سورية..غزّة
خاص ألف
2012-11-15
وشوم
منذُ انطلاقةِ الثورة السورية والماكينة التي تعمل على أسطرة النظام الحاكم لا تكلّ ولا تملّ ولا تألو جهداً في بثّ كل ما يُمكن أن يُساهمَ في ردعِ الإرادةِ الشعبية وتخويفها، من إمكانيّةِ استيقاظِ الماردِ الكبير الذي يستطيع أن يفتحَ جبهاتٍ عدّة في وقتٍ واحد، إلى القوى الخفيّة التي تحارب إلى جانبِه، وهي في غالبيتها قوىً سماوية الملامحْ!! ولم تكن هذه مجرّدَ حكاياتٍ إعلامية وحسب، بل تطوّرت لتُصبحَ خطاباً سياسياً لدى الدائرة الموالية للنظامْ، حتى أنّ بعض المسؤولينَ خرجوا دونَ خجلٍ بمجموعةٍ من الجمل الرنانةعلى شاكلة: "دعهم.. فهم لا يعلمون" التي كانَ يُقصد بها أننا نحنُ الشعوب "لا نعلمون" بينما هم بلا..!
حتى أنّ تسريباتٍ إعلامية تحدّثت أن وزير الخارجية التّركي "أوغلو" تلقّى تهديداً من رأس السلطة السورية مفادُهُ أنّهُ سيُشعلُ المنطقة خلال ستّ ساعاتٍ فيما لو تهدّد عرشُه (الجمهوري)، ومن المفيدِ أن نذكرَ أنّ عمر هذه التّسريبات أكثر من عام، والساعات السّت لم تجئ، لدرجةِ أنّ الفئة المؤيّدة هي الأخرى ضاقت ذرعاً بالإطالة والمماطلة من قبل النظام الذي تؤيّدُه في إشعالِ المنطقة!
مفهومُ الأسطرة هذا لم يكُن تسريبُهُ وتعشيقُهُ بالوعيِ الجمعيّ لدى السوريّين حكراً على الماكيناتِ المُعلنة للنظام، إذ أنّ صحفاً إسرائيليةً وأمريكية وبريطانية ومحطاتِ تلفزة (ومنها ما هوَ مُغرض) قامت بتكريس هذا المفهوم، إما بتهويلِ حالةِ جدل العلاقات التي تحدثُ داخل الكواليس، أو من خلال التحذيرِ من أسلحةٍ مخيفة يمتلكُها النّظام، وكان آخرُها مسألة الأسلحة الكيماوية التي استدعت استنفارَ العدوّ الإسرائيلي واللوبيات العالمية للتحذيرِ من هذا الخطرِ العظيم، وكأنّ هؤلاءِ جميعاً كانوا في مرحلة استرخاءٍ مخابراتيّ لم يسمح لهم بمعرفة قدرة النّظام السّوريّ، متناسينَ أنّ إسرائيل في كلّ حروبِها ضدّ الفلسطينيين والعرب، لم تفكّر في تحريكِ أسلحتها النووية!
منذُ مطالعِ الثورة السورية أدركَ الجميع أنّ النظام السوري قد يرتكبُ حماقاتٍ للخروجِ من الأزمة، وابتداءً من يوم النّكبة في الخامس عشر من أيّار عام 2011م أي بعدَ أقل من شهرينِ على بداية الثورة، حيثُ تعاونَ مع أصدقائه وتابعيه من الفصائل الفلسطينية في الداخل السوري، لاستثمارِ مشاعرِ الفلسطينيين والسوريين عبر السماحِ لهم بالعبور إلى الأرضِ المحتلّة، مستغلاً شغفهم وشجاعتهم، ومحاولاً تجنيدَ كل الطاقاتِ الإعلامية لضخّ انتصاره (الذي هو انتصارُهم)، وحينَ اكتشفَ الكلّ أنّ المنطقة التي أوهموا لعقودٍ أنها منطقة حقولِ ألغام لم تكن كذلك في حقيقة الأمر، قررّ الشباب المتحمّس الفذّ تكرارَ التّجربة لإحراجِ العدوّينِ معاً، فقتلَ الإسرائيليّ من الشعبين من قتَل، وقتلَ النظام هو الآخر من الشعبين أثناءَ تشييعِ من قُتلْ!!
منذ تلك الحادثة بدت الأمورُ أكثر وضوحاً، وتجلّت نيّة النظامِ في تصديرِ أزمته للجوار (وهي عادة قديمة عند النّظامِ السوريّ ، ويبدو أنّها لم تتغير طالما أنه استعانَ بخبراتٍ عسكريّةٍ ساندتهُ في أيامٍ مجرمةٍ خلت)، مروراً بكل ما حاولَ افتعالهُ في لبنان ساعياً لإعادةِ "بوسطة عين الرمّانة" إلى الواجهة، ثمّ افتعالُ مشكلةٍ مع الكُردِ في الشمال، والقذائف التي أسقطها في تركيّا ثم اعتذرَ عنها، إلى تحريكِ الدباباتِ الثلاث منذ مدة قصيرةٍ على الجبهة مع الإسرائيليين، كل هذا كانَ في محاولةٍ أظنّها يائسة للخروجِ من الأزمة.
إلا أنّهُ رغم محاولاته الحثيثة تلك، لم يخرج من أزمته، فما العمل؟؟
وجدَ الإسرائيليّ الفرصة مواتيةً لضربِ أكثر من عصفورٍ برميةِ حجر واحدة، فما كان منه إلا أن يُشعلَ الأمور في غزّة، بلسانِ حالٍ يقول: نضربُ الفلسطينيين الغزاويين الذينَ أعلنوا تخلّيهم عن نظام الممانعة، ونحاولُ إنقاذ الحليف الاستراتيجي على الحدود الشمالية الشّرقية. والأهم أنّ إمكانيّة ترتيب الخريطة مجدداً على نحوٍ يخدمُ فكر الاحتلال تصبحُ يسيرةً أكثر من ذي قبل، سيّما أنّ ثمة إشاعات تقول أنّ الإسرائيليين ينوون تهجيرَ الفلسطينيين الغزّاويين من غزّة إلى سيناء في مصر، مستغلّينَ بذلكَ حالة الفوضى التي تعمّ كلّ حدودِ الدولة العبرية.
يحاولُ النظامُ السوريّ إنقاذَ نفسه بإشعالِ خرابٍ في كل المنطقة، ويظنُّ الإسرائيلي أنّه يستطيعُ اليومَ فعلَ ما لم يكنْ مُتاحاً تماماً بالأمس؛
إلا أنّ كل ما يجري يدفعنا لأن نتفاءل بزوالِ الاستبداد والاحتلال معاً، فإرادةُ الحياةِ لدى الشّعوب لطالما أتقنت هزيمة إرادة الموت التي يبثّها الإسرائيلي وأعوانه المستبدّينَ و"الممانعين".
ستخرجُ غزّة من تحت الرّدم لتقولَ أنّ الفاتورة التي تدفعها لا تختلف أبداً عن الفاتورة التي يدفعها السوريّ...أبداً.
*تمّام هنيدي.
08-أيار-2021
19-حزيران-2013 | |
19-شباط-2013 | |
06-كانون الأول-2012 | |
29-تشرين الثاني-2012 | |
22-تشرين الثاني-2012 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |