نساء سوريات
خاص ألف
2012-09-18
تنويه : بعد أن سجّلّ أحد الكتّاب ملاحظته بأنّ: "في بيت أبي "هي قصّة بولندية ضعيفة . قرّرت أن أغيّر الاسم إلى: " نساء سوريات" منعاً للّبس .
2
الشّرف
عندما لا تتمتّعُ المرأة بحريّتها وكرامتها . سيكونُ الجيلُ الذي تربيه فاقداً لقيمةِ الحريّة والكرامة ، وكلمةُ حرائرلاتركّزُ على الحريّة بمعناها الصحيح . بل فيها إيحاء جنسيّ يعتمدُ جسدَ المرأة أساساً للتسمية .
لن تكونَ الحريّةُ والكرامة في مجتمعٍ لا يتيحُ للمرأة والرّجل على السّواء. التعلّم وتلقي المعرفة ،ولا يوفّرُ الحدّ الأدنى للمعيشة للفرد ولا فرص العمل ، ومع انتشار الفقر الذي وصل إلى حدّه الأعلى قبل الثورة بقليل . لم يستطع السوريون الصّبر ، ثاروا من أجلِ كلّ هذه الأشياء ، فالحريّةَ تعني فيما تعنيه لقمة العيش .
خلال سنوات القمع الطويلة في سوريّة. كانت المرأة هي الفرد الأكثر اضطهاداً من السلطة والمجتمع ، ومن الرّجل أيضاً ، فالمجتمع ذكوري بامتياز وربما لقيت المرأة عناية أفضل عند غير العلمانيين من المتدينين البسطاء
شهدت الحركة النسوية في سورية تطوراً ملحوظاً في منتصف القرن الماضي حيثُ كانَ بعضُ الانفتاح الذهني على قيم الحريّة ، انحسرنت تلك الموجة بالتدريج لصالح الاستبداد العام ، والاستبداد الذكوري ، وأصبحت الحريّة تقتصر في نظر البعض على الانحلال، ومع هذا التّراجع . ظهرت طبقة محافظة . عادت إلى موضوع التحلي بأخلاقِ الإسلام . لكن هذا لا يعني أن المرأة كانت قد نالت حريتها في الماضي . كانت فقط في طريقها إلى ذلك . ثم تراجعت . أصبحتْ مشروع خطيئة وذنب . عندما يكون زوجها خائناً يقولون :
كلّ الحقّ معه . أهملت نفسها !
وعندما تحاول أن تطالبَ بأبسط حقوقها تتناولها الألسن : مخطئةٌ وخاطئة إلى أن يثبت العكس .
المرأة لا تناصرُ المرأة في أغلب الحلات ، ولا الرجلُ يناصرُ المرأة من دون التّعميم طبعاً .
وللشّرف حكايةٌ طويلةٌ تبدأ من ليلةِ الزّفاف ، حيث تذهبُ مع الفتاة إحدى قريباتها لتكون شاهداً على شرف عائلتها ، ورغمّ أنّ هذه العادة قد قلّت في المدن ، لكنّها لا زالت قائمة ، ولا زالت الفتاة تخافُ من تلك اللحظة من أن يغدرها القدر، وتكون ملوّثة بالخطيئة،فربما أتاها هاتفُ دون علمها! تدافع عن شرفها وبراءتها بإنكار رغباتها حتى مع زوجها ، وهذه هي المرأة العفيفة التي خلقت لتلبية الرغبة للرجل ، فهي وعاء فارغٌ ، وهذا الشعور يجعلها تحتقرُ الجنس أحياناً ، أو تبيعه في بعض المرّات . ومع أنّ الشرف كلمةٌ بعيدة عن الجسد ، والبراءة هي من أجل ذنب مرتكبٍ ، وليس من أجل ممارسةٍ شخصيةٍ قد تكون ناتجة عن وعي كاملٍ، أو عن خطأ ناتج عن سذاجة الأنثى في أمور الحبّ ، وبحثها الدائم عن ذلك الفارس الوهمي الذي ستسرّ له بكلّ التّفاصيل ، فإذ بها ترى أغلب الفرسان لا يجيدون إلا قراءة أنفسهم . يتخلى الكثير منهم عن تلك التي أحبّها بعد ممارسة الجنس معها ربما لأوّل مرّة . يعتبرها غير شريفة . وإذا كان الرّجل يتخلى عن امرأة بالغة راشدة . فإنّ الموضوع أكبر من مشاعر تلك المرأة التي كانت ضحيّة . بل يتعلّق بطفلٍ سيأتي إلى العالم مداناً قبل ولادته .
الرجالُ يتخلون عن فلذات أكبادهم الذين أتوا بهم إلى الدنيا ِ ، كما تخلّوا عمن وعدوها وعوداً براقة هاربين إلى بيوتهم . أكثر النساء اللواتي يقتلن بحوادث الشرف لا يمارسن الدعارة ، أي أنّهن كنّ مخلصات ، والإخلاص يعني الشّرف بطريقةٍ ما . اللواتي يمارسن الدعارة يعرفن جيداً كيف يتدبرن أمورهن ، وبعضهنّ في قمة المجتمع لهنَّ بيوت وأطفال ويملكن المال . اللواتي يقتلن هن من الفقراء في أغلب الحالات .
هناك نساء جردن من كلّ ماتملكه الأنثى من قوة وحيلة لأنهنّ لايملكن أسرة تدافع عن وجودهنّ ، فإحدى النساء اللواتي ليس لهن هوية تسكن على أطراف نهر الجغجغ في مدينة القامشلي ، هي وابنتها التي أنجبتها عن حمل من رجل وعدها بالزواج ثم تخلى عنها ، وابنتها ابنة الخامسة عشر عاماً حملت أيضاً مثل أمها وأنجبت أنثى ، وبدلاً من احتضان الطفلتين على الأقل من قبل المجتمع أو الأقارب . قاطعهم الأهل والكنيسة .لم تجد أمامها سوى الدّعارة . أمسكّب َالفتاة بجرم الدعارة وسجنت ،والد طفلتها لا يعترف بها ، وأغلبُ المقربين منه يعرفون أنّه والد الطفلة ، وإذا ما حاول أحد مساعدة الفتاة وجلب الحليب للطفلة يترصده ويهدده .و إذا لم تمارس الأمّ وابنتها هذا العمل لا يمكنهم العيش . فهل علينا لومها لأن الرجال اعتدوا عليها في سن الطفولة وأدخلوها السجن ؟
وأين المجتمع كي يرعى الطفلتين ؟
كيف نمنعُ جريمة القتل من الوقوع ؟
قتلتْ فتاةٌ من الأقليّات المسلمة في ألمانيا ، لأنّها أرادتْ أن تتزوج شخصاً ليس من طائفتها .
قتل شابٌ مسيحي شقيقته من القامشلي قبل أقل من سنتين، لأنها كانت ستتزوج مسلماً . بسبب تحريض المجتمع له .
وقتلَ خالٌ ابنةَ أخته بعد أن أوثقت أمّها يديها في ريف السّاحل السوري .
قتلَ أخوة أختهم لأنّها أرادت أن تقاسمهم نصيبهم في الإرث ، واتهموها بجريمة شرف . كلّ هذا كان موثّقاً في الصّحف المحلّية
هل نقضي على هذه الجريمة بأن نصرخ: " لا لجريمة الشّرف " ؟
من سيسمعنا ؟
الخطوطُ الحمراء أمام المرأة على طول الطريق : ممنوع الزواج من العقيدة الأخرى . من الطائفة الأخرى . من القومية الأخرى . ممنوع الحبّ . الخروج دون إذن . . . .
لو خالفت المرأة الإشارات الحمراء سيكون مصيرها القتل ، وفي أحسن الحالات : النفي الإرادي من قبلها لنفسها .حيث تعتزلُ الحياةَ الاجتماعية
وإذا ما نجحت المرأة في الزواج بمن أحبّته فيما لو استطاعت تجاوز خطّ أحمرما . سيكون في انتظارها مسيرة طويلة من الألم .
إحدى النساء المسيحيّات ، والتي تزوجت بشابّ درزي . عندما تخلى عنها أهلها . عرف أنّها ضعيفة ودون حماية .وتخلى عنها بعد أن نهبَ مالها . تركها مع أطفاله الخمسة ، وادعى أنها قليلة الشّرف ، وأنّ الطفل الأخير ليس ابنه . كانت تلك المرأة تملك شركة صغيرة في الإمارات ، أعطته وكالة عامة . بدد فلوس الشّركة وترك عائلته تعاني ، ومع المرأة شيكّات تدينه . ولا تعرف ماذا عليها أن تتصرّف . أتت إلى مكتبنا من أجل أن نساعدها وحاولتُ جهدي أن أقدم لها العون ، ولم أستطع لأنّ المكاتبَ تطلبُ دفعة أولى ، وهي لا تملكُ ثمن الدفعة الأولى . وليس لها مكان في العالم تلجأ إليه .
مع الثورة السورية . تمّ اغتصاب النساء. الكثير منهن انتحرن أو تعرضن للطلاق . عندما تغتصب الأنثى تشعر أنها ملوّثة بالخطيئة والعيب . ويجب معالجتها نفسياً ، لكنّها رغم تلك الظروف. تجد نفسها مهددة بالموت أو الطلاق . متاعب النساء من هذا الاغتصاب لهن ولبناتهن وحتى للرجال لن ينتهي بسقوط النظام ، ولا حتى بعد سقوطه بعقود ، ومن أجل ذلك لا بد من وضع قانون مدني يعالج وضع المرأة من جميع النواحي ومن بينها الاغتصاب . يجب أن يكون هناك قانون يضبط هذا الزواج، ويتيح للرجل الزواج بامرأة واحدة ، كما يتيح للمرأة أن تسجّل الطفل الذي أنجبته من علاقة شرعية أو غير شرعية في قيود النفوس ، هو في جميع الأحوال غير مذنب .
لا بدّ للمشرّع أن يضع قانوناً يحمي ثمرة العلاقة الجنسية بغض النظر عن وصفها . وثمرتها هم الأطفال، علينا أن نفكّر جديّاً في سورية الجديدة في إيجاد أماكن لحماية النساء المهدّدات بالقتل . هنّ وأطفالهنّ ،وتأمين الحدّ الأدنى للمعيشة لهنّ ، وتأمين المدارس لأطفالهنّ. نقول : لا." لجريمة الشرف " ، ولا نكتفي بذلك بل نضعُ حلولاً فعالة . بعضُها قانوني رادع ، والآخر أخلاقي عن طريق الرعاية الاجتماعية للمرأة المهدّدة وتكون هذه الرّعاية مكفولة بنصوص القانون
لا أتحدّثُ عن أشياءَ من الخيال . كلّ الأشياء التي تحدّثت عنها ممكنة ، وممكنة التمويل بطريقة اجتماعية، لأنّ عدد الضحايا في جريمة الشرف ليس كثيراً . ضحايا العنف الأسري هم الأكثر ، وأكثر ضحايا العنف الأسري هم الأطفال .
حالات الطلاق في ازدياد ،والطلاق في المحاكم لا يعبّر عن الحقيقة . الطلاق العاطفي هو الأكثر ، حيث يعيش الزوجان في منزلٍ واحد ، وهما في الحقيقة مطلّقان عاطفيّاً . اخترت أربعة نماذج من النساء المتزوجات والمنفصلات عاطفياً عن الزوج .
الحالة الأولى : زوجان . المرأة محامي ، والرجل حقوقي وشاعر ، وهما من الأقليات المسلمة . لديهما طفلة . يطلب الرجل من زوجته أن تكون ملهمة وترافقه إلى الموائد وتترك له حرية الإعجاب بالنساء . اتهمها أنّها متخلفة لأنّها لا توافقه وقال لها : الأسرة مؤسسة قديمة لا تناسبني . ينام حاليّاً خارج المنزل أغلب الأحيان . قالتْ لي : أشعرُ أنّني في حالة سبات ، لا أعرف كيف أتصرف .
الحالة الثانية . امرأة جامعية ، والزوج صاحب شركة في الإمارات وسجين رأي سابق . وهو وزوجته منفصلان جسديّاً وعاطفياًّ ، أبناؤهما وصلوا للجامعات . المرأة تعمل من أجل تقديم مصروف الفتاة الجامعية ، والشاب ترك الجامعة حيث لا إمكانية ماديّة . الزوج لا يعترف بما يسمى أسرة . ويعيش الزوجان في مكانين مختلفين . عرضت عليه الصلح مع زوجته. تجاهل الأمر .
الحالة الثالثة . ناشط في حقوق الإنسان وسيدة منزل عادية . بينهما طلاق عاطفي. يعتقدُ الزوج أنّه شخص لامع و مع أن أولاده في سن الجامعة ، لكنّهم لم يذهبوا إليها .وله حياةٌ خاصة بعيدة عنهم ، بينما زوجته تكابدُ المرض بسببِ تأمين الطعام للأبناء .
الحالة الرابعة : مدرس للرسم ، وممرضة . لايشاركها النفقات ، ويصرفُ كل دخله على النّساء والحانات . عندما زوجت ابنتها الوحيدة . تركتْ منزله وعاشت مع أولادها الذكور في منزلٍ آخر. لا ترغبُ في الإنفاق عليه
هذه الحالات الأربع موثقة لدي بالأسماء ،وهم يعيشون في الإمارات ، ومئات الحالات المشابهة التي وثقتها في سورية .
مرضٌ ألمّ بالمجتمع السوري . مرضُ التباهي بعدم الالتزام بالأسرة، والتباهي بإدمان الكحول كنوع من التّقدم، وهاتان الحالتان تحتاجان إلى دراسة جدية . وليس بضع كلمات .
لماذا ضحتْ هؤلاء النّسوة بشبابهنّ ؟
من أجل أطفالهن بالدرجة الأولى .وعدم الرّغبة في تكرار تجربة الزواج ، حيث كانت صورة الزوج سيئة في أذهانهنّ .
العقل الباطن للمرأة اختزن ثقافة قمعية ذكورية ، واجتماعية ، وإذا كان القتلُ قد ساوى بين أفراد الشعب السوري . نساء ورجالاً وأطفالاً ، فإنّ هذا الوضع لن يستمرّ إلى الأبد ، وعلينا أن نبدأ مرحلة جديدة بعد سقوط النظام ، ومدنية الدولة لا تتحقّق إلا إذا ساهمت النساء فيها بشكل فعال .
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |