"ليلةٌ مرصّعةٌ بالنجوم "
خاص ألف
2011-04-04
فان كوخ
لن أتحدّثَ عن سيرةِ حياتهِ . هي موجودةٌ على أغلبِ المواقعِ التي تهتمُّ بالفنّ . يمكنُ الرجوع إليها . أتحدّثُ عن رجلٍ كانَ قلبُه مملوءاً بالإيمان . رفضته الكنيسة لأنّه كان يؤثِرُ الآخرين على نفسِه ، ويعطيهم حتى طعامه . رفضَه مجتمُعه إلى درجةِ أن جعلَهُ يعيشُ في غربةٍ احتجّ عليها وقطع جزءاً من أذنه بواسطة آلة حلاقة كي يشعرَ الآخرون بمعاناتِهِ ، ثمّ انتحرَ غيرَ عابئ بالحياةِ . من كلماتِه التي قالها وهو يلفظُ أنفاسَه الأخيرةِ " الحزنُ يدومُ إلى الأبدِ "
أتساءلُ إن كانَ هذا الألمُ يشبهُ ألمَنا . أرى أنه مثالٌ عن معاناةِ المبدعين في عالمٍ مظلم . لو أتى فان كوخ اليوم وقدّم على مسابقة الالتحاق بكليةِ الفنون الجميلةِ . من المؤكد أنه سيرسبُ في الامتحانِ . المبدعُ هنا عليهِ أن يلّمَ بشيْ واحدٍ " إتقانُ فنّ الوصول " . هكذا هي الأمور . . .
Starry, starry night
هي عنوان لوحةٍ ، وعنوانُ أغنيةٍ بنفسِ الوقتِ يغنيها المطربُ الإيرلندي جون ماكلين .لا أستمعُ كثيراً للأغاني الغربيةِ ، لكنّني وفي نوبةِ جنونٍ مما أسمعُ وأرى . قرّرت أن أصرفَ على نفسي لأوّل مرة ثلاثين درهماً وأتناولُ إفطاري في القريةِ الإيرلنديةِ في دبي . كل القرى العربية موجودةٌ . أمرّ من قربها وكأنّني لم أرها ، أما الإيرلندية فلها نكهتها وبخاصة في المساء عندما يثملُ الإيرلنديون ليقولوا لك : " نحنُ لا نثملُ . هو فقط عصيرُ التفاحِ " لكنّ الوقتَ صباحاً . بدؤوا للتوّ في تناولِ شرابِ عصيرِ التفّاحِ هذا !
امتلأَ المطعمُ " القرية " لم يعدْ هناكَ أمكنةٌ سوى على طاولتي ، وفي مقعدين قربي فقط . استأذن شابٌ مني وجلسَ . كانَ حزيناً . لم يحلق ذقنه . لبس سروالاً قصيراً أبيضَ ، وقميصاً مخطّطاً بالأبيض والأزرق . ثنى أطرافَ أكمامه بعنايةٍ . كما لبسَ حذاء رياضةٍ لم يربطْ شرائطه . وضعَ أمامَه كأسُ عصير التفاح . عزفَ وغنى أغنية "ليلةٌ مرصّعةٌ بالنجوم " بدأ الشاب يبكي وترتجفُ ذقنه كطفلٍ صغيرٍ ، وأنا التي احترفتُ البكاءَ كعملٍ رسمي لي . كانَ لابدَّ لي من مشاركته ثمّ سؤاله عمّا يبكيه . . فوجئتُ بالجوابِ :" اشتقتُ لأمي " إنّهُ على حقّ أنا أيضاً " بدي أمي "
شجعته على البطولةِ و عدمِ البكاءِ . واساني على مشاركتي له . شرحَ لي آلامَ الإيرلنديين بمن فيهم المطربًُ الذي يغني هذه الأغنية .
اخترقني اللحن . لم أستوعبْ الكلماتِ كثيراً . بحثتُ عن الأغنية فيما بعد ومن يومِها أستمعُ لها مرةً في اليوم على الأقلِّ .
نجومٌ محترقةٌ
أسألُ دائماً عمن أصيبوا بالتوّحدِ . يقالُ أنّ فان كوخ كانَ متوحداً . أصبحَ الكثيرُ من المبدعين كذلكَ الآن . تحوّلَ الاغترابُ الطويلُ لديهم إلى احتضان للألمِ في عالمٍ داخليّ كبيرٍ بعدَ أن تخلى العالمُ عنهم . إنّني أرى نفسي موجودةٌ بين أشجارِ فان كوخ العاريةِ التي تلفحُها الريحُ . أنحني لأخبئَ يديَّ من الزمانِ المثلجِ ، وهو قربي يقولُ : اكتبي معاناتي على صفحاتِ وطنكِ فأنتِ أنا في التوحدِ والاغترابِ الطويل . النجومُ تظهرُ في ليلي لكنّها تحترقُ وتأتي إلى يديّ المتجمدتين في لوحةٍ ثلجيةٍ . أحتضنُ جمرها . أتفحّمُ في ليلِ قهرٍ . يخطرُ لي أن أدّعي الجنونَ ، وأفعلُ ما فعلََه الرجل من الآخرِِ ، وليس باعتداءٍ بسيط على أذنٍ ليسَ لها قيمةٌ أصلاً . لم تخلقَ الأذنُ للسمعِ أبداً في بلادنا .
أجيالٌ مقتولةٌ
بين تلكَ الأشجارُ التي تنحني للريحِ . أقفُ حائرةً وأتجمّدُ في المكانِ ، فترحلُ روحي إلى السماءِ وأرى تلك الليلةِ المرصعةِ بنجومٍ تلوّحُ لي . أسمعُ هتافاتِ النجومِ قبلَ احتراقِها . أحتجُّ على الزمنِ وأختفي في البعدِ الرابعِ . يمرُّ الماضي بلباسٍ جديدٍ يقولُ لي : حاولتِ أن تمثّلي دورَ البطولةِ على خشبةِ مسرحٍ آيلٍ للسقوطِ . ُقتلتِ دونُ أن تدري . أنتِ اليومَ مقتولةٌ .
أعيدُ مقطعاً من الأغنيةِ :
" ليلةٌ مرصعةٌ بالنجومِ
الآنَ فقط أفهمُ . ما كنتَ تحاولُ أن تقولَ لي
كم عانيتَ من هذا التعقّلِ
كم حاولتَ أن تجعلَهم أحراراً
لم يرغبوا بالاستماعِ إليك ، ولا يعرفون كيفَ
- ربما- يستمعون اليوم أيضاً "
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |