حلمتُ بالمحكمةِ الدولية
خاص ألف
2011-10-17
أوّلُ مرة أزورُ لاهاي. كان في انتظاري الآلاف. ينتظرون الحكم عليّ. كنتُ مسرورة أن أقضي عمري في لاهاي ولو ضمن جدران سجن. حيث الطعام والشراب ، والفيس بوك.والانترنت. لم أطلب في حياتي سجناً أمتع من هذا.فالحياة في وطني سجنٌ مملوءٌ بالجوع والدّم. لذا كنتُ رابطةَ الجأش. تحولتُ فجأة إلى محامٍ. أحملُ حقيبتي وأسير مسرعة إلى المنصة.
التداعيات أتت من البارحة. كنتُ أقرأ عن عقوبة الإعدام. قرأت عن المعارضين لها ، والذين يعتبرون أنّ الدولة تحرمُ الجاني من الحق في الحياة ، وهي بالأساس لم تمنحه هذا الحق.
أساس حق الدولة في العقاب هو العقد الاجتماعي الذي تنازل الأفراد بمقتضاه عن جزء من حقوقهم للدولة للدفاع عنهم، ومعاقبة المجرم، ولا يمكن أن يكون الفرد قد تنازل للدولة عن حقه في الحياة مسبقاً حتى تسلبه هي الحياة بعد ذلك.. ودون أن ندخل في التفاصيل.
كنتُ أفكّرُ في المرحلةِ المقبلة. كيف يستطيع شخص أن يعفو عن شخصٍ تسبب في قتلِ أحبته.
سقط الكتاب من يدي. ثم تدثر معي. لم أكمل.
كرّرتُ في حلمي ما قرأت. وكنتُ ضحيةً. تحولتُ إلى عضوٍ من فريقٍ يلاحقُ القادة الألمان لأنهم هاجموا المدنيين ، وكانت جرائمهم ضد الإنسانية، لم يكن مبدأ الجرائم ضد الإنسانية معروفاً من قبل. كنتُ من المشجعين للأمم المتحدة في اعتماد المعاقبة على الإبادة الجماعية.
استيقظتُ وأنا أتصبّب عرقاً من رؤية الجثث المحروقة والمقطعة الأوصال. وتذكرتُ على الفور موضوع العقد الاجتماعي، وبأنّه ضاع في طريقه إلينا، وما صاحبهُ إلا متآمرٌ على قضيتنا. هناك متآمرون من الماضي. قدموا بفعل إمكان إعادة الزمن إلى الوراء.. إذا لم تصدّقوا. عليكم بقناة العالم !
تناولتُ قرصاً مخفضاً للحرارة. ثم نمتُ. مرةً أخرى أُحاكمُ. يتّهمني القاضي بالتستّر على الجريمة والمجرمين. لم أتمكنْ من الدفاع عن نفسي، وصدر الحكم الوطني علي بالإعدام.
بينما كنتُ أنتظرُ عقوبتي. قدّمتُ دفاعي:
سيدي القاضي :
لستُ كما تقولُ. لستُ محامياً. لديّ شهادة قانون لم أعمل بها.
رأيت اسمي مدرجاً في جريدة المحامين ، والتي رسم عليها ميزان العدالة وكتب تحته " الحقُّ والعروبة " تمعّنتُ جيداً. إنّهُ اسمي فعلاً.
لستُ محامياً يا سيدي. الشخص الذي تدربتُ عنده. وعملتُ في مكتبه ليس محامياً. مارس عمله خمسة وثلاثين عاماً. النقابة قالت أخيراً كلمتها: أنّه غير محام. هل نكذِّب دائرة رسمية؟ ما بنيَ على باطل فهو باطل.
انتهت محاكمتي. لم أعرفْ الحكم كاملاً. تذكرتُ أعمال الإبادة والعنف في البوسنة ، وفي الدول العربية ، ورغم الفظائع الجماعية التي ترتكب. بقيت الاتفاقيات المنصوص عليها حبراً على ورق.
لم أكن أعرف أنّه سيحكم عليّ ثانية بالإعدام.
وثالثة
ورابعة
قرّرت المواجهة بعدَ أن رأيتُ الجثث تملأ الشارع الذي أسير عليه.
حملتُ مفكرتي. توجهتُ إلى المحكمة الجنائية الدولية.
أخذت جميع الوثائق معي. رافقتني أرواح الذين حكم عليهم بالإعدام دون محاكمة. الذين قتلوا قنصاً.
كل الذين أحرقوا.
أقف الآن أمام القضاة الثلاثة.
أمسكتُ بالقاضي الوطني الذي حكم عليّ بالإعدام
ربطتُ يديه بحبل الصرة لطفلٍ مات قبل أن تلده أمه
لن أدعك تفلت بعد اليوم من العقاب.
عدتُ إلى مهنتي الأصلية
أنا اليوم محام أترافع أمام المحاكم.بل أمامَ أعلى المحاكم في العالم. قولوا: لم أكنْ أحلم !
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |