"أيّ فنان يفتقدُه العالم ! "
خاص ألف
2011-11-07
رأيتُه يرغمُني على حضور حفلٍ يمثّلُ فيه. أراد أن أصفّقَ له. كان الحضورُ يسخرون منه. لكنّهم لم يتمكنوا من مغادرةِ المسرح خوفاً من بطشه.
بعدَ حضورِ الحفلِ. جلستُ وفي ذهني المشهد كأنّه يجري أمامي الآن : شابٌّ بعيون زرقاء. وشعرٍ أشقر. مهزوز الشخصيةِ اسمه : نيرو " نيرون"
رأيتُه في لحظاته الأخيرة يفارقُ الحياة. أسفتُ على شبّابه الذي كرّسه للقتلِ
المسرحية أراها على خشبتها " روما " :
قبلَ أن يموتَ. قتلَ أمّه. أعدمَ زوجته. حرقَ روما كي يبني قصره ، ويعيد بناء روما بطريقته . قتلَ المسيحيين ، وعذّبهم. التاريخُ يبقى في ذاكرةِ البشر ، ينتقلُ عبر الأجيال ، ومهما زورنا ه. يصحّح نفسه ، لينطق بالحقيقة كأنّها تجري أمامنا.
نيرو ، وبعد أن أوصلته أمّه إلى الحكم. أصبح إمبراطوراً. قتلَ أمه كي لاتصل إلى العرش. ثم أعدمَ زوجته. أحرقَ روما ، وبينما كانت تحترق كان يغني أشعار هوميروس التي يصف فيها حريق طروادة.
مات في روما الآلاف. بنى قصراً بعد الحريق ، إلى أن سمي "عدوّ الشعب " بعد أربعة عشر عاماً من السلطة. هرب إلى كوخ اختبأ به وعندما سمع الأصوات آتية للقبض عليه. حاول الانتحار ، لكنه فشل عدة مرات ثم نجح في الموت.
من يقرأ التاريخ جيداً. يرى الأحداث ماثلة أمام عينيه ، ويرى النموذج البشري يتكرّر ، وأنّ العالمَ مازال بدائياً يخضعُ لقانون الغاب.
رأيتُ نيرون بعيونه الزرقاء. يتخفى لينزل إلى الشارع ويمارس الرذيلة. ويقرّر عقوبةَ القتلِ لكلّ من يشعرُ أنّه يخالفه. جنون العظمة يلمّ به. تؤنبه أمّه على فساده ومجونه. يتّهمها بالخيانة ، ويقتلها. وعندما كان يسمع الأصوات ويرتعدُ خائفاً في الكوخ. كان يقول : "هي لعنة أمي"
من المؤكّدِ أنّ نيرون تألّمَ من الموت. اختارَه خوفاً من التعذيب. نهايةُ الطغاة دائماً: قتلٌ دون رحمة.
أرواح العبيد الذين تفنّن في تعذيبهم. تقف قرب روحه. تراقبُ روحه الشريرة وهي تهربُ منهم بعد أن تساووا جميعاً فلا نيرون ولا عبيد.
الحياةُ أقصرُ مما نتوقع. علينا أن لا نقعَ فريسة أمام مغرياتها ، وإذا كان المالُ والسلطة والجنس ثالوثٌ مقدّس لكلّ نيرون صغرَ أم كبر ، فإنّ الحياةَ هدية ثمينة. علينا أن نحافظ عليها.
عرفتُ اليوم ماذا يعني اسم قديس. هو شهيدٌ من أجلِ الحقيقة والعدالة . تغصُّ بلادنا بالقديسين والأنبياء. القديسون في بلادنا. يقدمون حياتهم من أجل حياة الآخرين. يستحقّون أن نبني لهم معابدَ. سواء كنائس أو جوامع أو معابد من نوع قد يكون ليس موجوداً على وجه البسيطة. نسجّلُ على أبواب تلك المعابد. كلمات شبيهة بما ورد في إنجيل متى : "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها ".
بطرس وبولس قتلا. صلبَ الأوّلُ ورأسه إلى الأسفل ، وقطعَ رأس الثاني بسيف. القوة التي كانت داخلهما أرعبت نيرو. قتلهما. خلّدهما التاريخ. تتحدّث عنهما الأسفار الدينية ، والحكايات الشعبية.كقدّيسين. بينما سجّلَ اسمه بالأسود على تاريخ الإنسان.
بقي نيرو مقتنعاً بأنّه فنّان حتى موته ،. قالَ قبل موته : "أي فنّان يفتقده العالم بي !"
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |