صديقتي
خاص ألف
2011-11-14
في بلدتي " السلمية " لا ينتهي الناسُ من قصّةِ البناء " التعمير "
كلما ذهبتُ في زيارةٍ إلى الأهل والأصدقاء كلّ عدة سنوات . أراهم قد أنهوا ما بنوه سابقاً، وبدؤوا ببناء جديدٍ . هي شقةٌ واحدة . يبدؤها الناسُ بشراء قطعةِ أرض صغيرةٍ بعدَ شدّ الأحزمة على البطون لعدةِ سنوات . وبعدها تبدأ لعبةُ إكمال البيتِ وشد الأحزمة ثانية ، يمضي العمرُ سريعاً ولا يزالُ المنزلُ لم يكتمل ، فالجود من الموجود . والمالُ لا يكفي إلا على دفعات تستغرّقُ العمر كلّه .
صديقةُ طفولتي في السلمية من أصولٍ حمصية . وهي أستاذتي في لعبة "الهيلاهوب" التي كانت قد جلبتها معها من حمص عندما كنّا في السادس الابتدائي ، عائلتي لم تقتنع بفكرة الهيلاهوب . اعتبروها ثمينة جداً واكتفوا بإعطائي إطار دراجة بلاستيكي أستعمله . لم أتمّكن من التفّوق عليها لأنّ الأداة التي أستعملها ثقيلة ، وتضربُ أحياناً برجلي عندما ترتخي . أما هي فأداتها متماسكة . خفيفة . وهي بارعةٌ في الأداء .
تنتمي صديقتي إلى عائلة حمصية متحرّرة- قبل أن يصبحُ المجتمع مغلقاً في سورية - . كبرنا . تزوجنا . وذهبَ كلّ في حالِ سبيله . لم نلتقِ منذ ذلكَ الحين .
على الرغم من أن طفولتنا لم تكن طفولةٌ بالمعنى الحقيقي . لكنّني أحنّ إليها أحياناً . بحثتُ عن صديقتي من خلالِ معارفنا . عرفتُ أنّها تعيشُ في حمص ، وأنها أصبحتْ محجبة لأنّ ابنها أرادَ ذلك .
أردتُ أن ألتقي بها . كلما تحدّثت إليها بالهاتف تعتذرُ مني . تقولُ : إنّني مشغولة ما زلنا نكملُ كسوة المنزل . في آخر مرةٍ تحدّثتُ إليها ضحكتْ ساخرةً من نفسها . قالتْ لي: منذُ أن تزوجنا ونحنُ نبني ، وقد أكملنا بناءِ شقةٍ من أجلِ ابني . سيتزوج قريباً . سأدعوك على حفل الزفاف . لن أعتذرَ منكِ بعد اليوم ، ولن أبني بيتاً بعد الآن .
الحقيقة أنّني تحضّرت لزيارتها عندما أكون في إجازة . بقينا نتحادث بالهاتف كلّ عدة أشهر . ونتذكّر بعض جوانب طفولتنا .
منذُ أيام حدّثتني . صوتُها كان حزيناً .
- سألتُها : ما بكِ ؟
- الحمدُ لله . نحنُ بخير . لا نعرفُ إن كنّا سنبقى بخير .
- قلبي معكم يا صديقتي . أتمنى أن تنتهيَ محنتكم . حمداً لله على سلامتكم .
- لم نمتْ حتى الآن . لكن ليس لدينا مأوى .
- وبيتكم ؟
- سلامتكِ . تهدّم . لم يبقَ منه سوى زاوية مكشوفةٍ على السماء . تهدّم بقذيفة . لولا حلم الله ، لقتلتنا جميعاً .
- لا تحزني صديقتي . أصابت القذيفةُ المال ، وليس العيال .
- من يضمنُ أنّها ستكونُ بالمالِ فقط ؟
كان الحديثُ طويلاً مملوءاً بالشجون . تذكرتُ أحبّتي عندما بدؤوا بتأسيسِ المنزلِ الخاص بهم . عندما كانوا شباباً . كم من الأحلام والأمنيات التي حفظتها الجدران ! وكم تعذبوا من أجل إكماله . استدانوا ، وأخرجوا القروض ! لم يكونوا يعرفون أنّ كلّ ذلكَ التعميرُ قد ينتهي بقذيفة .
البناء والذكريات والأحلام تدمّرُ بثانية واحدةٍ !
ليسَ أمام الناسِ سوى الصبر ! !
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |