Alef Logo
يوميات
              

في بيت أبي

ناديا خلوف

خاص ألف

2012-09-11

بعد أن امتلأت صفحات المواقع الألكترونية ، والصحف الورقية بمقالات عن الثورة . بعضها ناريّ وبعضها فلسفي أو نرجسي ، ونادراً ما تقارب هذه الكتابات الحقيقة . عدتُ إلى الكتابة عن الحياة . أكتبَ أشياء اجتماعية توثيقية تقاربُ الحقائقَ على الأرض ، وتخصّ المرحلة السابقة والمرحلة الحالية . الكثير منّا أصبح عبئاً على الدماء . وعلى أحدنا أن يتنحى من أجل طهارةِ هذه الأرواح البريئة كي لا يثقل عليها ، وهي قد ثارت بالأصل على قيمنا التي أضعناها في لحظةِ أنانية .
أنحني احتراماً لأرواح الشهداء . سأبقى مخلصة لها ، ولو خذلهم العالم ، وصعد السياسيون فوق دمائهم . فالتّاريخ سينصفهم . والكلام اليوم لم يعد مفيداً ، فاللعبة تحتاجُ إلى معرفة النّهاية ، وبعدها أعود من جديد لتشريح تلك النّهاية ومعارضتها .فلن تكونُ الأمور جيدةً حتى لو سقط النّظام . هذا الدمار على كل الأصعدة لن يزول بين عشيّة وضحاها .
المقدّمة
النشأة الأولى هي التي تعطي لحياتنا اللمسة التي تعبّر عنّا ، وتحملُ بصماتنا ، وبيتنا الأوّل لا يتقادم عليه زمن ذاكرتتنا فهو حاضر في كل البيوت التي نقيم فيها ، رفاق الطفولة يكبرون معنا ، نتحدّث إليهم . لا يتغيّرون . ووضع الفتاة منذُ أن تلدها أمّها يتميّزُ بالألم .
أكتبُ عن وضع المرأة في العائلة السّورية ، كتبتُ هذا قبل سنوات . لم أنشره فقد كانَ التّفهم للمواضيع عند السّوريين أقلّ منه الآن . كما أنّه لا وسائل نشر متاحة لي على الأقلّ . كنتُ أخشى أن يعتبرون الأمر تافهاً . أسمعُ أجوبتهم عندما أعرضُ الأمر عليهم بأنّها : حوادث فردية !
لما استفتيت زوجي بالأمر قال مازحاً :
اكتبي كتاباً في الطبخ أو الجنس. إن كنت تسعين للرغيف . لن تستطيعين إقناع النساء بما يجري لهن .
أهملتُ الموضوع . يلّحُ علي أمرُ كتابته ثانية . بعد تلك الصيحاتِ المبحوحة في الهواء من أجل وضع اللاجئات السوريات في الأردن .
سأدخلُ بعضَ التعديلات على النّصِّ القديم . كي أضيفَ له ما استجدّ على رؤيتي .
التقيتها في رحلةٍ أقلّتنا من القامشلي إلى دمشق . فتاةٌ أربعينية تبحثُ عن زواج . عن عمل .عن فرصة من أيّ نوع كانت كي تعيش . ترغبُ أن تعيش .
قالت : كنتُ لاجئةٌ في بيتِ أبي آكل لقمتي بصمت ، وأعاتب نفسي لماذا لا أستطيع تقديم العون له . أحسست أنني عبءٌ كبير ، ولما توفي. رغب إخوتي في بيع البيت . لم يناقشوا أمري . ولم يعطوني شيئاً من ثمنه . انتقلتُ للعيش في بيت أخي . لم أكن أعرف أن الجحيم على الأرض .كان جحيماً . لو تدرين كم أحببتُ أخي . لا زلتُ أحبه ، لكنّه يتمنى ليّ الموتَ كي يتخلّص من ثمن طعامي ، هو لا يرغبُ في رؤيتي . أختفي عندما يتواجدون على مائدة الطعام ، وأبكي وحيدة ، وعندما أجوعُ آكلُ من فضلاتِ طعام الأولاد المرمية في القمامة . ليس معي سوى ثمن تذكرة الرحلة . لكنني لن أعود . سأتدبّر أمري . أعمل خادمة . أتزوج شخصاً كبير السن . لا أرغب في الموت . ولا في العودة للجحيم .
كان هذا الأمر في المرحلة الخريفية من حياتي ، كنت أفكر يومها في ترك المكان . لم يكن بإمكاني تقديم العون لها ولا أدري ماذا جرى لها فيما بعد .
لكنّني كنتُ أتحدّث مع بعض النساء عن أمر كهذا وكنّ يقلن أشياء أكثر صعوبة .
أعودُ إلى ما قبل ذلك التّاريخ الخريفي . عندما كنتُ لا أتوقّعُ أنّ ما تراه عيني هو حقيقة . فسّرته على أنّه حالات فردية .
زارتني إحدى النساء التي تقيم عائلتها بجوار مكتبنا ، كنّا وكلاء إخوتها في دعوى تثبيت بيع بين الأب المتوفي وبينهم
أتت إليّ بعد مكالمة هاتفية عرفتني فيها بنفسها . رحبتُ بها
نظرتُ إليها عندما وصلت : جميلة . أنيقة . متعلّمة ولطيفة .
-رأيتكِ البارحة . نزلتِ من السّيارة . كان في استقبالك أحد إخوتك
- هو أخي الأكبر اشتقت له . وهذا بيت أبي آتي بين الفينة والأخرى لزيارته
قمتُ من على كرسيي من وراء الطاولة ، جلست مقابلها . ثم طلبتُ لها القهوة
- من فضلك أغلقي الباب . أرغب أن أتحدث إليك حديثاً خاصاً
أقفلتُ الباب من الداخل
-نحن مظلومات . أكلوا حقنا .
من أنتن ؟
-نحن بنات العائلة الذين توكلتم في قضية تثبيت البيع من أبي لأخوتي الذكور
- لاأدري عن ماذا تتحدثين ؟
-هذه الدعوى صورية ، وقّعَ أبي على عقد البيع بينما كان في مرضِ الموت .
- العقدُ صحيحٌ ، ولا نستطيعُ فعلَ شيء
-جئت أشكو فقط . علّك تقومين بمساعٍ للصّلح بيننا ويعطونا ولو مبلغاً ضئيلاً من ثروة أبي، فأولادي يحتاجون للمال . عليّ أن أساعدهم في دفع ثمن دورات للثانوية ، فكما تعلمين أنّ الأساتذة لم يعودوا كما السّابق ، وإذا لم يأخذوا الدروس الخصوصية لن يجلبوا معدلاً يستطيعون من خلاله دخول الجامعة .
أصبحنا فيما بعد صديقتين . تسببتْ زيارتها بدلاً من الصّلح بسحبِ الدعوى من مكتبنا . فهم لا يريدون خسارة أي قرش ، ولم يضعوا في اعتبارهم الصلح
علق في ذهني من كل القصة " في بيت أبي "
عندما رأيت السيدة بعد سنوات سألتها : ماذا جرى ببيت أبيك ؟
قالت أعطونا مبلغاً لا يذكر لكلّ واحدة منّا ، لكنّهم قاطعونا فيما بعد . وباعوا البيت . أنهوا ذكرياتنا ومشاعرنا كي لا نأتي لزيارتهم . أحبّهم وأزورهم أحياناً ولا يستقبلونني بشكل لا ئق . هم أبناء أمي وأبي !
-هل لو كان والدك على قيد الحياة كان سيعارض تسجيل الأملاك باسمهم ؟
-ربما يوافق أن يعطيهم . لكنّه كان سيحتفظُ بالبيتِ لنا وهو قد اشترى بيوتاً لهم . وأنا أعذره ، فهذا هو المجتمع ، لكنني لا أعذرهم ، فهم يتحدثون بالشريعة والدين ، ولم نكن نرغب بنصف نصيبهم من الإرث . فقط بمبلغ مقبول .
بعدَ أيّام من هذه الحادثة . أتت إلى مكتبي سيدتان شابتان . بدتا كتوأم . عرفتاني بنفسيهما . تنتميان إلى عائلة كردية معروفة . إحداهن صاحبة القضية . حازتْ على ملكيةِ بيتٍ في جمعية المعلّمين ،سجّل زوجها البيت باسمه بموجب وكالة عامة كانت قد أعطته إياها من أجل قضيّة أخرى .
قلتُ : حلّي الأمرَ صلحاً كي لا تدمّري أسرتك ، ففي النّهاية أنتما تعيشان معاً . ابتسمت قالت : أسرتي مدمرة !
وزوجي يعيشُ مع إحدى صديقاته ، يأتي فقط من أجل النوم
تحدّثت عن معاناتها في زواجها ، وتحدّثت أختها أيضاً .
أسرتها مدمّرة ، وهي امرأة عاملة ، سألتهما أين تعيش ؟
قالت : في بيت أبي "
لو مات أبي سأبقى في الشارع !
" 1"
عذاباتُ النّساء كبيرة . أردت أن أتحّدث عن آلام السّوريات . لا أنسجُ من خيالي الأدبي . أكتب نصّاً من الواقع كان أقسى من تصوّري القاصر عن الإلمام بتلك الخفايا
عندما ذهبتُ إلى الإمارات . بدا الأمر لي وردياًّ من الناحية المعيشية ، إلى أن عايشت معاناة العائلات بشكلٍ عام ، و العائلات السّورية بشكل خاص . هم يعانون رجالاً ونساء من المعيشة ، وإيجار المنزل ، ومدارس الأولاد . غارقون في الديون ، وليس لهم موطأ قدم في بلادهم . أتحدّث عن الأغلبية .
كانت صدمتي الأولى مع سيدة سورية تعمل مدربة على سواقة السيارات . (السّوريات اللواتي يمتهنّ هذه المهنة كثيرات أغلبهنّ محجبّات ) اعتقدتها مرفهة . هي خمسينية . تزوجت زوجها الأول في سورية وأنجبت ثلاثة أولاد ذكور . طلّقها ومنعها من رؤية أولادها ، وأتت إلى الإمارات عن طريق أختها . تزوّجت سوري أيضاً، وأنجبت منه فتاة . ثم تزوجت ثالث ورابع وهي اليوم مع الزوج الخامس وهو مصري يعمل مضيفاً في مطعم . .
هو يجلب الطعام وهي تدفع إيجار الغرفة والصالة . أرسلَ زوجها الأول أولاده لها لأن زوجته لا تقبلهم . ولديها اثنان من أزواج متعددين . قالت : جميع أولادي لا يذهبون إلى المدرسة . ليس عندي تكاليفها . أكبرهم فتاة في السابعة عشر من عمرها .
ليست هذه هي المرأة السورية الوحيدة التي تعاني من ذلك . بل كل واحدة تأتي إلى مكتبنا ترشد أخرى لتستشيرني ويقول لي جمعيهن : أعتبرك كأمي .ولا يحركنّ ساكناً حول قضاياهنّ
كلّهن يحملن الألم ، والزواجُ حسب قناعاتهن : مشروع غذاء ومبيت في غرفة ، وآخراللواتي قدموا إلاستشارتي كانت فيحاء . الشامية الجميلة الشقراء ، خريجة كلية التّجارة والتي خرجت من بيت أخيها عارية إلا من ثيابها الداخلية حافية القدمين، فاستجارت بأول شخص . كان إيرانياً . له زوجة وأطفال . تزوّجها زواج متعة مقابلَ الطّعام والشّراب والسّكن .تعمل سكرتيرة له يجتمعان في منتصف اليوم ساعة واحدة فقط . كان شرطهُ أن لا تنجب . لكنها حملتْ عن قصد . تريد طفلاً كنوعٍ من الضّمان ، وباعتباره يعتقد أنه يعمل وفق الشريعة لطائفته الشيعية الإيرانية . أرادَ أن يسجل الطفل نتاج زواج متعة كي يأخذه ، ويتركها ، طلب منها أن يحدد مدة الزواج في مسجد للشيعة في دبي . زواج المتعة يجوز فيه تحديد الأجل . وعندما رفضت . أقالها من عملها ولم يعد يسمح لها بالمجيء إلى الشركة
هؤلاء النسوة لسن فاقدات الأخلاق . إنّهن فاقدات للأسرة والرعاية الاجتماعية . تتحكم بهم ذكورية المجتمع فيخترن أهون الشرور ، وأهون الشرور هو الزواج بأيّ طريقة كانت ، فهن لا يستطعن أن يعملن بالدعارة .

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow