محطّاتُ تشّرد . الدوكة " المعركة "
خاص ألف
2012-03-13
أعودُ بذاكرتي إلى قريتي التي ولدتُ فيها ، وهاجرنا منها فيما بعد إلى قرى قريبة. استضافتنا عائلاتٌ من طائفتنا . لا نزالُ نمتنّ لهم. . ثمّ هجرنا كلّ شيءٍ لنعيشَ في المدينة . جدّتي وأمّي تقولان أنّني ولدتُ في عام " الدوكة " أي المعركة باللهجةِ المحلية . تلك المعركة التي راح ضحيتها سبعة قتلى لأسبابٍ واهية . كانوا من طائفةٍ واحدةٍ ، وقريتنا التي تتألّف من عدة بيوت وطائفتين . كان على أحدِ الطرفين فيها المغادرة .
والدي الذي كان يملكُ الأرضَ، والمواشي، وعربة ودار واسعة . لم يتعوّدْ على الأماكن الضيّقة . كانت هذه الهجرة ، وحتى إلى بيوت الأقاربِ والأصدقاء تمثّلُ له انكساراً . ومثلُه جميعُ رفاقه الذين غادروا .
وفي الأماكن المنكوبة دائماً تتغيّر الطبيعة الديموغرافية . ترك القرية أيضاً قسم كبير من الطائفة الأخرى . اليوم تعيش فيها طائفةٌ ثالثة كانت قريبة من المكان .
هؤلاء الذين نزحوا من جميع الأطراف . لم ينسوا أرضهم . عادوا ، ومنهم والدي ، بنوا غرفةً ، أو غرفتين في أراضيهم الزراعية . أصبحوا يجلبون عائلاتهم في الصيف ، وفي الشتاء يذهبون إلى المدينة .
لم تتمّ المصالحة ، لكنّها تمّت بشكلٍ غير مباشر . التزمَت كلّ عائلةٍ حدودها الجغرافية ، اقتنعوا بأنّ هذا النزاع لم يكن في صالحهم . عانوا جميعاً من ذلك . لكنّ المسامحةَ لم تتمّ . فلا تزاوجَ ، ولا مجالس مشتركة ، وأيضاً لا يوجد أيّ علاقاتٍ مع الطائفةِ التي استوطنت القرية . إلا من قبل الذين انتموا للأحزاب السياسية . كان هذا منذ أكثر من ستين عاماً .
سبعة شهداء في قرية تعداد سكانها بالمئات . جعلت العائلات تتشرّد ، وتحولت إلى عائلات لاجئة فقيرة .
الذاكرةُ الجماعية تحملُ دائماً مأساة المجموعات ، والثأرُ قد يكون صفةٌ ملازمةٌ للثقافة الجمعية التي تربينا عليها . بل هي من القيم الاجتماعية ، ولا يوجد مقابلها شيء يدعى تسامحاً .
لم أكن أحبّ قريتي ، لأنّنا كنّا نعيش معزولين في البساتين في دوائر مغلقة ، أو فيدراليات عائلية تنتمي للمكان فقط ، كنتُ أرغبُ في اللعب مع الأطفال وعندما أطلبُ من أمي أن تأخذني لأرى منزلنا. كانت تقول :لم يعدْ أهل القريةِ منّا ! ولم أرَ بيتنا إلا قبلَ سنتين ، ومن الخارج فقط . كم تمنيّتُ أن أدخل له . لكنّ أحداً لم يشجعني على الأمر .
عامودة والقامشلي
عشتُ عدّة سنوات في عامودة ، وأكثر من ثلاثين عاماً في القامشلي ، وكان الحيّ الذي أعيش فيه سريانيّاً مئة بالمئة . عدانا طبعاً . بدأت الهجرة فيه عندما أصبحوا يقتلون المسيحيين في لبنان . متهمين إياهم أنّهم خونة ومع الكتائب ، وكان البعض منهم أغنياء ، وأوّل شخص في الحي هاجر اسمه إلياس . ساعدناه في استخراج وثيقة من المحكمة على أنّه محكوم بتهمة سياسية وعلى أساسها نال الإقامة السويدية وبعدها الجنسية ، وفي أوّل عودة له إلى سورية . أتى من المطار إلى منزلنا ، وكانت ابنتي الكبرى في الثانوية . طلب منّا أن نترك البلد . أجابه زوجي: لا أريد من وطني غير أربعة حيطان وسقف . اكتشفَ فيما بعد أنّه كان مخطئاً . الحيّ اليوم فيه عائلتان من العجائز فقط .
الإمارات
في نزاعٍ أصبح مفهوماً . تمّ الاعتداء على مكتبنا في القامشلي . رأينا أنفسنا محاصرين . فضلنا ترك المكان على خسارة أحد الأشخاص ، وخسرنا ربّ الأسرة الذي ماتَ حزناً .
المحطّات المقبلة
هي برسم الزمن . أصبح داخلنا مضّطرباً يضجُّ بعدم الاستقرار ، فطالما أنّنا تركنا حصاد العمر في سورية . لا يهمّ إلى أين نتّجه . لكنّنا نفكّرُ جدياً بترك المكان . . .
ولا نعرف كيف سيفرّقنا الزمان . . .
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |