Alef Logo
يوميات
              

"شراكةُ غنم "

ناديا خلوف

خاص ألف

2012-11-07

قطعانُ الأغنامِ التي كانت تمرّ من مدينتي متّجهة إلى البادية السورية في الرّبيع تمثّلُ ماضٍ جميلٍ ، كنّا نسمعُ صوتَ الأجراسِ تهتزُّ في رقابها ، نخرج لنراها تمرُّ في صفوفٍ مرتبةٍ كأنّها تقوم بتدريبٍ عسكريّ ، و تستعدُّ لتحيّةِ العلم .الكلابُ تمشي إلى جانبِ صفوفِها . تعيدُ من يحاولُ منها الخروجِ عن صفّ القطيع . الرّعيانُ يركبون الحميرَ أو يسيرون خلفَ القطيعِ بموكبٍ احتفاليّ سعداء بالربيع . ينتقلون إلى مواطنِ العشبِ من أجلِ الرّعي واستخراجِ المنتجاتِ من حليبٍ وصوفٍ وزبدةٍ وقريش .
أتيحَ لي عندما كنتُ معلمةً في قريةٍ قربَ الحمادِ . أن أحضرَ موسمَ قصاصِ الصّوف. كان عيداً يتمّ فيه الذّبحُ ، وطبخُ أطايبِ الطّعام . في أحدِ الأيام عرفتُ شيئاً ما عن الشّراكة بين صاحبِ الأغنامِ ومن يرعاها .
على أطرافِ القريةِ التي كنتُ أعلّم في مدرستها كمعلّمٍ وحيد. ومن بين التلاميذ الذين كنتُ أعلّمهم . تلميذةٌ تنتمي إلى أسرة غنيّة . دعتني أمّها إلى سهرة في منزلهم ، وكان والدها قد أعاد أمّها إلى منزله بعد الطّلقة الأولى التي كان سببها : أنّ البدويّ قبّلها من جبينها ، فطلّقها الحضري ، مع أنّ ذلك الحضري الغنيّ كان يقبّلُ نساءَ البدوي وبناته !
في تلك السّهرة جرى اتّفاقٌ على شراكة غنم كما كانوا يسمونها في القرية . أعجبني الاتفاق الذي يتضمنّ :" يقدّم مالكُ الأغنام كلّ قطعانه إلى العائلة التي تعتني بها مع كلّ مستلزماتها دون أجرٍ. وعندما تتوالد الأغنام . يقتسمون الخرفان بالنصف "
لم يعدْ الأمرُ كذلك اليوم . فالراعي له مرتّبٌ وامتيازات كثيرة . لا أعرفُ عنها الكثير . كل ما أعرفُه أنّ وضعهم المادي أفضل من السّوريين .
ما كان يجري في " شراكة الغنم " يجري مع الإنسان السّوري اليوم . السوريون في حكمِ القطعان التي كانت تتّجهُ للحماد . والمالك لقطعان البشر السوريةِ وظّفَ كلابه لإعادتهم إلى صفّ القطيع كلما حاولوا الخروج عنه . الكلابُ وفيةٌ للرّاعي ، والرّاعي يجمع بين امتيازاتِ الرّاعي القديم والحديث . يمتطي سيارة فارهة . يهشُّ القطيع بالعصا الكهربائي أو الدّبابة ، أو الطائرة لا فرق ،مالك الشعب السوري هو راعٍ لشخص يعيش في مكان بعيد . يوهم النّاس أنه مالك فقط . سيأتي المالك براعٍ جديد . لأنّ الراعي الحالي فشل في تحقيق الرّبح . الابراهيمي اليوم مكلّفٌ بالبحث عن راعٍ جديدٍ ، وكلابٍ جدد . الكثيرُ من الذين يتدربون على المهنة يعلنون استعدادهم للمهمة من الدوحة، أو فرنسا، أو أمريكا ،أو حتى من المريخ ، والكثير من الكلاب المدرّبين على حراسة القطيع سابقاً سيكونون كلابُ الحراسة الجدد . يتزاحمون على الصّفقة . الأغنام تذبحُ كلّ يوم ، موعد قصاصُ الصوف على الأبواب . سنسمعُ الثّغاء قريباً ، أحضروا لنا الأجراس الرّنانة للاحتفال بالخرفانِ الجديدةِ .
الذبائح قدمت على ولائم العالم المتمدّن مكتوبٌ عليها : "ذبحٌ حلالٌ خالصٌ لوجه المستبدّ "الكلابُ ستفوز بأحشائها ، والرّعيان بما يتبقى من وجبة الرّئيس ، وإذا كان السيّدُ المسيح قد كان ذبيحةً فداء لنا ، والدافع له كان محبّته لشعبه ، فإنّ الذبائح في سورية. أعادت ذكرى صلب المسيح إلى بلاد الشّام . كان فادياً واحداً ، واليوم عشرات الآلاف من الفادين . يقدمون أنفسهم كذبائح من أجلنا . تأتينا البشرى منرعاةِ أغنامٍ بسطاء . يعيشون على أرض الشام . بشرى بولادةٍ جديدة للمخلّصين . سيقومون من قبورهم ، ونحتفل بقيامتهم . حقاً سيقومون من جديد . .

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow