تحاصرُني فكرة ما. أظلُّ سجينتَها إلى أن أفرغَ من كتابتها. أرى أنّها كانت فكرةً سخيفة.سأروي لكم فكرتي السخيفةِ.
البعضُ يستعجلُ على تناولِ طعام الغداء قبلَ موعده، والبعضُ يحلمُ في الليل، وتنتهي أحلامه مع بزوغ الشمس. دعوا الشمس تشرقُ أوّلاً.كي تميّزوا بينَ الواقعِ والحلمِ. تناولوا بعدها الوجبات كما شئتم.
القصة بسيطة جداً :
التقيتُ بالصدفة معَ أحدِ الكتّاب، لم يكنْ مرتاحاً لوجودي، اضطرّ إلى مجاملتي. بسببِ ماضينا المشتركِ. تحدّث لي عن كلّ كتاباته المميزة، أتابعُها طبعاً. ليس من أجل المتعةِ. بل من أجلِ اكتشافِ طريقة تفكيره. أصلُ إلى حدّ الملل في بعض الأحيان قبل أن أكمل المقالة. لكنّني أكملُ ما أقرؤه دائماً.
لا أحبّ الأشياءَ الغير واضحة في الكتابةِ. لذا لم أقرأ كثيراً لأدونيس مثلاً، ولست في مجالِ ذمه لموقفهِ السياسي المشابه لكتاباته. لا أفهمُ ما يكتب. هذا كلّ ما في الأمر . صديقي الكاتب لا أفهم على كتاباته أيضاً. . في كلّ كتاباته يقولُ : عندما كنتُ أعملُ في النضالِ من أجل... !
سألني : هل أنتِ مع السلطة ؟
هو يعرفُ الجواب، قبلَ ربعِ ساعة . كان ضمن أحزاب السلطة الفاعلة.
- لك أنت تقرّر.أشهرتُ موقفي عدةَ مراتٍ. أشعرُ أن لا ضرورة للمزايدة في كلّ لحظةٍ..
- أمرٌ جيد أن تكتبي. تقضين على أوقات فراغك. مهما كان نوع الكتابة فهو جيد. يلزمُ كتاباتكِ أن تنضجَ أكثر.
- أتقرأ كتاباتي ؟ عظيم. معنى هذا أنّني سأنال الشهرة قريباً.
- عندما أصبحُ وزيراً للثقافة. ستكونينَ مديرة مركز ثقافي. ها. ها.
- ستصبح وزيراً ! مبروووك. موضوع المركز الثقافي بسيط. يمكنني الآن أن أحصل عليه إذا أعدتُ انتمائي الحزبي، وأبقى بهِ عندما تصبحُ وزيراً !
تركني. ذهبَ إلى طاولة أخرى. يكملُ مشروعه في تقديم ذاته
أحد أصدقائي الشباب الذي كان يجلسُ قربي، و ينظرُ إليّ باستغرابٍ، كان يتحدّث معي عنّ الكاتبِ للتوّ.
- لماذا لم تدافعي عن نفسك ؟
- لا تزعجْ نفسك يا صديقي. مازلتَ صغيراً على فهم هؤلاء. الصمتُ هو أبلغُ حديث يمكنُ أن تتحدّث به. يبحثُ من زمنٍ عن التبني، والآن ركبَ الموجة. وجدَ من يتبنّاهُ على أن يكونَ مطيعاً !
- لم تبدي انفعالاً. كنتُ سأضربُه. فقط انتظرتُ أن تثوري.
- هوّنْ عليك يا رجل. هذا الكاتبُ من ضمنِ المعارضة الفاعلة. علينا أن ندلّله. قد نحتاجُه يوماً !
- لا تبدين متحمسة للكلام. هل تغيّرتِ، ولم تعودي مع الثورة.
- حبيبي. أنا مع الثورة. لا تهتمّْ. هؤلاء سينتهي عمرهم بعد بزوغ شمس الحريّة. الثورة تغيير في الوعي. هؤلاء عبءٌ على هذا الوعي.
- ارتحتُ لكلامك. يعني أنّهُ لن يبقى في بلدنا قبضايات وزعران.
- سيبقون. هم لكلّ الأزمنةِ. لكنّ الشرفاءَ يزدادون، وسيكشفونهم
هذا نمطٌ من الذين انتشروا في كلّ الأماكنِ الآن. يبحثونَ عن أنفسهم، وأرزاقهم. يتحركون كالنّملِ على المواقع الالكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي.يكرّرون أنفسهم من خلالِ وطنيةٍ ليست حقيقيةٍ. يرتفعون فوق الدماء بكتاباتهم، ولو عرفَ الشهداءُ أعمالَهم الحقيقية ، لقاموا من قبورهم وتراجعوا عن ثورتهم.
مازالَ البعضُ يشعر بعظمته وذكائه. لأنّه يسبحُ مع التيار، في الماضي سبح معه أيضاً . هؤلاء. هم الذين سنعاني منهم في المستقبل. سنتحمّل عبأهم حتى يطلّ ذلك المستقبل، وسيظهرُ من يقوم بتعريتهم.
.
رؤيتي لأيّ ثورة هي أن تغيّرَ القيمَ. هؤلاء القادمون إلينا. بعضُهم يحمل الماضي كما هو وبنفس الأساليب. لن تتغيّر قيمهم.
يصلني في كلّ يوم على بريدي طلباً بالانضمام إلى مجموعة فكرية أو سياسيةٍ لها اسم معين، أتابعها على موقعها. أرى من كانوا نافذين في وقتٍ مضى . يزحفون خلفَ بعضهم البعضِ في مجموعاتٍ تقولُ رأيّها بجرأةٍ أكثرُ من الثوار. قرّرتُ أن لا أنضمّ إلى أيّة مجموعة. كلّهم يبحثون عمّن من يصفّق لهم، شبعتُ إلى حدّ التخمة من التصفيق !
أقولُ لهؤلاء : أنّ الشمسَ لم تشرقْ بعد. مهلاً على طموحاتكم. الدماءُ لا زالت تسيلُ كالأنهارِ. وعندما يبزغُ الفجرِ. سيكونُ لي كلامٌ آخر حولَ هؤلاء...