نساء سوريات "5"
خاص ألف
2012-10-10
التحرّش الجنسي
أغلب ضحايا الاعتداء الجنسي هم من النساء والأطفال . الكثير منهم يتعرض للتّحرّش الجنسي أو الاغتصاب . لكنّ القلّة منهم يخبرون أيّ شخص حول هذا الأمر سواء من العائلة ، أو خارجها ، ولا حتى الشّرطة . يعتقدون أحياناً أنّها مجرّد مضايقات وعندما تصلُ إلى حدّ الاغتصاب يلومون أنفسهم معتقدين أنّهم كانوا سبباً فيما حصل لهم . يعيشون حياتهم وهم يعانون من موضوع كان يمكنُ معالجته بشكل يعيد التّوازن إلى أنفسهم .
النّساء اللواتي يتعرّضن إلى التّحرش والاغتصاب هنّ ضحية، وربما ضحيّة أكثر من ضحايا الجرائم الأخرى . حيث تعامل جريمة التّحرّش والاغتصاب في المحاكم بشكل مختلف عن بقية القضايا ،وربما يحكم على المتحرّش بها بتهمة الزنا فقط ، وتقتل الفتاة بينما يفلت الجاني من العقاب . وحتى في الغرب وفي أغلب الحالات ينتهي الأمر بإسقاط التّهمة لأن المتحرّش أو المغتصب . يتهم ضحيته بالفجور عادة ، وأنهُ ليس الوحيد ، وأنّها ليست أكثر من بائعة هوى ولا يمكن للضحية إثبات عكس ذلك .وتكون قد تعرّضت للتّشهير . هذا يتسبّبُ بعدم وصول أغلب الحالات إلى المحاكم .
في الغرب المتمدّن ، والذي يقالُ أنّه يحترمُ القانون ، لا يختلفُ الأمرُ كثيراً .
عندما اتّهم رئيس صندوق النقد الدولي دومنيك ستراوس بالتّحرّش . أسقطتْ عنه التّهمة فيما بعد . حيثُ استطاع هو أو زوجته ، أو الحزب الذي ينتمي إليه أن يجبرَ العاملة على التنازل ، من خلال التّفتيش عن مخالفات أخرى لها تتعلق بالهجرة . تم إسقاط التهمة رغم أنّها ثابتة . وكان الإعلام خلالَ فترة التّوقيف يركّزُ على مشاعره ، ويسوّقُ دعايات : أن الموضوع كان من ترتيب خصومه السياسيين ، ولم يهتمْ هذا الإعلام الحرّ بتوصيف الجريمة أو مشاعر عاملة الفندق الشّابة . أظهروها كاذبة تريد ابتزازه والحقيقة غير ذلك تماماً .
الاغتصاب والتّحرش هما عملٌ من أعمال السيطرة على الآخر . لهما عواقب كبيرة على الضحية قد يكون من بينها الحمل ، والأمراض المنقولة عن طريق الجنس ، ومشاعر اليأس ، والعجز ، وعدم الثقة بالنفس وعدم احترام الذات والخوف من الحميمية والكوابيس وذكريات الماضي ، واضطراب الشخصية وربما الانتحار .
أغلب ضحايا الاعتداء تتم من قبل المعارف من العائلة والأصدقاء ، ولا يتمّ الإبلاغ عنها ، وفيما لو تمّ الإبلاغ لن يبقى الجاني أكثر من بضعة أيّام في السجن . ولا تبلِّغُ الضّحية في أغلب الحالات عن الجريمة لشعورها بالحرج، والخوف من الانتقام ، والكشف الطبي ، وربما يقتنعن أحياناً بأنّهن جزء من المشكلة ، وهنّ من تسبّب بذلك !
مشكلة التّحرش والاعتداء الجنسي مشكلة عالمية ، وفي الوطن العربي نسبتها أكبر . تتمّ في بعض الدول العربية في وضح النهار وتمثّل وضعاً خاصاً بالنسبة للنساء ،لأنّ المرأة وفق الموروث الاجتماعي الذكوري مخطئة وخاطئة حتى يثبت العكس ، والكثير من النساء المعتدى عليهن يحاولن الانتحار ،دون اللجوء إلى الفضيحة الاجتماعية .
في سورية يتمّ التحرّش الجنسي الآن بأبشع صوره لكسر المعنويات عند خصوم السّلطة الذين هم " الثّوار " ويكون أحياناً اغتصاباً جماعياً أمام الأهل والأخوة ينتهي بقتل الفتاة أو الطفلة المعتدى عليها . ويكون التّحرش كلامياً في أبسط حالاته ، وحتى الشتائم على الرجال بأخواتهم وأمهاتهم هو نوع من الإهانة التي تعادل التحرش الجنسي . هذا يتمّ الآن ، وفيما مضى كان كبار رجال الأمن لهم عرّابيهم يصطاتدون لهم الضحايا .ناهيك عن سلوك الحكّام المستبدين مع النساء ، وإجبارهنّ على تلبية رغبات القادة التاريخيين !
هناك ثقافة كاملة للتّحرّش . هي ثقافة ذكورية بامتياز ، عندما نقرأ لبعض الكتّاب نلاحظ أنهم يستعملون ألفاظاً لا تحترمُ الأنوثة ، وهذا ليس له علاقة بالكتابة عن الجنس ، فالكتابة عن الجنس قد تكون علمية أو أدبية لكنها ليست مبتذله . . .
الجنسُ هو المحرك الأكبر في سلوكنا اليومي ، وهو جزء أساسي من الحياة ، وهو كما يدعى " غريزةُ البقاء " فلولاه لما كانتِ الحياة ، موجود عند الجنسين بشكلّ طبيعي . قد تنافسه غريزة الأمومة عند المرأة . هذا بشكلّ عام . أمّا المرأة السّورية فربما تنتهي هذه العلاقة من حياتها مبكّراً بعد إنجاب الطفل الأول ، ومع صعوبات الحياة اليومية .
تجارةُ الجنس موغلةٌ في القدم . له علاقةٌ بالعرض والطلب ، وهو بعيد عن موضوع التّحرّش الذي يعتبر مرضاً اجتماعياً تتعرّض له المرأة في الشارع والسيارة ، ومكان العمل . تحرّشاً بالفعلِ أو اللفظِ بحيث تشعر المرأة بأنّ شيئاً ما غير مفهوم يجري . تفسّره على محملٍ حسن في البدء . ثم تتكرّر الأمور بشكلٍ يضعها تحتَ ضغطٍ كبير وبسببِ تربيتها التي تعودت عليها قد تسكت على الأمور وتتفاقم إلى أن تصلَ إلى مرحلةِ الشّك بنفسها . بأنّها قد تكون امرأة سيئة .
ليس كلّ الرجال متحرّشين . فقط المرضى منهم بإدمان التحرّش أو التعدّد ، وهم معروفون في المكان الذي يعيشون فيه في البيئات الريفية والمدن الصغيرة . حيث تطلق على المتحرّش الأوصاف من قبل أهل الحي ، ويحذرون منه أطفالهم وتتجنّبه النساء . لكن لا نعرفُ أحياناً إن كان الشخص متحرّشاً أم لا ، حيث يبدو لطيفاً ومنفتحاً في العلاقة إلى أن تحين له الفرصة ، فيصبح كثوٍر هائج لا يهتمُّ سوى بالجنس ، وحتى لو كان عاجزاً فهو يهتم بالإيذاء اللفظي الذي يهدف إلى الاعتداء .
في الغربِ . أخذَ الموضوعُ على محمل الجدّ، وصيغت القوانين للتحرّش دون تفريق بين رجل وامرأة ، فهناك نساء متحرشات مع الأخذ بعين الاعتبار أن نسبتهنّ لا تقارن بنسبة الرجال المتحرشين ، هناك قوانين للتحرّش بقاصرأيضاً .والقاصر هو الشخص الذي لم يبلغ سن الأهلية ، وهي ثمانية عشر عاماً في سورية ، الأمر يتعدى ذلك . فحتى لو جاوز الأمر التحرّش إلى الاغتصاب في القانون السّوري ، فإنّ القانون لا يعاتب عليه إن تزوج الغاصب بالضحية ولن يكون الوليد " ابن حرام " أي أن الفتاة انتهكت مرتين، والرجل هو الذي فاز . وهذا أمر يشجع على الاغتصاب والتحرش .
هناك مثل عاميّ يقول : " الكيف بالنّص " أي مناصفة بين الرجل والمرأة
لكن هل هو حقيقة كذلك ؟
هل المتعة هي مناصفة ؟
ليس الأمر كذلك ، فالأمر محدّدٌ برغبة الرجل الجنسية ، وليس رغبة المرأة ، وليس لرغبتها قيمة على الإطلاق ، هناك مؤسسة كاملة للبغاء . لها أعرافها وقوانينها . فكلّما أراد الرجل متعة أكبر عليه أن يملك مالاً أكثر كي يفوز بالقاصر، أو الأجمل . وحتى داخل فراش الزوجية . على المرأة أن تنسى هويتها لتلبي رغبات الرّجل ، وهذا الأمر هو الذي يسبّب للمرأة في سورية اعتزال الحياة العاطفية بعد فترة معينة من الزواج .
التّحرش الجنسي يتمّ تحتَ مسميّات مختلفة ، فما إن تبادرُ كاتبةٌ سورية مثلاً إلى الحديث حول الحبّ أو الجنس حتى تأتيها الرسائل المليئة بالتّحرش هذا إن كانت كاتبة شابة جميلة ، لكنّ الغريب في الأمر إن كانت كاتبة تجاوزت الستين !
فهل كل من تكتب حول الحبّ والجنس تقبل التحرش ؟
كتبتُ في مواقعَ ألكترونية يملكها كتّابٌ أحببتُ كتابتهم ، وتم نشر كتاباتي ، فوجئت برسائل منهم لا تخطر على بال .وبعد إحدى الرسائل . راجعت طبيباً نفسياً كي أتعرّف على أماكن النقص في شخصي ،وبعد مناقشة مع ذاتي توصلت إلى أنّه لا شأنّ لي بتفكيرهم الذكوري ، فأنا أملك نفسي .
أقمت علاقات مدروسة مع بعض الأصدقاء الذين يدعون الكتابة، ويعرضون علي تصحيح حلقات . أوصلوا لي رسائلهم المقزّزة ، وكتبوا وكأنّهم يرسلون لصحيفة" بلاي بوي " .
آخرُ من كان وفق نظرتي متحرّشاً : ناقد مسرحي مصري في الستين من عمره تبادلت الحديث معه عدة مرات فقط على الفيس بوك ، ومرة واحدة على السكايبي دون صوت وصورة ، فوجئت بمستوى الانحدار في كلامه
ومستوى الانحطاط في أسلوبه في الاصطياد في الماء العكر . طبعاً كان يعرف عمري ، والكلامُ منذ أقلّ من شهر . لماذا أيها السّادة التّحرش . أسواق العرب مليئة بما يلبي رغباتكم ؟
من خلال تجربتي في الإمارات مع بعض السوريين الذين لا تخفى عليّ قيمهم التي تسرّبت لهم من المستبدّ ، وكنتُ قد وضعت مسافات أمان بيني وبينهم. رأيتُ أن الرجال الذين ربطتني معهم علاقات عمل تطوعي" سياسي " هم فئتان : الفئة الأولى تعتقد أنني غنية ولدي مال كثير ، وتحاول الوصولَ إليه عن طريق علاقة حب . كوني أفتقر له ، وأنا في انتظار الفارس الذي يمنحني حبه مقابل المال !
والثّانية تخاف أن أصل مع المعارضة السورية إلى منصب ينافسون عليه . تلك المعارضة التي غادرت بسببها وأعرف أشخاصها ، وليس لي مصلحة معها ، فالعاقل لا يلدغُ من جحر مرتين
قال لي أحدهم : " وهو شيخ دين مسلم سوري يلبس جبة الشيوخ " بأنّنا سنقلّد الرسول ، وأكون زوجته الثانية التي تليق به كي يقدمني للمجتمع ، وباعتبار أنّني سأكون خديجة بنت خويلد فلا بد أن يكون أصغر مني بعشرين عاماً ، وأعطيه مالي ليتاجر فيه !
أجبته : عدْ يا بنيّ إلى زوجتك ، واعتذر منها قائلاً :" وسوس الشيطان لي . عفوك سيدتي "
لن أتحدّث عن جميع التّجارب ، فهي كثيرة عند كلّ امرأة اختارت طريق الحريّة . لكنّ السّؤال :
لماذا يعتقد الكثير من الرّجال السوريين أن المرأة المطلقة ، أو الأرملة هي من ضمن الملكية العامة ، وأنها ستسقط عند أقدام أول رجل يقول لها كلمة حب ؟
متى سيصبح الحبّ عبارة عن خيار شخصيّ يمثّلُ الجمال ، وليس علاقة تحرّش جنسي ؟
ومتى يحين الوقت ليعترف الرجل أنّ للمرأة حاجات ورغبات ، وكرامة ؟
الجواب برسم الرّجل
لكنّه برسم المرأة أيضاً والجواب هو :
عندما تبدأ ثورة النّساء ضد التّقاليد البالية والقوانين المنقرضة .
عندما تتحرّر المرأة ذهنياً من تبعيتها .
وعندما تسنّ قوانين تساوي بين الطرفين مبنية على القانون المدني وليس الشّرعي . . .
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |