الإنسان المهدور_ثرثرة
خاص ألف
2006-12-08
الطريق بين مؤسسة الكهرباء ومقهى الحكيم بالشيخ ضاهر, تقطعه سيجارة حمراء طويلة, مقابل نادي المهندسين أحاول الاتصال بالأوغاد أصدقائي, لا أحد. يوم الجمعة تجاوزت العاشرة ليلا والمدينة شبه فارغة. بعد شعور خاطف بالوحشة, أتوسّل رؤية أحد المعارف في السويس أو البستان, لا احد, أتابع طريقي إلى الحكيم.
أمام مقهى ماشطة, أتوقف لشرب فنجان قهوة مع عدة سجائر, أم أتابع الطريق إلى مشروع شريتح حيث لا أحد. بشكل غريزي أدخل المقهى ويأتيني فنجان القهوة السادة. أحاول الاتصال بمجد أحمد, صديقي الذي يتعلّم الاحتيال متأخرا. لا يردّ على تلفوني.
في اللاذقية وفي الشيخ ضاهر, كأني في بلاد أخرى. لا بأس, أحاول الاسترخاء, وانجح, ذلك ما صرت أجيده. عقلي صفحة بيضاء وأمامي شاشة عملاقة تتناصفها صورة لحسن نصر الله زعيم
حزب الله وأخرى دعاية ألبسة:x x l , لا يجمع بين الصورتين سوى هوس الربح السريع . الزمن النفسي يمكن تغيير إيقاعه, أما الزمان فهو قاهر ومطلق وخارج الإدراك.
كهل أبيض الشعر في المقهى يدخّن ويستمتع بوحدته.
*
كم مرّة ستقول لنفسك هذا يكفي. لن يوجد ظرف مناسب أبدا. للبدء في التخلّي يكفي أحدنا أن ينظر إلى أحد أشباهه ويقيم المقارنة البسيطة, ويهرب بأقصى سرعته من النتيجة المروّعة.
كم مرّة تنظر إلى الساعة(لا تحبّ المكان الذي أتيت منه, ولا تحبّ المكان الذي أنت ذاهب إليه, لماذا أنت مستعجل ...) ثم تقول لنفسك غدا, وتعرف أن الغد لا يأتي أبدا.
كم مرّة ستقول لنفسك, القضايا الكبرى لا تعنيني, الحرب والسلام , الحقّ والعدالة, الحريّة والموت... لكنها أكثر من تعنيك, أنت عالق في الشرك, في الحرب لست بخير وفي السلم لست بخير, وتعرف أنك عالق حتى النهاية بلا فكاك.
كم مرّة ستنظر إلى الوراء, ويفزعك الخراب, ثم تنظر إلى الأمام, ويفزعك الخراب أكثر..
وأنت بلا حول ولا قوة, رأيك لا شيء.. عمرك لا شيء..صداقاتك لا شيء.. عداواتك لا شيء.. أنت أصلا لاشيء ولا أحد.
كم مرّة ستفكّر بالانتحار, وإن عزّ فبالهرب, وإن عزّ فبالصمت, ثم تجد البحص يخرج من فمك ومن عينيك ومن قلبك, لتستكين بعدها بلا جدوى بلا أمل.
لكنك بحاجة إلى طعام وماء ومكان للنوم وشخص تتحدث إليه.
*
شعرت بالتوتر وبالفجوات الهائلة في دماغي, وأنا أمرّر فرشاة الحلاقة على ذقني, تذكّرت حلاقتي الأولى, كنت متعجلا لاستكمال اللحية وتطويل الشاربين, كان ذلك في بدايات الحرب اللبنانية. لحيتي صارت بيضاء بالكامل ولم تنته الحرب.
كنت مثلهم أحب الحرب وأطرب لعبارات الجيش السوري يستعدّ لدخول المعركة ومثيلاتها.
صحيح لم أدخل في حرب, لم أجرح أو أفقد عضوا من جسدي, في حرب أل 82 قتل زوج ابنة عمتي عبد الكريم ناصر, وفي مجزرة مدرسة المدفعية سنة 1978 بحلب قتل ابن عمتي أحمد زهيري, وأثناء خدمته الإلزامية مات رائد الخولي ابن أختي سنة 1991 في ظروف غامضة.
وغير الموت الحدث الأساسي في الحروب, هناك التشويه والإعاقات والتهجير والتعرّض لمختلف أشكال القهر والحرمان ولا تحتاج معرفتها لتجربة شخصية.
حارة حريك , المكان الوحيد الذي أنام فيه خارج سوريا, حيث يقيم قصي وفتنة والولدين يارا وياسر, نفذوا بجلودهم بعد اليوم الأول من القصف, وحالهم لا تسرّ. مشردون في بلادهم.
*
الإنسان في الحرب ليس هو نفسه خارجها. ثمة اختلافات كبرى وجوهرية بين الحرب والاشتباك المباشر مع العدو والموت وبين الحياة الطبيعية وما يتخللها من تنافس وصراع ومساومات مختلفة تبقي الفرد الإنساني تحت سقف الخطر, بعد سقف الخطر يحدث شلل فعلي للتفكير الواعي, ويرتد الكائن المهدّد إلى دفاعاته الغريزية والبيولوجية بالدرجة الأولى, تبرز غريزة البقاء وتزيح القيم الإنسانية المكتسبة جانبا. خيار القاتل أ و المقتول صراع غريزي.
حتى لو رغبت لا أستطيع إزاحة عقلي ومنطقي وحسّ الواقع الشخصي, وأنا مستغرق فيما ظننته تفكير عميق, اتصّل أصدقائي الخبثاء مصعب وعماد ومحمد وصلاح.. من وادي قنديل, إنهم يسكرون ويسبحون وهم مع المقاومة, رغبتي مع وقف فوري للحرب, أتوحّد لا شعوريا مع القتلى والجرحى مع المهزومين والبؤساء, حتى في حروبي الصغيرة لم أنتصر يوما.
لا شيء أغلى من عين طفلة أو قدم طفل تسقط في حرب.
لا شيء يبرر جنون القتل والتدمير, ولا يفسرها إلا ضيق الأفق وعمى البصيرة.
أما كيف يمكن إيقاف هدر الدم في بلادنا وكل مكان, لا اعرف.
*
إلى متى تستمر في قراءة هذه الكتب الكئيبة, أنت ناقص؟ سألتني صفاء, وهي تتصفّح كتاب: الإنسان المهدور لمصطفى حجازي. لا أعرف جوابي الدائم.
مصطفى حجازي طبيب يشخّص حالة الإنسان المهدور .
أنا هو الإنسان المهدور.
أحسد أصدقائي على اختلاف آرائهم. لديهم حدّ أدنى من الإيمان والحلم, من مع المقاومة ومن ضدها, من يريد أن تدخل الجيوش النظامية في الحرب أو العكس.
أستمع إلى الآراء المختلفة بسحنة خشبية وعقل بارد, وماذا بعد؟ سؤالي للجميع ماذا بعد؟
مؤخرا قرأت بيدرو بارامو, حسدت خوان رولفو, والله العظيم حسدته وشعرت بالغيظ, كيف يمكن الوصول إلى موقفه من الحياة والموت والحب والصراع ؟ كيف استطاع حماية الحسّ الطفولي والدهشة مع كل التجارب والخبرات الكثيرة التي خاضها؟
لقد خرّبت,ما تبقى من حياتي وعجز الآخرون عن الوصول إليه, بقصد ورغبة كأنني كنت أنتقم, مثل بدوي مع قاتل أبيه.
*
بالصدفة جاء مجد إلى المقهى, في منزله وجدت "الإنسان المهدور", أعارني الكتاب قبل أن ينتهي من قراءته, لهفتي في تناول الكتاب وتصفّحه, حديثي المطوّل عن كتابه السابق: الإنسان المقهور, ثرثرة لا تنتهي.
التكيّف أو الإنجاز, إما أو, ولا مجال لخيار آخر.
خسارة الفردية والإنجاز تفضي مباشرة إلى القلق والاكتئاب.
والطريق الآخر يتهدّد الوجود الشخصي ماديا ومعنويا, بدوره يستدعي عصاب الأمن_السائد في بلاد العرب والمسلمين_ ويخلّ بأسس توازن الشخصية.
سينتهي الكلام يوما
_ معنا و بدوننا
ستشرق الشمس كعادتها
_ فوق الأحياء والأموات
صباح الخير
صباح الخير
_من أنت
لا أحد
لا شيء
_هذا ما جناه أبي....
اللاذقية_ حسين عجيب
08-أيار-2021
08-كانون الأول-2006 | |
31-تشرين الأول-2006 | |
16-تشرين الأول-2006 | |
30-أيلول-2006 | |
14-آب-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |