في دارة أم العبد 7
خاص ألف
2011-06-13
سياسة
كلُّ شيءٍ يجوزُ في الحبِّ والحرب. مقولةٌ معروفةٌ. وكلُّ شيءٍ في السياسةِ هو حربٌ. هذا ما رأيناهُ على الأقلِّ. عقليةُ القطيعِ هي عقليتُنا جميعاً بامتياز. عندما تخليتُ عن القطيع " الحزب " لم يعدْ لديّ منافذَ اجتماعية كثيرة. فلكلِّ شخصٍ قطيعُهُ، وهو غيرُ مستعدٍ أن يغادرهُ لأنّه سيحكمُ عليه بالموتِ المدني في هذهِ الحالةِ. فإما هو ضمن قطيع العشيرةِ، أو الدين أو السياسةِ، ولأيّ قطيعٍ انتميتَ عليك أن تكونَ حطباً ليدفأ الزعيم.
يقولون: أنّ نظرية المؤامرة بدعةٌ لم تعدْ صالحةً لهذا العصرِ. هي مكشوفةٌ على الدوام. بالنسبة لنا. كنّا أبسطَ من أن نحيكَ مؤامرة ، وكما يبدو أنّنا لا نفهمُها أيضاً. المؤامرةُ غيرُ موجودةٍ أصلاً. إنما هي أفكارٌ تدخلُ ضمن نطاقِ الخير والشرّ.
تربطُني مع الأكراد علاقةٌ قويةٌ. مع البسطاءِ الذين كنتُ ألتقي بهم . كجيران أو أصدقاء أو رفاق. وخلالَ علاقتي الاجتماعية لا أنظرُ إلى موضوعِ الدين واللون والقومية إلا من خلالِ الانسجامِ بيننا.
كانَ الشعورُ القوميُّ يزدادُ عند الشعبِ الكردي بعدَ أحداثِ ملعبِ القامشلي. وهذا شيءٌ طبيعي. عندما يفقدُ الإنسانُ أبسطَ حقوقه في الحياةِ ، سيمتلئ إحساساً بالظلم. لكنّ الشعب الكردي المظلوم. هو مظلومٌ مثلُنا من قبلِ أحزابه أيضاً. أي أنّ الظلمَ يقع عليه مرتين. وما أقولُه ليس له علاقةٌ بالقصةِ التي أرويها.
أعودُ إلى الموضوعِ الأساسيّ الذي هو موضوع الدكاكين في القيصريةِ.
لم ندرِ ما ذا كان يجري في الخفاءِ إلا حديثاً هنا وآخرَ هناك. لم نكنْ نتوقعُ أن يستهدفُنا أحدٌ من هؤلاء. فقد كنّا أصدقاء ورفاق.
كما كنّا الوحيدين الذين نستمعُ لهم ونتعاطفُ معهم. على الأقلِّ في ذلك المكان والزمان الصعب. الأمرُ في البدء بدا لنا أمراً طبيعياً. لو لم يتطوّرُ إلى حدّ النّضالِ ضدنا...
أوّلُ عملٍ نضاليٍّ قامَ به شابٌ يملكُ دكاناً في القيصريةِ هو الاعتداءُ على ملكنا و إنزالِ يافطة " معهد الرواد للغات " التي علقناها تحتَ يافطةِ مكتبنا ، وقبلَ أن يصبحَ الشابُ مالكاً لدكانه.
اعتقدنا في البدء أنّه عملٌ فردي لا قيمة لهُ.
سألنا الشاب: لماذا فعلتَ هذا ؟
- ليس عليّ أن آخذَ رأيكم. لقد علمتُم بالأمر وهذا يكفي.
كما قالَ: أنّها تحجب عنهم الهواء.
- إذا كانَ الأمرُ كذلكَ أليس هناكَ قانون؟ أو على الأقلِّ نجري حواراً ونتوصّلُ إلى اتفاق بيننا قبلَ ذلك ؟
تحدّث بشكلٍ سيءٍ وبعدم احترامٍ. قطعَ أي طريقٍ أمامنا. بقي الموضوع بين أخذ وردٍ زمنا يقاس بشهر أو أكثر.
قمنا بتقديم دعوى على هذا الشخص الذي نسيتُ اسمه ، أتى حكمُ المحكمةِ بتعليق اليافطةِ، كما أنّ القرارَ تضمّنَ سجنّ الشاب لأنّه اعتدى على ملك الغير.
تخفى الشابُ لأيام بينما كانوا يحاولون معَ قائد الشرطة الالتفاف على أمر القضاء. ودفعوا لقائد الشرطةِ مبلغاً لا بأسَ بهِ حسبَ ما قالَ لنا أحد الوسطاء الأقاربْ الذين توسطوا لهم طبعاً.
لم نكنْ ننوي الإضرارَ بالشّاب. فقط كنا نريدُ أن نقولَ له: أنّه لا يجوزُ لأحدٍ في هذا القرن أن يتصرفَ من قبلِ نفسه. فهناك قانون الجميع تحتَ مظلّته ! !
عندما تفاوضنا قلتُ له: لن نسجنَك. لا تخفْ.
انتشى وقالَ: لستُ خائفاً منكم !
ومن أنتم ؟
الحقيقة تجلّت فيما بعد. الأحداثُ ليستْ كما فهمنا أنّها عملٌ فردي. أصبح يقودُ حملةَ شباب القيصريةِ صاحبُ صيدليةٍ لا علاقةَ له في المكانِ لأنّ صيدليته على الشارع العام. لا أعرفُ اسمه الأول لكن كنيته" موصللي " كان صديقاً لزوجي ، حيثُ كانوا يقفونَ أمام الصيدليةِ يتحدثون كثيرا حولَ أمورِ سجن أو اعتقال الأكراد. إلى أن هدّد" صاحبُ الصيدلية " شخصا سريانياً كانَ يقفُ معهم.عندما خالفَ الرجلَ رأيه. لمّحَ له بأنّه عليه أن يخاف من الحديثَ بهذا الشكل فهو يعرفُ تاريخَهم أنّهم أبطالاً. ذكّرَه بقتلِ "السريان " على يد الأكراد. لم يعدْ الرجلُ ولا زوجي يقفان معه منذ ذلك الوقت.وهذا الحديثِ نقله زوجي لي وكان حديثاً طويلاً حولَ هذه المواقف .
حتى الآن كنا نعتقدُ أنّ الأمرَ سلوكٌ شخصي من أطرافٍ قد لا تعرفُ حقيقتنا ، لجأنا إلى لمّ الموضوع كي لا نشعلَ فتنة بيننا وبينهم.
أخبرتُ بعض الشيوعيين في القبو الذي يقعُ تحتَ الدكاكين – لم أكن أعرفُ أنّهم متعاطفين معهم - قالوا لي :أنّني متوهمة. لاشيءَ ضدّكم ، الموضوع يتعلقُ بالهواء لكنّنا سنخبرهم.
أخبرَ زوجي رؤساء بعض الأحزاب الكردية وكانت تربطه معهم جميعاً صداقةٌ. بعضهم محامون. ومن بين الذين أخبرهم "فؤاد عليكو " هذا هو الذي تذكرت اسمه من بينهم. كان بإمكانه أن يعقد بيننا صلحا. لم يهتم للموضوع طبعا. معّ أنّهُ وعد بذلكَ.
تجاهل الجميعُ نداءنا. جهودنا باءت بالفشلِ. بدأنا نشعرُ أنّ هناك لعبةً من أطرافٍ ليس لها علاقة بالمكان. أطرافٌ عربية كردية.لم يرقْ لها وضعنا الاجتماعي المستقلّ عن السياسة ، والذي نتصرفُ من خلالهِ كبشرٍ لدينا مشاعر. نعزّي أصدقاءنا ، ونقولُ كلمةََ حقّ في مآتمهم.
لو ذهبتَ وسألتهم اليوم : سيقولون لكَ روايةٌ تقنعُك. . أنا نفسي كدتُ أقتنعُ لولا رؤيتي للضّررِ الذي سبّبوه لنا على الأرض.الضررُ المادي والمعنوي.
لم نصعِّدِ الموضوع. لأنّ النتائج غير محسوبة. أردتُ أن أستدرّ مشاعرهم. وقفتُ في قلبِ القيصريةِ.
- ألا يوجد بينكم كبيرٌ. هل هكذا هي الأمور ؟ ألم تجدوا غيرنا لتفعلوا به ذلكَ. نحنُ الذين وقفنا مع قضاياكم لأربعين عاما تفعلونَ بنا هذا.
شعرتُ أنّني قلتُ ما عليّ قوله. في المساءِ أخبرني أحدُ الأقارب الذين هم على شراكة مع الأمن العسكري. أنّهُ سيأتي إلينا مع والد الشّاب من أجل الصلح. لم يستقبلهم زوجي.
استقبلتُهم في غرفةِ مكتبي في المنزل. بدأ قريبنا بالحديث " وهو بعثيٌّ "
– المستقبلُ للأكراد في المنطقةِ على كلّ الأصعدةِ. علينا أن نفهمَ هذا. نحنُ أتينا من أجلِ أن نتفاهم. وهذا هو والد الشاب يريدُ أن يعتذرَ
لكنّ أمرَ اليافطة لن يكون إلا وفق ما يريدون.
هذا الكلام استفزّ مشاعري. قلتُ لهُ :
- لا مشكلةَ لديَّ مع الأكراد. هم رفاقي وأصدقائي. وفي النهايةِ لستُ قومية بل أممية لكن بالنسبةِ لك : أين ذهبتَ بالأمة العربية الواحدة ؟
إن كان المستقبلُ للأكرادِ ، فسيكونُ لمن يؤمن بالعلم والتقدّم وسيادةِ القانون منهم. وليسَ لمن يفعلُ ما يحلو له كنوع من الاستقواء بالكثرةِ والعضلاتِ على جيرانه.
قلتُ أيضاً : لا داعي للتفاوض. نحنُ سنغلقُ المعهد. فلا أحد يأتي إليه لأنّ البعض يهدّد من يأتي. لن نستطيعَ العيش ضمن هذه الأجواء العدائيةِ سنتركُ الأمر للزمن.
امتنعتُ عن الكلام معهم.. فاليوم كسروا يافطة ، وغدا ربما نفقدُ شخصاً ، ولسنا مستعدين لمعركةٍ كلامية أو معركةٍ من أيّ نوعٍ كانتْ.
اعتدتُ أن أشربَ القهوةِ مع صديقتي في الحيّ وجارتي وكنتُ قد حدّثتكم عنها " أمّ أيهم " هي تجدُ بي ملاذاً من عداءِ البعضِ لها ، وبخاصةٍ أمّ العبد
. بينما كنّا ندردشُ معاً. على فنجان قهوة أخبرتُها : أننا قرّرنا الرحيل. قلتُ لها الأسباب.
- إن كنتِ ترغبين سأخبرُ زوج أختي. هو يعملُ ضابطاً في القصر. نوصيهِ أن يعملوا وله ولمن يساعدُه من الأجهزة "فركة أذن " وسيخرسُ الجميعُ عندما يأتيهم أمرٌ من أعلى.
ذهبتُ بمخيلتي إلى حادثةٍ جرت معَ أحد الأشخاص ، و"فركةُ أذن واحدة " جعلتهُ مشلولاً. رأيتُ أنّني سأقومُ بعملٍ إجرامي لو فعلتُ ذلك ، ولن يحلّ هذا العملُ الموضوع. بل سيصبحُ مثلَ كرة الثلج ، وقد يذهب ضحيته أرواح ولست أبالغ في هذا. ثمّ إنّنا عائلةٌ مسالمةٌ إلى أبعدِ الحدودِ.
- قلتُ لها : لا. سنغادرُ لأنّه لم يعدْ هناك مواسم. الناس لا تجلبُ القضايا. ألا ترين أنّنا لا نذهبُ إلى مكتبنا.
قرّرنا الإسراعَ في الرحيل. لم نكنْ نرغبُ أن يكون ماضينا مثقلاً بالتعذيب للآخرين ، وقد حملنا قضية المظلومين لعقودٍ طويلةٍ.كما أنّنا لن نتمكنَ من الاستمرارِ في وضعٍ ينذرُ كلّ يومٍ بمتاعب أكير.
بدأنا نعدُّ للرحيلِ. وكانتِ الدفعة الأولى أنا وابنتي وزوجها وأطفالها حيث رحلنا إلى الإمارات العربية المتحدة.
نسيتُ اليوم هذا الموضوع. أعتبره من الماضي قام بهِ أفرادٌ جاهلين و ليس لهم علاقة بقومية معينة. فقط كنتُ أنتظر اعتذاراً من بعض رؤساء الأحزاب الكردية الذين حدّثهم زوجي بالموضوع ، وهم أكثر من خمسة أحزاب. ما أكتبه ليس سيرةً ذاتيةٍ. هو يوميّاتُ مدينةٍ وليست يومياتي. مدينةٌ لكلّ شخص فيها يومياتٌ مماثلةٌ مع الظلمِ. لكنّها شهادةٌ للتاريخِ على الصراعاتِ التي كانتْ تشتعلُ لأسبابٍ أحياناً يجهلُها حتى من وقع ضحيّتُها. ويصبحُ العداءُ والحقدُ هو سيّدُ الموقفِ.هذا هو الأمرُ الذي أرغمنا على الانسحابِ من هذا الموقف. ومن ثمّ الرحيل..
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |