وصايا..
خاص ألف
2012-12-06
وشوم
وحدكَ الباقي..
ستجرّحكَ أشواكُ الطريق لكنك لا بدّ ستصل.
في طريقكَ ذاكرةٌ ستثقلك، عيونُ أمٍّ نال منها الدّمع وحنجرةُ أبٍ حاولت ألا تنطقَ كي لا تنطقَ حشرجةً..
في جعبتكَ أخواتٌ وإخوةٌ وحبيبة، أنزلهم جميعاً، ثمّة متّسعٌ من الوقتِ لعودتهم دونَ تعب.
في الطريقِ إليكَ ستذهبُ في الذاكرةِ شاخصاً فيها كالمستلب، حاول ألا تتأخرَ كثيراً، على يدك ستنمو إشنياتٌ، وطحالبٌ ستغطي وجهك، لكنكَ ستسطيعُ التّحديقَ جيّداً.
أنتَ تخلعُ أسمالكَ ببطء وثقة، وتتجه نحوَ عرشك العاري مثلَ أميرٍ شاءَ الصّيدَ على كرسيِّ الذهب.
ستجدُ ذئاباً كثراً وثعالبَ أيضاً، وستحلّقُ الطيرُ فوقكَ مانحةً لكَ غطاءً جوّياً تستحق. ستمشي معكَ الثعابين والعناكب، كلّ هذا لئلّا تصل، ولكنكَ اخترتَ لنفسكَ هذا التّحدي، وارتضيتَ أن ترمى وحيداً مثلَ دريئةٍ في حقل رمي..
اقتُل الكلّ في نفسكَ وخفف عنكَ عبء هذا الغياب، واقتل نفسكَ فيهم لأن المسافة قد لا تكونُ وهماً كما ظننتَ أو "أُقنِعت".
أنتَ وحدكَ... نعم، لا مزيدَ سوى الطّرق، القطارات، المطارات، لا مزيدَ سوى الغيم، والوحشة. ستمنحُ بكلِّ رضىً رشىً للوقتِ وللبوليس في كلّ مكان، كأنّكَ ستخرجُ منكَ لتختارَ شكلاً ترفّعتَ عنهُ وأنتَ في جحيمٍ سُمّيَ الوطن، وكأنّكَ تعاقبُ بالوقتِ والخوفِ ورجالِ الأمن.
في الطّريقِ المؤدّي إليكَ جرّب جسمكَ مراراً، اختبر صلاحيّةَ أعضائك، تنفّس ملء غيابِكَ ما استطعتَ من هواء الغرباء، لا شيء يمكنُ يقنعكَ بجودةِ هوائكَ أو سوئه سوى ذلك الهواء المحايد الذي لا يعنيك. نمْ في جسمكَ وانسَ حبيبتكَ التي لطالما ظننتَ أنها سترافقك؛ حتّى هيَ ستمضي أيضاً، ستمضي لحظةَ تقتنعانِ بالأزل، بالأبد، لحظةَ يقينكما بأنكما باقيان ستبدأ رحلةُ هاويتكما.. فابنِ حياتكَ على الشكّ، وأحبَّ حبيبتكَ لأنّكَ تحبّها، لا تُبقِ أملاً عالقاً هنا وهناكَ يُرجعكَ إلى غابةِ الثعالب التي غادرتها، كن في غيابكَ ما عجزَ حضورُكَ عنه، رتّبْ سريركَ ونظّف أسنانكَ أو اترك كلّ شيء على حاله.
اشتم رؤساء البلديّات الذين لم يأمروا بتنظيفِ الشوارع لاستقبالِك، اشتمِ الهواء والماء لأنهما لم يتعقّما استعداداً لجسمكَ ومسامك. وكما لو أنّكَ المسيح المنتظر، انتظر نفسكْ. كما لو أنّكَ العذراء طهّر نفسك. كما لو أنّكَ موسى اعتقد أنّ كلّ ضوءٍ وصايا، وكما لو أنّكَ من عسس إبليسَ اكفُر بأيّ شيء، تحدّ الغيبَ والملائكةَ بخطاياك، اذهبْ إليهم كما لو أنّكَ من سيحاكمهم لا هم من سيفعلون، اشتمِ الدّكتاتورَ واشتم معه الشعوب، عبّئ حقدكَ في زجاجةِ عطرٍ واكسرها تتطايرُ منها الرّغبة.
وحدكَ الباقي.. ستُجرّحُكَ أشواكُ الطريقِ لكنّكَ حتماً ستصل.
خبّئ ما استعطتَ: وحشتكَ وذئبيّتكَ وامضِ مدججاً بكْ.
أيهذا الغريب فاجئ أرواحَ من ينتظركَ بالغياب، فاجئ الغياب بالحضور،
فاجئ الحضورَ بالموت، فاجئ الموت بالقيامة،
فاجئ القيامةَ بالصليب، فاجئ الصّليبَ بفضّةِ الخيانة،
وفاجئِ الخيانةَ بالخيانة..
أيّهذا السوريّ الغريب.. كن وفيّاً لغربتك.. كن وفيّاً لنفسك، اكتُب آخرَ قصائدك، وامنحْ الصبيّةَ التي تركتكَ أعزلاً كمقبرة كلّ مخطوطاتِكَ كي تحرقها وتحتفظ برفاتها، ولا تمنح أحداً رفاتكَ البعيدة.
كانَ حلمُكَ أن يأخذَ البحرُ جثّتكَ إلى بقعٍ لم تطأها... هيَ لكَ أيها الموحشُ كدغل.. اذهبْ بنفسكَ حيثُ استطَاع البحر، وامنح حبيبتكَ الخالدة وحدها أحقّيةَ تأبينكَ عندَ أوّلِ ساريةٍ وقبل آخرِ موجة.
وفاجئ الجميعَ بحياةٍ أكثر هدوءاً كونكَ الباقي الوحيد..
*****
08-أيار-2021
19-حزيران-2013 | |
19-شباط-2013 | |
06-كانون الأول-2012 | |
29-تشرين الثاني-2012 | |
22-تشرين الثاني-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |