفه فيثاغورث من صوتهِ . كان صديقَه الذي مات .
ربما يكونُ في أرواحِ بعضنا شيءٌ من أرواحِ الكلابِ .
من يومها :
أدخلُ إلى مكتبي ، أبصمُ بإبهامي. أتخيّلُ نفسي أبصم ب . . .
أتى إليَّ أحدُ المستشارينَ . رأيتُ بذلته وربطة عنقه. كنتُ أرى داخلَها رأس كلبٍ . إذن ليس عن عبثٍ وجدتْ تلكَ الماركةُ العالمية التي تلبس بذلةً لتمثالِ كلبٍ . قد يكونُ المصمّمُ فكرَ مثلي .
. منذُ تلكَ اللحظةِ وعالمي مملوءٌ بهم – أعني الكلاب - أرى كلاباً تقولُ : عو عو
وأخرى منبطحةٌ تهزُّ ذيلها تقولُ : وو
وأصعبُ كلبٍ في تلكَ المجموعةِ الكلبُ الأنثى . رأيتُها في فستانِ عرسٍٍ . ترقصُ على أنغامِ عذابِ من غرستْ أنيابها في وجوههم .
اعتقدتُ أنّه الوسواسُ القهري .
عند الطبيب النفسي
- قل لي : لماذا تسكنُ الكلابُ جسدَ بعض البشرِ ؟
- " حالة صحية سيدتي كلُنا كلابٌ ننبحُ . اكتشفتُ ذلكَ منذ وقتٍ قريبٍ . أجريتُ تجربتي على . . .. هم مضطرون . لكنْ لاحظي : ليسوا كلاباً أوفياء !
يتحايلون على صفةِ الكلبِ ليأخذوا صوته وأنيابه فقط "
في المساءِ ذهبتُ إلى النومِ .
لليلِ معي حكاياتٌ . هو دائماً يسحبُ وسادتي لينامَ عليها .لا يبقى لي مكانٌ . هذا ما حصلَ معي .
أردتُ أن اجتمع مع فلاسفةِ اليونان . استحضرتُ أرواحهم . الأمرُ ليس بالصعوبة التي تعتقدون.تغادرُ روحي جسدي في الليلِ وتسبحُ في الأثيرِ إلى أي مكانٍ . رحلتُ بروحي إليهم وجلبتُهم معي . وضعتُ أمامهم أسئلةً :
عن الكرامة . الأخلاق . الحق . العدالة . الخير
ارتبكوا . لم يجيبوا ثم تشاوروا .
- قالوا : " أشياءَ وهمية . لا وجودَ لها إنّها صفاتُ الإنسانِ الكاملِ الذي سيظهرُ يوماً . الإنسانُ الأعلى الذي وعدنا نيتشة به والذي قد لا يظهرُ أبداً "
- شرحتُ لهم ما جرى معي .
- من الطبيعي أن تتقمصَ روح الإنسان في روح كلبٍ أو العكس . طالما لم تتحدْ مع روح الإله. ستدخلُ في أجسادٍ كثيرة.
هي معركةٌ مع الصفاء والصوفية والتوحد . قد تتقمصين مئات المرات لتتعلمي أن تدخلي ذلك الاتحاد البهي "
في ليلٍ ليس كأيّ ليلٍ . ناقشتُ الموضوعَ مع ذاتي .
تمنيتُ أن تدخلَ روحي في جسدِ نخلةٍ فتيةٍ يلعبُ قربها الأطفالِ . هي في جميع الحالاتِ أفضل من أن تدخلَ في جسد . . . !
قد تعتقدونَ أنّ القصةَ هي من وحيِ الخيالِ . أغلبُ ما فيها حقيقيٌّ
. الحقيقةُ أحياناً أقسى من الخيال .
نادية خلوف
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |