بينَ ذاتي ، وذاتِها
خاص ألف
2011-04-25
في داخلي أكثرُ من شخصٍ . اثنان . ثلاثة . أربعة . بل قدرَ ما تشاءون. هذا ما يجعلُني أتبعثرُ على مفارقِِ الطُّرقِ أحياناً . تغادرُني روحي ، وتنشطرُ ذاتي دون أن أدري. أسبحُ بعمقٍ في تيارِ تلك الذّاتِ التي ربما تكونُ قد نشأتْ قبلي أو بعدي . ليس ذلك بالأمر المهمِّ . تقذفُ بي إلى هذا العالم الذي أعيشُه ولستُ منه. أرى الحياةَ بزيفِها. أرى الموتَ كجزءٍ مكمّلٍ للزيفِ. كلُّ شيءٍ حولي ليس حقيقياً. أعودُ إلى روحي التي تستسلمُ للقيمِ المادية، وتخضعُ لها، ترحلُ إلى ليلٍ ليسَ له صباح . تعودُ حائرةً تطلبُ النجاةَ . أصبحُ بلا روحٍ ولا جسدٍ. منفيةٌ من الحياةِ . لم أسقطْ في ظلمةِ الجسد . ولم أرتفعْ إلى عالمِ القيم . بقيتُ على الهامشِِ ريثما أستطيعُ اتخاذَ القرار اللاإرادي النابعِ من روحٍ ساقطة في حضورٍ غيرُ واعٍ وغير حرٍ . استسلامٌ لها واندراجٌ داخل الحشدِ . سوءُ فهمٍ متبادل بينها وبين ذاتِها جعلها أشدّ اغتراباً عن حقيقتها الوجودية ، تسألُني على الدوام : هل العالمُ مكانٌ صالحٌ للعيشِ ؟ أو حتى نستحقّ أن نعيشَه ؟
ألجأ إلى ذاتي. أقولُ لها: أحبُّ نفسي ! تسألُني : إن كانَ هناك إشارة تجعلُها تصدّقُ أنّني فعلاً أحبُّها . لو كانَ الأمرُ صحيحاً لشعرتْ به ، فالحبُّ للذاتِ حالةٌ وجدانيةٌ تجعلُ الروحَ تعيشُ في نعيم .والجسدَ يشعرُ ببلاهةِ السعادة الأزليةِ .
متى أحبّبتُ نفسي ؟ لا أتذكّرُ آخرَ مرةٍ أحببتُها ، ولا أوّلَ مرةٍ . كيفَ لي أن أحبُّها وهي تعيشُ الخوفَ والفشل ؟ أحبّوني كي أشعرَ أنّ عليّ أن أحبّها . لا ليس هكذا يكون حبُّ الذاتِ . جزءٌ من ذاتي كاذبٌ . جزءٌ من ذاتِها صادقٌ . أضيعُ ، وترحلُ كلّ الأشياءِ منّي . روحي منفيةٌ تحتاجُ إلى دعمٍ ومساعدةٍ كي تستطيعَ السموّ . ترغبُ في تطوير وعيّها بالحياةِ . لا تجدُ سبيلاً أمامَها سوى الاعترافِ بالهزيمة ، العالمُ يبدو أسوأ مما تتصوّرُ .
أراني أجلس معَ كونفشيوس أسأله عن طريق الخلاص والموتِ . أحدُهم سبقني إليه .أسمعُ الجوابَ :
" لماذا تسألُ عن الموتِ ، بينما لا تعرفُ كيف تعيشُ ؟ "
سأنسحبُ من مقابلةِ كونفوشيوس هذهِ . سيكشفُني . ُوجدَ كي يصارحَ أمثالي أنّ قيمَهم ليست قيماً . تختبئُ ذاتي في ذاتِها . يبدأ الصراعُ بين الموجودِ والمنفيّ منها ، بينما أسترخي متفرجةً محايدةً في صراعٍ يتمّ داخلي ولا ينتهي . تلك الشعلةُ الأزليةُ المضيئة قد خبتْ مني ، لأنّني جاهلةٌ ساقطةٌ في قيمٍ ليستْ لي ، شعلةُ النور هذه . هي مساحاتُ الحريةِ التي تولدُ فينا من جديد ، لتبدأَ بالإضاءةِ ثانية .
أدرتُ ظهري أرغبُ بالخروج . داخلي يرفضُ هؤلاءِ الأشخاص الذين يعطون النصائحَ . سمعتُه يتحدّثُ - أعني كونفو شيوس -
" إن سمعتَ كلماتٍ تدلّ أنّ هناكَ شيئاً مقيتاً قد أتى إلى ذهنكَ . عليك أن تستفسر منه أنّ هذا ليس هوَ الحقُّ. وعندما تسمعُ كلماتٍ تتفقُ مع رؤيتكَ عليك أن تستفسرَ إن كانت هذه الكلمات لا تعارضُ الحق "
لم أفهمْ شيئاً مما قلتَ يا أبتِ !
أرسلَ لي أرسطو :
" الشجاعةُ . الحكمةُ ، العدالةُ ، والمحبةِ هم أساسُ الفضائل "
لم أفهمْ شيئاً . سأهزُّ برأسي كما يفعلُ الحمارُ عندما يقودُه صاحبه .
تلميذةُ أرسطو التي أحبّت ذاتها .
شرحتْ لي عن أشياء كثيرةٍ تتعلقُ بالقيمِ التي توصلُ إلى حبّ الذاتِ عدالة القاضي : عليهِ أن يتّفقَ مع فضيلةِ العدلِ ! عندها يبدأ يحبُّ ذاته .
"القانون الذي يحترمُ الأشخاصَ ، والذي يحمي القيم . عليكِ أن تتعاملي معه حتى الموت " . لا تنسي أنّ الشجاعةَ هي الأولى بين الفضائل . انتصري على نفسكِ أيّتها السيدة ، وقاتلي من أجلِ قيمكِ حتى الموت
هكذا هو حبُّ الذاتِ! !
أحقاً !
بدأتْ ذاتي في العويلِ والبكاءِ . تصالحتْ معَ ذاتِها واجتمعنا ثلاثتنا في بكاءٍ صامتٍ ، ثم عويلٍ . ثم . . . ثمّ . . .
لماذا بكينا ؟
لأنّنا لم نكنْ نعرفْ كيفَ نحبُّ ذاتَنا ، وندافعُ عن قيمنا حتى الموت !
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |