الفرح السوري / ثرثرة
خاص ألف
2006-09-30
لليوم لتالي أستمتع بالغناء الجميل, في عيد الطائفة المرشدية جيراني.
من غير اللائق أن لا أقول شكرا, وبالصوت العالي, على متعة توهب لي مجانا, على النقيض من الإزعاج المتكرر من قبل مؤذنين غاضبين, بأصواتهم الخشنة والضجة التي يحدثونها بفوضى اللحن والإيقاع والكلام, ليتهم يكتفون بصوت واحد حسن من غير اللائق عدم الجهر بشكري, أنا الذي . .
يمتدح بوذا بلا كلل, لأنه وبالطبع حسب قراءتي الشخصية, أمضى حياته مجاهدا لتخفيف المعاناة الإنسانية, ووجد حلولا ما زالت تصلح للبؤساء منا, ممن تتقاطع خطوط متعددة للمأساة في حياتهم الشخصية.
وهنا الآن بين مشروع شريتح والمشاحير, تصدح حناجر فتية لصبايا وشباب, فرحة وتنشر الفرح أقلّه لمستوحد ومستوحش مثلي, يعتبر الفرح أعلى الذرى الخالدة في رحلة الإنسان.
أكثر ما أرفضه في العقائد كافة, تسخيفها للفرح ومشتقّاته, الضحك, المرح, الفكاهة, الاحتفاء العارم بالجسد؛ واستبدال ذلك بنكران الذات وأخلاق التضحية!
سمعت حكاية الكبار في بيت ياشوط عن "العرق" مرات ومرات ولا أملّ سماعها وتردادها.
في تشرين الأول والثاني(تشيرين كما يلفظونها) يبدأ موسم سحب العرق(تقطيره), وكان أحد أضلاع مثلث المونة(المئونة) بعد الحنطة والتين اليابس. ولأن الحطب مصدر الطاقة والنار الوحيد, يلزم السهر حتى الصباح كي لا تحترق الطبخة أو تنطفئ النار. قبيل منتصف الليل ينعس أحد السحّيبة, فيعالج نعاسه بالغناء, ويردّ عليه زميل آخر ببيت من العتابا أو الميجنا.
بالغناء يتجاوزون كلّ خلافاتهم, وكثيرا ما كانت دامية, وينسونها بعدما يبدأ الشراب.
يطلع الصباح وسهارى بيت ياشوط في حفلة واحدة.
كان العرق ضرورة حياتية, ينشر الدفء ويرمم الصلات المقطوعة.
*
باكرا جدا أحببت العرق وأحببت أكثر شاربي العرق: أحمد سليمان, علي خازم, أحمد خازم, محمد عبد الله, خريفون عيوش, شحيدة شريبا وآخرون كثر.
ما رأيت أحدهم عنيفا ولا ومعتديا, صحيح كان شرابهم على حساب الأسرة والأطفال خصوصا, وأفهم أن ذاك الجيل الأخير من سكرجية بيت ياشوط العتاق, كان اكتئابهم المضمر والصريح أحيانا, معاناة إضافية لأسرهم, لكنهم كانوا حالمين كبارا, قليلو الكلام وكثيرو التأمل. وللأسف أحلامهم ضاعت وفي الذاكرة صورهم التي تجفّ يوما بعد آخر.
لا أعرف علاقتهم بالفرح سوى في وجداني ومشاعري التي تشفّ وتعلو مع الكأس والجميلات. لكنني أفسدت كؤوسهم في مجالسة من لا يصلحون للندامة مرة, وفي انفلاش شرهي وعدوانيتي مرات, ليتني أستطيع إعادة الصفاء إلى كأسي, وإن لم أفلح فلا أستحقه.
*
ما تزال الأصوات الجميلة تعلو, وما يزال الاحتفال السوري والفرح السوري تحت الرماد.
حتى بعدما ابيضّ شعري بأكمله, ما تزال الخفقات واللعثمة ومحاولة فعل أي شيء لأظهر بأجمل الحلل أمام صبية تنتظرني, ما تزال جذوة النار المقدسة في دماغي.
ذراعاك أغنية الكون المدورة.
08-أيار-2021
08-كانون الأول-2006 | |
31-تشرين الأول-2006 | |
16-تشرين الأول-2006 | |
30-أيلول-2006 | |
14-آب-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |