أكره الابواب المواربة...
الأبواب الموصدة اكثر متعة
البابُ الموارب، يمنح احساساً بالميوعة، لا صلابة فيه تشجع على التقحّم، مجرد دفعه بهواء عابر يكفي لفتحه... لا عنادَ لإنسانٍ في فتحِ بابٍ موارب.
الباب المواربُ كالبابِ المفتوح، واضح، لا غرابةَ فيه، حتى أنّه لا يُفاجئكَ بما قد ترى خلفه، أنتَ تراه مسبقاً..
اللوحةُ المرسومة تقتلُ التخيّل..
كالمرأةِ السّهلةِ الأبوابُ المواربة..
الباب الموصد يفتح الذهن.. يجعلُكَ تفكّرُ حتّى رياضيّاً في الاحتمالات، الاحتمالاتُ متعةٌ لا يجيدُها إلا الذينَ يستطيعونَ تحطيمَ الأبوابِ، تفكيكها كيميائياً، الموصد هو الدهشة..
القماشُ الأبيضُ هو السرّ، هو نافذةُ الخيال الدائمة.
المرأةُ العصيّةُ تجعل وصولَكَ إليها احتفالاً حقيقياً... الوصولُ يوازي الصّعوبة متعةً وشغفاً.
تقولُ:
- من يفشل مع باب موارب، خير له أن لا يجرب أبواباً موصده.
- ذلكَ هوَ الممكن... الممكن رواية الضعفاء.. القانعينَ بمقاعدهم الخشبية الجاهزة.. الممكنُ زواجٌ سريعٌ.. أفق مسدود.. أفضّلُ أن أموتَ وأنا أبحث عن مستحيل لم أنله، أفضل كثيراً من أن أموت وأنا ابحث عن ممكن قد لا أحصل عليه، الممكنُ جريمة..
لو كانَت أسوار السجون واطئة، لو كان السجنُ بلا أسوار، لو كانت الجريدةُ اليومية تصل بانتظام، لو كانَت السّجون مختلطة، لو أنّ النساءَ والرّجال يسجنونَ معاً، لو أنّكَ تستطيع متى تشاء أن تحظى بأغنياتك المعتادة وبأمّكَ وفنجانِ قهوتِك الصباحيّ وكرّاس الأوراق وأقلامَ الرصاص التي تحتفظ بها...
لو أنّ كلّ هذا مُتاح، كانَ السّجن يُصبح عزلةً اختياريةً تفرضها عليكَ ضوضاء البشر..
قيمة السّجنِ في أنّ إمكانيّة حدوث هذه الأشياء معدومةً، أو ضرباً من ضروبِ الجنون..
لهذا نقول: الحريّة لنا..
للمستحيلِ يثورُ البشر، الأبواب كلّها كانت موصدة، لو أن باباً وحيداً كانَ موارباً لما كانَ لدى النّاس رغبةٌ بالاقتحام..
***
أمامَ المحقق الذي لا يراه يقول:
يومَ ابتسمَ وجهي في آخر مظاهرةٍ وأنا أهتف، لم أكن أرى جنّةً موعودة.. كانت صورتُها تمرّ أمامي كطيفِ حريّةٍ عابر، الجنّةُ لا تعنيني..
***
ينجو من الموت..
في الهواء الذي بيننا... استقرّت قبلة شفيفة
وبينه وبين ظلّهِ استقرّت القذيفة.
وفي الموتِ حياة ما..
***
في المنفى يفكّر..
تعاقبتِ السنواتُ والألوان والرسوم..
"البيج" الكئيب في المدارس والسجون والمشافي والمستوصفات ومباني البريد، الثكناتُ والرسوم الرديئة للشعارات وصورِ أبطالِ البنادق والأحذية العسكرية والقائد الرّمز...
امّحى كلُّ شيءٍ عندما لم يبقَ سوى ظلٌّ لرجلٍ مرسومٌ بدمٍ قاتمٍ قاتمْ... إثرَ موتٍ ميداني!
***
خرجَ من عتمته، أضاءَ مصباحاً صغيراً ودخلَ في نومٍ طويل..
ذلكَ الصوت تردد كثيرا قبل أن يتبدّد ...:
اكره المنفى .. لا تتأقلم .. أو تستكين ..
اكره المنفى ..لا تتركه باباً مواربا ً لوطن بديل