وشوم..

سأتحدّث اليوم عن الدببة البنّية..
وهي نوعٌ من أنواع الدببة التي تنتشر في غابات هذه الأرض، شأنها في ذلك شأن الكثير من المخلوقات، واختياري في هذه المادة الجنوح إلى عالم الحيوان، أو العالم اللا إنساني لأن حكمة هذا العالم تكمن في أن قوانينه لم تتغيّر منذ الخليقة حتى يومنا هذا.. عدا عن أن أفراده لا ينظرون إلى التغيير في نمط حياتهم على أنه أمرٌ ضروري، فهم أوفياء حقّاً لولادتهم الأولى وغرائزهم ونزعاتهم دون الكثير من الكلامْ.
والدببة البنيّة لم أخترها لتبحّري في القراءة عنها أو لاطّلاعي الكبير على ما كُتِبَ أو عُرفَ عنها، إنما لبعض المعلومات التي لم تجعلني أغوص إلى أعماقها بل مرّت بشكلٍ عابرٍ عبر برنامجٍ رويت لي بعضُ تفاصيله، فليعذرني ( د. محمّد المخزنجي ) وعباقرة عالم الطبيعة والحيوان على سطحيّة الأفكار !!
الدببة هذه كما كلّ الحيوانات تعيشُ بشكلٍ قطيعي ووفق علاقات تقليدية تحمي وجودها واستمراريتها، غير أنها تتميّز عن بعض الحيوانات بأنها عاشبة ولاحمة في نفس الوقت، فتعتمدُ بنسبة 70% من غذائها على العشب ابتداءً من فصل الربيع حتى أواخر الصيف، لتعوّض نقص الوزن الذي يصيبها شتاءً، كما تتغذى على السمك بالنسبة المتبقّية كونها تعيشُ على ضفاف الأنهار.
تتميّز بمخالبها الطويلة الحادة وأسنانها القاطعة، والتي مع مرور الزمن ستأخذ الحياة حصتها من متانتهما، نظراً لاهتراء هاتين الخاصيتين بسبب كثرة الاستخدام..
كبيرُ هذه الدببة ( التي لها كبيرٌ أيضاً ) يُنصّبُ ككل الأحياء وفقاً لأن قوّته أكبر من قوّة نظرائه سواءٌ بمعنى ( الصُّرعة ) أو بمعنى صلابة الشخصيّة التي تخوّله أن يقود قطيعه، كما أنه يميّزُ نفسه بالموقع الذي يتخذه مقرّاً دائماً لجلوسه، حيث يقع على نقطة عاليةٍ نسبيّاً عن أبناء فصيلته، نقطة عالية وقريبة من شلالات الأنهار، وكوني ذكرتُ حسبَ ما روي لي وعرفتْ أنها تعيشُ على الأسماكِ أيضاً، فهذا الدب لا يكلّفُ نفسه أعباء البحث عن الأسماك، بل إنه يقف على هذا الارتفاع أمام الشلال فاتحاً فمه للأسماك التي تدخله من تلقاء نفسها ( نظراً لذاكرتها القصيرة ) أي أنه لا يبطشُ كباقي الحيوانات، كل ما يفعله هذا الدب أن يفتح فمه، ولأن الحيوانات لم تتخلّ عن تقاليدها فليس هنالك من يلومه إذا شبِعْ؟!
غير أن الخليقة متجدّدة ودائمة، والدببة تتوالدُ ولا بد لها أن تشيخَ أيضاً، ومنطق الخليقة يرتبط بشكلٍ مباشرٍ مع منطق القوّة ليترك المنطقان أثرهما على البقاء والاستمراريّة، لم يذكر الوثائقي الذي تحدّث عن الدببة أن ثمة صراعاً يقومُ بينَ (حرسِ الدببة القديم ومحافظيهم الجدد) على نيلِ شرف العلو إلى الأكمة القريبة من الشلال، لكنه ذكرَ ( أي البرنامج ) أن دبّاً بنيّاً فتيّاً وبعدَ أن لاحظ هرَمَ الدب الكبير واهتراء مخالبه وأسنانه، عزّ عليه بقاؤه متمتعاً بالعلو والسمك!
يقرر الدب البني الفتي خوض معركة اللقب ( الكبير) اللا ديمقراطيّة ( إذ أنها تجري دونما انتخاب ! ) فينتظرُ إلى أن يغيبَ كبيرُ الدببة عن مكانه ويصعدُ مكانه بشكل طبيعي وكأن شيئاً لم يكن، ولكي لا يسجّل التاريخ أن كبير الدببة ( الهرم ) سلّم مكانه ومكانته دونما مقاومة، فهو عندما يرجع ويرى أن مكانه قد أُخذ منه، يُقدِمُ على الوقوف مقابل الدب الجديد في مشهدٍ لطالما اعتدنا عليه عند الكثير من أنواع الحيوانات ( الديكة مثلاً ).. إلا أن وقفته هذه لا تدوم كثيراً، فبعدَ أن لا يلقى ليناً من الدب العتيدْ، ينزلُ بشكلٍ طبيعي أيضاً ودونما أي معارك عن مكانه مسلماً بالنتيجة، ومنضمّاً إلى باقي أفراد الدببة دون أن يمسّه أذى..
هكذا يتمّ الانتقالُ من مرحلةٍ إلى مرحلة عندَ الدّببة البنيّة بعكسِ بعضِ الحيواناتِ الأخرى..!
ولله في خلقه شؤون.