مصر وحكايات أخرى
خاص ألف
2011-02-21
إذا كان حكواتي المقاهي قديماً هو نقطة التقاء شباب الحارة و مصدر حيوي من مصادر المعرفة و الذاكرة الجمعية لديهم , فالآن هناك مئاتُ الآلاف من الحكواتية يسردون عبر النت , قصصهم هم و يتحدثون عن أساطيرهم المنسية و أحلامهم التي تحولت إلى أطياف من الانكسار و اللا أمل , من دون أن يكون هناك كراسي خيزران و لا شوارب مفتولة و لا سواعد مشمرة .
ظن َ العديد من الأجيال المتعاقبة منذ منتصف القرن الماضي أن التغيير كما الفن هو نخبوي تؤمن فيه فئة ما من البشر تتبادل الأدوار فيما بينها , بينما تقف طوابير العارفين و المتنورين ينتظرون و يرصدون اللحظات التاريخية التي تتبدل فيها درجات الحرارة لإعلان الثورة .
ما حدث في مصر بعد 25 يناير هو مشهد لم يعتد عليه منظرو و مؤرخو العصر الحديث , هم اعتادوا أن يكون الشعب مسيراً لا فاعلاً , يتلقى التعليمات ُيدرب على ما عليه فعله , ُيستَفَز ,يقوم بأداء ما ُرسم له , و عند الحصاد يأتي أصحاب العقول المفكرة لهذا الحدث و يقطفون نتائج هذا الغضب المصطنع .
أما في كومونة مصر الأخيرة فهو أمر مختلف , ثورة بلا سلاح تسبق توقعات المحللين و وبرامج الأحزاب السياسية التقليدية و قارئي الأحداث والمنظرين , تحدد توقيت شرارتها وتنطلق نحو فضاء أبعد مما يتصوره أحد.
أن تستيقظ مصر و تخرج من معاهداتها و تعلن الغضب على ما آلت إليه أوضاعها المعيشية و الاقتصادية وغافلت العدو المطمئن لسباتها الأبدي و الذي يعمل على إغراق الوطن بأنواع الحشيش والسلام الهش , فتلك حكاية أخرى .
أنا استغرب خوف السياح الأجانب البائسين (من هذا الحدث ) قدموا لمصر لرؤية تاريخها المنحوت على أهراماتها و معابدها , ما الغرابة إذا ً ؟ أنتم قدمتم لتروا حضارة هذا البلد , هاهو شعب هذا البلد بأبهى صوره الحضارية ينتفض , فقط أنتم قدمتم وهو يمر بطور التحول الحضاري , ولكن هذه المرة أرّخ زمنه ليس على ورق البردي ولا في المعابد بل استخدم الورق المدور و الألواح الخشبية و الجدران و جلده المشقق , كتب حكاية سباته الطويل أمام الكاميرات لقد سجل حتى أنفاسه و رمشة أهدابه وجداول دموعه .
أيقنت الناس أن كرامتها ليست تلك الشواهد القديمة و لا ملوكها المحنطة ولا الأوابد الأثرية العظيمة التي ُشيدت على جثث مئات الآلاف من البشر و الذين قضوا وهم ينفذون فكرة أحمق يريد أن يتفرد بالكون.
عافت الناس ذلك الدور و تلك الابتسامة التي تصور المصري ( بجلابيته و حطة رأسه البيضاء) وهو يرحب بالزوار في بلده , لقد خرج الآن من هذا البورتريه إلى غير رجعة .
كم تمنيت أن يكون عبد الوهاب المسيري حاضرا ً كي يكتب في مؤلفه ( الموسوعة الصهيونية ) هذا الحدث الذي طالما حلم به وهو يهرم يوما ً بعد يوم , وكذلك الكاتب أسامة أنور عكاشة الذي عمل طويلا ً على تفكيك الحالة الوطنية للمجتمع المصري العريق فتارة تراه قوميا ً ناصريا ً و فيما بعد أطلقه مجددا ً نحو المصرية الفرعونية لا ولاء لفرعون بحد ذاته بقدر ما هو ولاء لعظمة مصر .
و لن أنسى محمود أمين العالم الذي كان يُنشد وطن الحرية و العدالة والمساواة, لقد غناك يا مصر ( الآن) الشيخ إمام والسيد درويش و خطك شعرا ً أحمد فؤاد نجم العنيد صاحب قصيدة ( يلي بنى مصر في الأصل كان حلواني ).
أبي مات في العقد السابع من العمر و لم يشاهد البحر و شواطئه أبدا ً بأم عينه و لا مرة في حياته, و أنا عافني الموت مرات عديدة كي أشهد يوما ً يبكي فيه العمر على سنين مضت دونه.
إذا كانت الغيرة هي حالة تلازم العشاق فإني غيور أشد تطرفا ً من عاشق مجنون لا يرى الحب إلا من خلال عينيك وتنهيداتك يا مصر .
تحية كبيرة لكل مصري عربي حر يأبى أن يموت رقما ً فرديا ً أو زوجيا ً و سلام عليك يا مصر يوم ولدت ويوم تموت ِ ويوم تبعثِ حية .
حسين عيطة ً
08-أيار-2021
21-شباط-2011 | |
24-كانون الثاني-2011 | |
07-تشرين الثاني-2010 | |
23-تشرين الأول-2010 | |
16-تشرين الأول-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |