في دارةِ أم العبد 5
خاص ألف
2011-05-30
عادات وتقاليد
في القامشلي تصل درجة الحرارةِ في الصيف إلى ما يقارب الخمسين درجةٍ مئويةٍ في بعض الأحيان . لذا كانَ الناس ينتظرون المساءَ كي يسهروا على أسِرّتِهم فوق السطوح في الأماكن ذات الطوابقِ المنخفضة . الأسّرةُ أغلبُها مصنوعٌ من الحديدِ ، مع أرضٍ من الخشب وهي مرتفعةٌ عن الأرضِ . بعضُها يتّسعُ لبضعةِ أشخاصٍ . البعضُ الآخرُ يتّسعُ لشخصٍ أو اثنين .كان سريرُنا يتّسع لكلّ أسرتنا، أي لخمسةٍ أشخاصٍ .
ما أجملَ السهرَ تحتَ ضوءِ القمرِ والنجومُ تغمزُ لنا .
يسألُني ابني كلّ ليلةٍ : هل كلّ هذه النجومُ لنا ؟
- نعم . هي والقمرُ أيضاً .
- انظري إلى تلك النجمة تحدّثني .
وبينما يطبقُ أجفانه
- : أنا جائع . اجلبي لي خبزاً .
يغفو قبلَ أن يكملَ كلمته . أنظرُ إليهِ وألومُ نفسي : قد يكونُ جائعاً بالفعل !
لم تعدْ أمّ العبد تضعُ الكراسي أمامَ مدخلِِ بيتها . وقتُها لم يعدْ ملكَها .إنّها الآن شخصيّةٌ عامةٌ . بعضُ موكلينا يلجؤون إليها كي تحلَّ قضاياهم العالقة في المحاكم . بعلم القضاةِ ومشاركتهم أحياناً . الكثيرُ من النساءِ والرجالِ يلجؤون إليها كي تتوسطََ لهم عند ذلكَ الضابط ، أو ذاك القاضي . من أجلِ أمورٍ مختلفةٍ .مثل الخدمةِ الإلزاميةِ . من أجل زيارةِ عزيز في السجن أو أمور أخرى .
على أسطح البيوت التي تملكها وزعتِ أمّ العبد الأسّرة . عائلية . فردية . زوجية . لديها سبعُ أسّرة نطلّ نحنُ عليهم، ولا يطلّون علينا ، لأنّ منزلنا أعلى. ما أكثرّ ضيوفها ! دائماً تحلمُ أن تكونَ" شيخة بدوية "وتتصرّفُ على هذا الأساس . ينتهي الموضوعُ عندما يمدُّ أيّ رجلٍ يده إلى جيبه ، وبعدها مباشرة إلى صدرها ! ! وهذا يجري أمام أعيننا . تهتزُّ الستائرُ في الليلِ حيث تضجُ بالعاشقين من الأقارب والضيوف ، وممن توفّقُ هي بين رؤوسهم . . لم نعدْ نحتملُ تلك الإيحاءاتِ الجنسية . قمنا بإنزالِ سريرنا إلى حديقةِ المنزلِ. احتجَّ ابني في البدء . لكنّه قالَ فيما بعد : النجوم والقمر لم يغادرونا .
.
الزواجُ كما يقولون نصيبٌ ، ونصيبُ أم نهرين أن تتزوجَ مهندساً من منطقتنا . كانتْ في الخامسة عشر عندما تزوجته . أنجبتْ منه ثلاثُ بناتٍ . لا يأتي في هذه الأيام إلى المنزل إلا قليلاً. له صديقةٌ مهندسة يذهبُ معها ، وعندما يعودُ . يذهب مباشرةً إلى منزلِ والدته . يقول : أنّه يحبّ أمّه كثيراً، ولا يستطيعُ فراقها .
أم نهرين من مدينة حلب . لجأت مراتٍ عديدةً إلى أهلها كي تبقى عندهم لكنّ والدَها يعيدُها " من أجل أولادها " ويقولُ: أنّ زوجها ليس مقصّراً معها . هي فعلاً تبتزّه مادياً، وعندما تذهبُ في الصيف تأخذ معها أكثر من مئة ألف ليرة . بعد شهر تطلب منه المال أيضاً . هو لا يعدُّ النقودُ لأنّها تتدفقُ عليه من عمله وجهده في مكتبِ الحبوب ! !
أم نهرين . تملّ من المنزل. تزورُ الجيرانَ لتشرحَ لهم همّها ، وهجر زوجها لها . أغلبُ الجيران يغلقون أبوابهم كي لا تأتي إليهم. فقط أمّ العبدِ تستقبلُها مما جعل أبو العبد يتطاولُ في مزاحِه معها . أرادتْ أم العبد أن تعمل لها فضيحة. ذهبتْ إلى بيتها في زيارةٍ وديّةٍ . قالت : أبو العبد يحبّك . هو سيتزوجُ عليّ . إن قبلتِ أن تأتي إليه لن يتزوج . هذا ما قالته لي أم نهرين عندما أتتْ إلى مكتبي . طلبتْ مني النصيحةَ.
- امتنعي عن كل الزياراتِ . ابقي في بيتك ، أو خذي أولادَك وارحلي . فرصتُها كانت ضيقة لتأخذَ القرار . في المساء . حرّضت أم العبد أحد الشبابِ الذين يتعاطون المخدرات في الحيّ . ذهب بسكينه يطرق باب أم نهرين . يقول افتحي أرغبُ أن " . . "
في اليوم التالي وبينما كنتُ عائدةً من الحديقة عصراً . رأيتُ نهرين تقول لي : خاله . خاله . إنّني خائفة .
- من ماذا ؟
- انظري ! أربعةُ شبّانٍ . اثنان منهم أولاد أم العبد اختبؤوا لما رأوك يتحدثون معي بكلام قذر، ويهددونني . ماذا أفعل وأنا لدي كل يوم دورة رياضيات في هذا الوقت ؟
تأبّطتُ ذراعها: قولي لوالدِك أن يقدّمَ دعوى منع تعرض في المحكمةِ . قالت لي فيما بعد : أنّه أجابها : دعي أمك الفاجرة تقومُ بذلك !
دعتني أم العبد إلى حفلةِ نجاح ابنتها في الثانويةِ . قالتْ : كل من سيحضرون الحفلة هم من الطبقة الراقية . ذهبتُ مبكراً وأخذتُ معي هديّة . كان قد مضى عليّ وقت طويل لم أزرْها . رأيتُ الضيوفَ يجلسون في صالة كبيرة لم أكن قد رأيتُها من قبلُ .فقد قامت بفتحِ عدةِ غرفٍ على بعضها البعض مع ديكوراتٍ جميلةٍ . في زاويةِ الصالةِ طاولةٌ مصفوفٌ عليها كلُّ أنواع الطعام والشرابِ ، وما زالتِ الوجباتُ تأتي إليها ، فهذا الفريكُ مطبوخٌ على الفحم ، وذلك الخروفُ هديةٌ من أبو المجد . يتوافدُ الناسُ إلى بيتها. معلمات . موجِّهات . مديراتُ مدارس ، وعناصر أمنية. ضبّاط أمنٍّ . قضاة مع زوجاتهم أو بدونهن . .
مطربٌ غنى للشباب أغانٍ جميلة رقصوا على أنغامها معَ دفء وقبلاتٍ وهمساتٍ ، وعندما تعبوا كان خيار كلّ ذكرٍ أنثى . بعضهن من اللواتي يشرفنّ على تعليم أولادِنا . أو موجّهات في المدارسِِ الثانويةِ حتى أن عبورة ابنتها جلست في حضن عنصر من الأمن العسكري .
أتى أبو ثائر . صمتَ الجميع . خرجوا . اختلوا في أماكن أخرى . اعتذرتُ وقد امتقعَ لوني . بدأتُ أفكّرُ جدياً ببيع بيتي .
ودعتني بكل لباقةٍ : أبو ثائر إنسانٌ على قيم .من عاداتِهم أنّهم يشربون الكحول . أحضرنا له المشروب - من أدبِ الضيافة - نحن لا نشربُ : "لا تهدي من أحببت إن الله يهدي من يشاء "
عدتُ إلى منزلي ، وأنا أشعرُ بشعورٍ سيء . بكيتُ . لماذا لبّيتُ الدعوة ؟ أينَ أذهبُ ؟ لاشيءَ يعجبُني . لاشكّ أنّ قيمي باتت عتيقة . لستُ مستعدّةً لهذه المشاعر . لن أقوم بزيارةِ أحد بعد الآن .
عندما يتحدّثُ أقاربُنا عن أم العبد يقولون : أنّها ذكية . أصبحوا يتمسحون بها . لا . ليس هذه هي قيمي . سأعتزلُ الحياةَ الاجتماعية . إذا كانت أمّ العبد هي المجال الوحيد أمامي . سأختار العزلة . لكنّها استقبلتني جيداً . هل أغارُ منها ؟ لا . ليست مشاعرَ غيرة . مشاعرُ غضبٍ على قيم المجتمع كلّها .
أتى زوجي . . .
- ما بكِ ؟
- لا تسألْ ما بي . قلتُ لك: سنهاجرُ. أنت الذي قلتَ لي لا أريدُ من وطني إلا أربعة حيطان وسقف ، أما أنا فأريد أكثر بكثير .بكثير . الآن أصبحت الهجرةُ صعبة . أنت السبب !
- لا عليكِ قولي ما بكِ . كفّي عن البكاء .
- ذهبتُ إلى أمّ العبد و . .
- لا تكملي ! سأذهبُ لأضربَها إن كان ذلك يرضيك .
- أرغبُ في بيعِ المنزل . لا يمكنُ أن يعيشَ أحفادُنا ضمنَ هذه الأجواء .
- سنبيعُه . أنتِ على صواب . لكن . هل أنتِ متأكدةٌ أنّنا لو بعناه لن يكونَ هناك أم العبد أخرى في مكاننا الجديد ؟ .كلُّ القيم اهتزت ! آسف حبيبتي .
ليتني قبلتُ معكِ بالهجرة !
بكى أمامي . لم يبح لي عن السبب !
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |