هي الحرية اللي بدك ياها؟
خاص ألف
2012-11-08
وشوم
من أكثر الجمل التي تكررت على ألسن السورييّن خلالَ أكثر من عامٍ ونصف العام: "بدكن حرية؟"
أو نظيرتها تلك التي تأتي في الترتيب خلفها مباشرةً:
"هي الحرية اللي بدكن ياها؟"
هذه الجمل التي باتَ السوريّ يستخدمها للتندّر، للمزاحِ أحياناً، رغم ما تنطوي عليه من وجع، ورغم ما صاحبَها آناءَ التعرّف عليها من ضروبٍ فاشية، وقبل كلّ شيء، رغم عمق الإهانةِ التي يحملها معنى هذه الجملة.
السوريّ حوّل كل هذا إلى فكاهةٍ في كثيرٍ من أحايينِ فكاهاته السّوداء..!
لكنْ... هل فكّرنا حقاً كيفَ يُمكنُ التعاملُ مع هذه الجملة ومع سائليها بعدَ انتهاء حكمِ الاستبداد؟
الجملةُ خطيرة، شائكة، لا بدّ لنا أنّ نتنبّه لكلّ ما قد تحملهُ، خاصةً في السنواتِ الأولى التي تلي سقوطَ النّظام.
- بدكن حريّة؟
- نعم...
- هي الحرية اللي بدكن ياها؟
- لا أستطيع الإجابة الآن، إذ لم أنلها بعد، وقد تكون إجابتي: لا...طبعاً ليست هذه.
لكن ما هي الحريّة؟
عرّفَ "عيمانوئيل كانط" الحرية، بل وقسّمها إلى قسمين: الحريّة السالبة، والحرية الموجبة.
الحرية السالبة حسبَ "كانط" حقّ طبيعي، إذ أنّها تعني حرية اتخاذ القرار دون أي قيود. أمّا الحرية الموجبة حسبَ رأيه: حريّةٌ مُعطاة، تُمنحُ، لكي يستطيع الإنسانُ تحقيق الأولى أي السّالبة، ومثالُ ذلكَ المؤسسات الإعلامية الحرة والمستقلّة إذ أنها تندرجُ تحتَ اسمِ الحرية الموجبة، لأنها تُمنحُ وتُعطى لتُساعد الإنسان وتوفّر له المناخ المناسب لإبداءِ رأيه الحر، والذي هوَ حقّ من حقوقه، أي أنّه يندرجُ تحتَ اسمِ الحرية السالبة.
من هنا علينا جميعاً أن نعي جيداً أنّ المتربّصينَ بالثّورةِ كثر، لا يجبُ، إقصاؤهم لئلّا تكونَ نتيجة الثورة تبادلُ أدوارِ السلطة والإقصاء، إنما يجبُ احتواءُ هؤلاء، مع الانتباهِ والحذر، إذ أنهم قد لا يتركون فرصةً لطعنِ الثورة تفوتهم.
لذا فإنّه من الضروريّ أن يكون هناكَ قاعدة واعية من مجتمع الثورة نفسه، تستطيعُ استقطابَ باقي الفئات الشعبية واحتواءها، قبلَ أن يفتكَ بها المتربصون ويسحبَ هذه الفئات لصفّه.
هي الحريّة اللي بدكن ياها؟
ربما لا.. لكن هذه المؤسسة التي أحتاجها، هذه الحرية الموجبة التي يجبُ أن أسعى لها بشكلها المؤسساتي، لتساعدَني على تحقيقِ حريّتي "السالبة"..!
أظنّ أنّ إمكانيةِ الثورة المضادة في الربيع العربي تكادُ تكون معدومة، فثورات الربيع العربي تتميز عن ثورات العالم بأنّها فكّت الاستعصاء التاريخيّ الذي لازم الشعوب في هذه المنطقة، واستطاعت أن تطيح بالأنظمة التي سبّبت هذا الاستعصاء، من هنا فإنّ عجلة التاريخ المتوقفة في العالم العربي منذُ عقود ستعودُ للدوران. لكن يجبُ التنبّهُ إلى عنصر الزمن، فمن المنطقيّ القول أنّ الثورة الفرنسية استغرقت زمنَ سبع جمهورياتٍ حتى استقرّت بها الحال على ما هي عليه اليوم، ومن المنطقيّ جداً القول أنّها مثالٌ عظيم، لكن من المنطقي أيضاً السعي للاستفادة من أخطاء الثورات، والاستفادة من تجاربها، فالفرنسيونَ أنفسهم لو احتاجوا ثورةً اليوم سيقومونَ بها بلا تكاليفَ كبرى على مستوى الأرواح والبنى والزمن الذي تستغرقه، إذ أنّهم على المستوى الفكريّ أنجزوا الجزءَ الذي يقي من كلّ هذا.
الجملةُ التي أضحكت السوريينَ مراراً وأبكتهم مراراً تحتاجُ جهداً كبيراً جداً ووعياً ليسَ بالعاديّ ليستطيع التعاملَ معها في مرحلةٍ لاحقة.
علينا اختصارُ الزمن والتمرن على الحرية السالبة، والسعي بجد لتحقيق الحرية الموجبة.
هَي الحرية اللي بدي ياها.
***
08-أيار-2021
19-حزيران-2013 | |
19-شباط-2013 | |
06-كانون الأول-2012 | |
29-تشرين الثاني-2012 | |
22-تشرين الثاني-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |