رنّاتٌ ، وآهاتٌ
خاص ألف
2011-03-07
في صباحِ يومٍ ماطرٍ .تملكتني رغبةٌ قويةٌ في معانقةِ الحياةِ خرجتُ من المنزلِ أبكرَ من المعتادِ . مشيتُ تحتَ قطرات المطرِ الناعم . كانتْ أشبهُ بقبلاتٍ حبيبٍ انتظرَ الوصلَ لسنواتٍ . لم ألحظْ الليلَ عندما اختبأ في ثقبِ مظلتي . أمسكُها مغلقةً في يدي في الصيفِ والشتاءِ . أستعملُها عكازاً عندما يتعبُني الركضُ وراءَ الأحلام . أعتقدُ أنّني إن فتحتُها : سيزيدُ القيظُ في الصيفِ ويرحلُ الغيمُ في الشتاء .
عندما رنّ هاتفي :
ارتجفتْ يداي . سقطَ الهاتفُ إلى الأرضِ .أردتُ أن أتركَه وأمشي . لا يرنُّ هاتفي إلا على وقعِ الألمِ والندمِ والخوف . عندما سقطَ شعرتُ ببردٍ يجتاحني ، ثم دفٍ فغيبوبةٍ . استيقظتُ على صوتِ شعرٍ حماسيّ . كنتُ على استعداد لتلقي الخبر . ازدادَ هرمونُ الشجاعة في دمي . تعالَ إليّ . هل تعتقدُ أنّني أخافكَ ؟ التقطتُه من الأرضِ . أتوقعُ شيئاً ما مستعجلاً مطلوباً مني . لا يرنُّ هاتفي إلا عند حاجتِهم لبعضِ أجزاءٍ من جسدي أو عمري. البعضُ مني عليّ أن أعطيه في الحالِ . لم يكنْ الأمرُ كما توقعتُ . فقط عليّ أن أ دفعَ مبلغاً بسيطاً من المالِ يعادلُ دخلي لمدة شهرين . علي إذن أن . . . .
فتحتُ المظلةَ . أردتُ أن تتوقفَ السماء عن المطرِ .كنتُ غاضبةً . لماذا تمطرين أيتها السماء ؟ توقفي . حصلَ عكس ما تمنيتُ أبرقتْ السماءُ ورعدتْ . حلّت بها غيومٌ تشبهُ ّالليلَ . رأيتُهُ يخرجُ من ثقبٍ في مظلتي انتشرَ على كلّ مساحاتي . عتبتُ على الأيامِ . على حياتي . ذكرياتي .
قلتُ : آه . يا ليلُ . كيف مررتَ إلى صبحي ؟ تغلغلتَ في قلبي وجرحي .
يا ليلُ ! يكفيكَ ما سرقتَ مني من الحكاياتِ . أعدني إلى ضعفي . أرغبُ في البكاءِ أو الندبِ. كف عن ذبحي .
- من أجلِ مبلغٍ تافهٍ تتخلينَ عنّي ! البارحةُ كنتُ أطارحُكِ الهوى . نصطادُ معاً بيارقاً من الهزيمةِ والنوحِ . وُجدتُ لأجلكِ . أضيءُ دربكِ بأقمارٍ ليست من الدنيا ، وأفكارٍ هاربةٍ تحتاجُ لحبّكِ كي أضمُّها إلى بوحي . أنا وأنتِ ليلانِ يتداخلانِ . ضعنا معاً بعدَ دهورٍ من الذوبانِِ في الحبِّ .
- مهلاً يرنُّ هاتفي . خذهُ سأرقصُ معكَ رقصةََ الخوفِ . فماذا عساه يريدُ بعد . . . انتهيتُ من الارتجافِ . أعطني الهاتفَ الآن . إنّني مستعدةٌ لسماعِ الخبرِ الثاني . فقط عليّ أن أضعَ القطنَ في أذني . ألم أقلْ لك خذِ الهاتفَ ؟ مهما طلبتُه منكِ لا تعطني هاتفي بعدَ الآن .
أواه يا ليلُ . في كلّ يومٍ تفترسُ جسدي . تقطّعُ منه أجزاءً وترميها ، لأعطيها . سأرمي ذلكَ الجوّالُ في قهري . أغمضُ عيني ، وأضعُ القطنَ في أذني . أهربَ منكَ ومنهم وفي غفلةٍ إلى الهاويةِ أجري .
- أمورُكِ كلّها في قلبي تعيشُ عمراً جديداً. يلفّهُ سوادَ طهري . حسبتُها حبيبتي . تحتاجين لمئة عامٍ. تستطيعين بعدها الخروج من أزماتك الماليةِ والنفسيةِ . لا تعقِّدي الأمورَ . دعيها تجري كيفما تجري . مئةُ عام في عمرِ الزمنِ هي لحظةٌ تمرّ دون أن ندري .
- عانقني . أدفئني . بردُكَ في أوصالي يرتجفُ ، وفي عمري يقفُ . عالمُكَ ليلٌ أسودُ . عالمي يغبّ منكَ ، ولا يمتلئُ . غني لي عن الآهِ والليلِ أغنيةً حزينةً تجعلني أدقُّ على صدري وأحترقُ .
- غنيتُ لكِ في مكانٍ بعيدٍ ألحاني . قربَ داليةٍ في كرمِ من كرومِ أوطاني . عصرتُ كرومكِ . سكرتُ بها . مازلتُ في نشوةِ السكرِ . ضميني الآنَ لأصحو . معكِ ضيّعتُ لحظاتِ زمني ودهري .
آهٍ منكِ من أزمانكِ العتيقة . من أماكنكِ الخاويةِ من البشرِ
من حبكِ مضى هارباً إلى القبرِ .
من المهرجاناتِ والطبلِ والزمرِ. من العبادات . الخياناتِ . وكل نوائبِ الدهرِ .
تعالي إليّ نعتزلُ الدنيا . نامي على صدري . لنسرعْ . ليالي شوقٍ في انتظارِكِ ، وكلّي توقٌ لأسركِ في داخلي لتكوني سرّي .
أحببتُكِ يا هذهِ منذُ زمنٍ سحيقٍ ، وتهربينَ مني على الدوامِ . أكادُ أفقدُ صبري .
أهاتي رنّاتٌ تدقُّ على أعماقِ قلبي . تسافرُ في وخزٍ يؤلمني. أمسكُ من عصفكَ بيدي صدري .لا تعصفي بي بعدَ الآنَ . اتركيني كما أنا ليلاً بالسوادِ يسري .
- آه يا ليل . لماذا تخفي النجماتِ لما أرغبُ بها ؟ . تخبّئُ القمرَ خلفَ أبوابِ حياتي . تصنعُ من جسدي أرجوحةً تركبها تعبرُ بها إلى أحلامي تلوّنها . تسيطرُ على أنغامي، وتستوطنُ في نفسي . قيثاراتي حزينةٌ تبثك شكوايَ . نسيتَ أن تعطيني مفتاحاً لقلبٍ أردتُ أن يكونَ لي . في ليلٍ هو أنتَ . ما أصعبَ ليلي !
يا ليل عرّيني . حرّرني . واغمرني بحبٍّ من أعماقكِ لا يكويني . أناجيكَ وفي قلبي آهاتٌ منكَ . أعطيكَ دائماً وأفديكَ . أكتبُ بأقلامي البيضَ على سوادِك شعراً . أرسمُ نثراً فيه معانيكَ . تتركُهُ. تهربُ مني . من حياتي . ثمّ تعودُ متعباً . تحتلُّ كل مساحاتي . أضيقُ بك ذرعاً وأرحلُ منكَ. أراكَ قد تبعتَني . بكيتَ منّي . أحنُّ إليكَ .
أنا والليل والهوى نتعانقُ اليومَ . نبحثُ في الزوايا عن الماضي حيثُ لا هاتفَ ولا رنّاتٍ . سنبني صومعةً بينَ الحكاياتِ ونرحلُ إلى أثيرٍ مملوءٍ بعبقٍ من رائحةِ الدنيا . الليلُ لي . توّجني ملكةًً في يومٍ . هو مملكتي التي أجولُ فيها بأمانٍ . أحكمُ رعيتي بالعدلِ أحياناً. بالظلمِ أحياناً أخرى . أجلدُهم . أرعبُهم .وأهربُ منهم كي لا أقتلُ على يديهم . أستيقظُ وأراهم قد فرّوا من ظلمي . يبتسمُ الليلُ ويظهرُ لي ناباهُ . يبدو كمصّاصِِ دماءٍ .
- أنتِ الملكةُ وأنتِ المكانُ والرعيةُ . كنتِ ترعبينَ نفسكِ فقطْ . أستسلمُ لهُ . يحضنُني . يمصُّ دمي ، وأنتشي بالموتِ . يقذفُ بي فأرتمي . أستيقظُ فإذ مازالَ بي رمقٌ .
يرنُّ هاتفي : لم تموتي بعد. هيا قفي على قدميكِ . مازلتِ في عمرِ الشبابِ . لا تهربي !
أعانقُ الستينَ . من جديدٍ ينطلقُ مركبي . أشعرُ بالجمالِِ . بولادةٍ جديدةٍ . أبدّلُ الهاتفَ والرنّاتِ . هاتفي القديمُ لا يلزمني بعد الآن
بدأتُ من جديدٍ . في رحلةٍ جديدةٍ اسمُها الحياة .
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |