نداءاتُ الجسدِ
خاص ألف
2011-03-28
كلُّ الذي نبوحُ بهِ ليس بوحاً . الحريةُ ليستْ حريةً ، والحبُّ ليسَ حبّاً . الموتُ حقٌ في المرةِ الأولى ،لكنّهُ لا قيمةََ له في الميتةِ التي تليها . الكلماتُ تختبئُ لتصنعَ بحراً من الخوفِ ،وتخرجُ باهتةً فلا الورودُ ورودُ ، ولا الربيعُ ربيعٌ ، ولا المواسمُ سوى الصقيع .
نضحكُ على أنفسنا . نوهمها
نجلدُها . نقتلُها .
ثمّ نعيدها ميتةً إلى صدورنا .
الحبُّ أملٌ ميتٌ قبل ولادته ، والحريةُ ضاعتْ على مفترقِِ الطرقِ . العالمُ تعصفُ به ريحٌ تجبرُ البشرَ على الانحناءِ . ترحلُ ليحلَّ مكانَها صمتُ القبورِ . هو صمتُ الزوالِ أيضاً .
الربيعُ ينادينا للانطلاقِ والتحرّرِ من الروتين . وكما يفعلُ الربيعُ في النباتِ يفعلُ بالإنسانِ . تظهرُ براعمُ الحياةِ . يثورُ داخلُنا مع تفتّحِ الأزهار وتضجُّ نداءاتُ الدعوةِ منهُ: انطلقوا معَ الربيعِ. إنّهُ" فصلُ الحريةِ "
لم أكنْ معجبةٌ كثيراً بالأقحوانِ ولا بشقائق النعمانِ . كنتُ أجاملُ الربيعَ فأصنعُ من ورودهِ تاجاً . أتخيّلُ نفسي " بائعةُ كبريتٍ " تحولتْ إلى أميرةٍ حافية القدمينِ . عرفتُ فيما بعد أنّهُ قد يكونُ عندي خطأ في السلوكِ يحتاجُ إلى علاجٍ .
التقيتُ بأبناءِ قريتي . شكوتُ لهم حالي . ضحكوا كثيراً .
- وهل تسمين حياتَنا تلكَ حياةً؟ لستِ مختلفةً عنّا . كلّنا حملنا عذاباتِ الفقرِ والقهرِ . وما زالَ في داخلِنا ذلكَ الظلمُ الذي تعرّض له آباؤنا، أما عذاباتُ الأنثى التي تنزعُ إلى الرحيلِ إلى حريةٍ تعرفُ من خلالها من تكون . تحولّتْ اليومَ إلى جلمودٍ من صخرٍ يتحدى الأنوثة ومطالبها . تنكّرنا لأنوثتنا . تجاهلنا رغباتَنا ونداءاتِ جسدنا . فكيفَ لهذا الجسد ِ المقهور الذي أُرغم على كبتِ نداءاته أن تعيشَ فيهِ أنثى ؟
كانتْ جدتي تسمي قريتَنا" نجمةُ الصبحِ " . لحظاتي الجميلةِ فيها- أعني قريتي - هي تلكَ التي قضيتُها مع جدتي . أما أمّي فلم أكنْ أعرفُ عنها الكثيرَ. رحلتْ ولا أعرفُها. كانتْ مشغولةٌ بصنعِ الخبزِ والإنجابِ . لن أنسى عرائسَها المدهونةِ بالزبدةِ والسكّرِ . تمنيتُ لو رأيتُها أكثرَ وعرفتُها عن قربٍ . هي اليومَ تسكنُني . أعتقدُ دائماً أنّني هي . دموعها تنزلُ من عينيّ . أغنياتُها أدندنُ بها ، وحضورها متألّقٌ في داخلي . هي ملاكٌ أتى إليّ بينما كنتٌ نائمةً ، ورحلَ قبل أن أستيقظَ .
لي عتبٌ على الربيعِ الذي يرحلُ بعقلي إلى قاراتٍ غيرَ مسكونةٍ فيعتريني الصقيعُ والجنون. هو فصلُ الجنون . فيه تكثرُ أحلامي بالحقولِ والخصبِ وآلهةِ الجمالِ والحبِّ. أرى نفسي مملوءةً بعبقٍِ إلهيّ أسطوري . وأسألُ الربيعَ: أين أنت من أيّامي ؟
ليسَ عيباً أن أقولَ بأنني امرأةٌ ترغبُ في الحفاظِ على أنوثتها ، وتبقى ملهمةً في الحبّ وفي كلّ مناحي الحياةِ . عندما تتوهجُ ثورةُ الأنثى . تقتلعُ كلّ قديم. لا أحبُّ السياسةَ ولا النضالِ بالجدلِ والكلماتِ . النضالُ هو السعيُ لدستورٍ أزلي للحياة اسمه " الحرية" موضوعٌ لكلا الجنسين حيث لا جريمةَ شرفٍ ولا زواج بالإكراه . ولا قمعَ للجمالِ . الحبّ والفرحِ والتطلّعِ للحياةِ كلّها موجودةٌ في دستورٍ لا يحتاجُ للكتابةِ والتصويت .
نحنُ نرغبُ دائماً أن نتخلّصَ من العفونةِ دونَ أن نستعملَ الماءَ لتنظيفها . نتغزلُ بها لنقنعَها بالبقاءِ ، فبدونِها نرى أنّ العمقَ قليلٌ فينا . نكتشفُ فيما بعد أننا كنّا نوهمُ أنفسنا . يأتي البعضُ ممن يدّعي المعرفةَ في كلّ شيءٍ فيلقي علينا نصائحَ يفلسفُها بشكلٍ تكونُ فيهِ فارغةَ المضمون . جرائمُ الإنسانية كلُّها بما فيها جريمةُ الشرف تتمّ أمام أعينِنا ونهربُ منها إلى كتاباتٍ لا تحقّقُ حتى المتعة الأدبية للقارئ . . فما قالوه قد قلناهُ منذ ألف عام .عدنا عنه لأنّهُ كانَ مجرّدُ كلام .
سيدتي أنتِ أيتها الغارقةُ في الفقرِ . هل فكرتِ مرةً بنداءاتِ جسدك ؟ عندما تشعرين بالجوعِ مثلاً . بالتعبِ . بالظلمِ . بالموتِ . عندما تذهبين إلى غرفةِ النوم معَ زوجك لأداءِ واجبِ الطاعةِ، وليس من أجلِ تقاسمِ الحبّ . إنّكِ تجيدين القراءة جيداً. وتدركين سرّ الحياة . وكم يمثّلُ لك الرجلُ فيها . وكم أنت مهمشةٌ أو مهشمةٌ لا فرق .
صديقتي التي حازت على الابتدائية فقط . تستطيع أن تتحدّثَ عن ظلم المرأة بالشِّعرِ، وبكلماتٍ أقوى من تلك الكلماتِ التي نقرؤها على المواقعِ المتخصصةِ بالدفاع عن حقوقِ المرأةِ . تعيشُ العذابَ وتنقلُه بصدقٍ وصمتٍ . عذابُها كأنثى ، وكإنسانٍ . صديقتي حقيقيةٌ وليستْ نصف متعلمةٍ ، معَ أنّها غيرُ متعلمةٍ . تطمحُ إلى الحبّ المتبادلِ والحريةِ وأشياءَ أخرى تخصُ الكائناتِ البشرية ، وليس الكائناتِ المريخيةِ .
تطمحُ إلى الحقّ في العيشِ الكريم حيثُ الاكتفاء والأمن .
وإلى كلّ ما يطمحُ إليه الرجلُ . تعبّرُ عن طموحاتها ببساطةٍ شديدةٍ . وهي لا تقرأ إلا بعضَ الكتاباتِ التي لا تخصُّ المرأةَ بعظةٍ من امرأةٍ أو رجلٍ أكثرُ فهماً ودرايةً منها . بل تخصُّ أحلامَ الإنسان أينما وجد ومهما كانَ جنسه ودينه ولونه ! !
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |