عن الطفولةِ
خاص ألف
2012-02-21
في خضّمِ الأحداثِ التي تشدُّنا وتجعلُنا متوترين على الدوام . وقفتُ لحظةً أتأمّلُ طفولتي وشبابي الأوّل . رأيتُ أن كلّ شيء يسيرُ إلى الوراء . لم تكن طفولتي سعيدة ، كانت بريئة . عندما كنتُ أتحدّثُ لأولادي عنها . يقولون: بأنّ طفولتهم بائسة لأنّهم لم ينالون ما يستحقّون في المدرسة التي لا يوجدُ فيها عدلٌ بين التلاميذ . استعرضتُ في ذهني واقع أطفال سورية اليوم ، ومقارنتها بأوضاعهم في الماضي .وعدتُ إلى اتفاقية حقوق الطفل التي تبنّتها الجمعية العامّة للأمم المتحدة وفي المادة 49 من اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدت بموجب قرار الجمعية العامة المؤرخ في 20 نوفمبر 1989أكّدت الاتفاقية :
أنّ المبادئ العامّة في الأمم المتّحدة تعترفُ بكرامة الإنسان والحقوق المتساوية لجميع أفراد الأسرة البشرية الذي يمثّل الحرية والعدل والسلام في العالم . للطفولةِ حقّ في الرعايةِ والمساعدة ، الأسرة هي الوحدة الأساسية في المجتمع ، وهي البيئة الطبيعية لنموّ الطفل كي يعدُّ إعداداً كاملاً لحياته الفردية في المجتمع . لذا يحتاج لعناية قبل الولادة، وفيما بعدها ، وإلى أن يبلغ الثامنة عشر من عمره وهو العمر الذي حدّدته المادة الأولى من اتفاقية الطفل المذكورة .
نبدأُ من التعليم الذي هو حقّ أساسي تكفلُه القوانين في سورية حتى نهاية المرحلةِ الابتدائية . قد يكون هذا القانون "إلزامية التعليم" مطبّقاً في مراكز المدن بشكل عفوي . لكنّه لا يطبّقُ في الريف البعيد والبادية . في ريف الجزيرة السورية العليا حيثُ يوجدُ المكتوم من القيد في النفوس ، وعديم الجنسية ، والمدقع الفقر . وكلّ هؤلاء وحتى لو أرسلوا أولادهم إلى المدارس قد يتركوا المدرسة ، وربما لا يتعلمون القراءة والكتابة لأنّ المعلّم اليوم . حصلَ على شهادته الحرفية في التعليم ، وهو لا يجيدُ لفظ أحرف العربية . لذا نجدُ الجيلَ الحالي من السوريين وربما غير السوريين . قد حذفوا الأحرف اللثوية من قاموسهم وتحوّلت الفصحى إلى عامية .
أغلبُ معلّمي المدارس الابتدائية من غير الجامعيين . كارثة كبرى على التعليم . ولو أنّه لا زالَ هناك جيلٌ مخضرمُ يهتمُّ بالمعلومة ، لكنّه غيرُ فعّال لأنّه مضطهد من المؤسسة التعليمية .
إذا كان التعليم يستهدف التنمية الكاملة لشخصية الإنسان واحترام حقوقه ، ويعزّز التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات وفق المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . فإنّ للتعليم أهدافاً أخرى في سورية ، فعندما تدرس في مادة القومية الشعارات العنصرية التي تربي ذهنية الطفل على التخاذلُ ، لأنّه بطبيعته كإنسان ينفرُ من المؤسسة الأبوية الملاصقة له ، فكيف إذا كانت أبوية قمعية ترغمك على الحفظ من أجل العلامة والنجاح في الامتحان ؟
معَ عدم حصول العائلة على الموارد المالية ، والحد الأدنى للمعيشة يكون العنف الأسري هو السائد بحق الأطفال من قبل الوالدين . عنف جسدي ولفظي ، وكذلك عنفٌ من الشريك على شريكته أمام الأطفال وهي حالة شبه عامة . القلة من الأسر تهتمّ بهذا الموضوع ، وله أسبابه الكثيرة التي لن نخوض فيها ، كما أنّ الاعتداء الجنسي على الأطفال من الجنسين ، وبشكل أكبر على الفتيات موجودٌ بكثرة ، فقط الخوف يجعلهم يتكتمون على الموضوع . ويشعرون بالعزلة والعار وضعف الثقة بالنفس . ويصل الطفل إلى سنّ المراهقة ليصاب بأمراض نفسية أسبابها الاعتداء على أنواعه .
هذا كلّه يتمّ خلال الحياة العادية حيث لا نزاع مسلّح على الأرض . اليومُ هناكَ حربٌ على الأرض . نزاعٌ بين طرفين . طرفٌ يملك القوة وكلّ المقّدرات ، وطرفٌ أعزل يحاولُ أن يتشبث بكرامته ، وعندما نقول أعزل فإنّنا نعني أنه ربما يستخدم السلاح الفردي للدفاع عن حياته ، وهو حق مشروع في كل القوانين . لكنّ الأطفال ضحيّة في هذا العنف الذي يمكنُ إيقافه بلمح البصر من قبل رأس الهرم الأمني . ثقافة الكراهية والحقد هي التي تجعلُ الإنسان أحياناً يقتلُ الجميع من أجل الانتصار لنفسه . وعندما نقولُ أن الأطفال ضحايا . نقصد الأطفال جميعاً ، وليس أطفال فئة واحدة فلا يؤخذ الإنسان بجريرة والده ، وليس مسئولاً عن تلك الأحقاد التي اختزنها وقتل بسببها الأبرياء .
الطفولةُ في سورية اليوم أصبحتْ من ضمنِ اللعبة اليومية . يقتلُ الأطفالُ حتى الرضّع منهم، ويُذبحُ أهلهم أمام أعينهم . ما أسعد طفولتنا أمام طفولة أولادنا ! وما أسعد طفولة أولادنا أمام طفولة هؤلاء الذين هم بعمر أحفادنا !
الطفولةُ الآن هي في أكثر مراحلها انتهاكاً للحقوق . وعندما تنتهك حقوق الأطفال . سيبقى الأمر عالقاً في ذاكرتهم . سيعزّز لديهم ثقافة الانتقام . أو الانهيار الإنساني . فما زال بعض ضحايا الحروب الذين كانوا أطفالاً في الأماكن التي سادتها الحروب الأهلية ، وأصبحوا شيوخاً اليوم . يتحدّثون بألم عن ما أصاب آباؤهم ، ولم يحقّقُ لهم التغيير حالة طبيعية من التوازن ، وهذا ما يجري اليوم على الأرض في سورية . فمن يُقتل أباه أو أخاه ، ومن تغتصبُ أمّه . لن ينسى . نحنُ أمام جيلٍ ستستمرّ أحزانه لنصف قرنٍ من الزمان على الأقلّ ، ومهما حسّنا من ألفاظنا . سنكون أمام ثقافة جديدة . ثقافةُ الأطفال الذين تعرّضوا للترويع ، وفقدوا أحبّتهم . ستظهرُ آثار هذا في المستقبل . فما زالَ الجرحُ لم يبردْ ، ولا زال الأطفالُ في حالة إنكارٍ لما يرونه . من سيعيدُ للطفولة براءتها ومعناها ؟ وهل ستكون الطفولةُ أولويةٌ يعملُ عليها أصحابُ القرار ؟ الأمرُ مرهونٌ بالمستقبل .
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |