Alef Logo
يوميات
              

خيمةُ عزاء

ناديا خلوف

خاص ألف

2012-02-27

في خيمةِ عزاء على طولِ الوطن. نعزّي أنفسَنا بموتنا . ونعزي العالم بموتِ قيمه . .
نفرشُ دربَ خيمتنا بحجارةٍ منسيةٍ من تربةٍ سمراءَ تشقّقت من العطشِ
ننصبُها على أطرافِ نهرٍ . أو على سفح جبل .أو منحدرٍ .
ونجمعُ من على جوانبها ورودَ الربيع الحمراء . الربيعُ يحلّ بعد شتاءٍ قاسٍ
ليعطينا دفء المحبّة والحياة .
عندما يتحوّلُ الوطن كلّه إلى خيمةِ عزاء . نقبعُ بين حزننا نعزّي دواخلنا المقتولةِ على أبوابٍ الصدقةِ ، والذّلّ والمهانة .
هربنا من أماكن تدعى وطناً . إلى غربة تهدينا الذَلَ بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة . نأخذ أجرنا قروشاً عن أعمالِ كبيرةٍ . من أجلِ كسرةِ خبزٍ . نعتقدُ أنّ الموتَ أفضلُ من الاستجداء . والتعوّد على فنّ الانحناء هو بحدّ ذاته موتٌ . . بقينا في سباتٍ إلى أن سمعنا أصواتهم . هل نحنُ الذين نصرخُ ما كبتناه زمناً أم هم ؟ لم نميّز بين صوتنا وصوتهم . لا . نحنُ متنا .هم أعادونا إلى الحياة . إلى الأمل . سمعنا أصواتَنا من حناجرهم ، وآلامَنا من عيونهم .
أين سننصبُ خيمةُ العزاءِ ؟
الأمرُ محيّرٌ فعلاً . ففي القلوبِ نصبتْ خيمٌ تجوبُ فينا . مخصّصةُ لفنائنا . يوم ابتدأنا . حملنا خيمتنا إما لننصبها من أجل العزاء . أو لننصبها على أطلالِ مكانٍ تمنينا أن يكونَ وطناً .
من سيتقبّلُ العزاء وقد أزيلتْ عائلاتٌ بأكملها عن وجه الأرض ؟
وهل سيقبلُ أولياء الدمِ بالعزاء قبل القصاص ؟
كم نزفَ الدم السوري رخيصاً أمام مرأى العالم ! وكم كانَ العالمُ يساومُ على أوراقه من خلال هذا الدم !
نحنُ بشرٌ، ولا أعتقد أن البشر يستطيعون النسيان بين ليلة وضحاها . فقد نشأ شرخٌ كبيرٌ بين القاتل والمقتول ، وكلّ الخشيةِ من الانتقام ، عندها يصبح المقتول قاتلاً . لا تقولوا أنّ الشعبَ واعٍ ، وغير طائفي . الوعيُ لن يمنع من فقد خمسة من عائلته، وهو يعرف معرفةَ اليقين من قتلهم. أن ينتظر حكم القضاء ، العدالة تحتاجُ إلى زمن طويل ، القضاء مؤسسة فاقدةُ الشرعية إلى أجيال . لا يمكن انتظار عدالة السماء أيضاً . لا يمكنُ الاستهتار بمشاعر هؤلاء الذين فقدوا أحبتهم .
لن نبكيَ اليوم . البكاءُ ضعفٌ . سيتفجّرُ دمعنا حريقاً ، وغداً لدينا العمر كلّه لنبكي شباباً بعمر الورد ، وربما لن يكفي العمر لذلك .
لن نبكي . كي لا يتشفى القاتلُ فينا ، ويسخرُ منّا . يقولُ عنّا لسنا أقوياء .
وكيف يمكننا منعَ دمعنا من العبورِ إلى الجهة الأخرى حيثُ الأعلامُ ترفرّف
والأطفالُ يصرخون لبيك يا الله ؟
كم حلمتُ أن أدورَ مع الأطفالِ في ساحةٍ مملوءةٍ بالزهور
أن أغنّي معهم .
هم الآن يغنّون .
تجاوزَنا الأطفالُ في غنائهم .
مازلتُ في ثوبِ معلمةٍ من الزمنِ الغابر
ترغبُ في تعليم الأطفالِ أغنية عن العصافيرِ ، والفراشات .
الأطفالُ تجاوزوا هذا . يعيشون اليوم أجملَ لحظاتِ الحياةِ ، وأقساها أيضاً . ومن سيبقى منهم سيعتزُّ بنفسه لأنّه تحرّر من الخوفِ والعيب . ولأنّه استطاع أن يلهمَ العالم . ويعيدَ له ضميره بعدَ أن أصبح العالمُ بلا ضمير .
خيمةُ العزاء أبتْ إلا أن تفترشَ الساحاتِ . العزاءُ اليوم أعراسٌ . تغيّرتِ العادات .
لن يكون بعد اليوم خيمة عزاء . بل أعراسا للشهداء . . .

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow