Alef Logo
يوميات
              

مذكراتٌ مبعثرةٌ على مكتبِ محامٍ غائبٍ / 4

ناديا خلوف

خاص ألف

2013-04-09

انتخابات
أبحثُ عن فردةِ حذائي
في كلّ صّباح . أبدأ رحلةَ البحثِ عن حذائي .
- هل بدأتَ الرّحلةَ الصّباحيّة اليوميّة ؟ رحلتك أشبه برحلة البحث عن الذّات . الحذاءُ ينتظرك في مكانٍ ما . أعتقدُ أنّه في الّشرفةِ الخارجية قربَ الباب .
استيقظتُ باكراً . كنتُ أستعدُّ للنّزولِ إلى الحديقة . أبحثُ عن ذاتي حافية القدمين بين أشجارها . أمشي على أطرافِ رؤوس أصابعِ قدميّ كي لا تستيقظُ داليتي المجنونة . نتبادل الأفكار . منذُ البارحة وأنا صائمةٌ عن الكلام .فلا أحد في المنزل أحدّثه . سمعتُ صوتَ زقزقة خفيفة للباب في الأسفل . رأيتك بكامل أناقتك . تبحثُ عن حذائك . ربما أمسكته بيدك ووضعته في خزانة الأحذية بينما كنتَ مربكاً كيف ستواجهني . تحضّر لمسرحيّة تقول : استيقظتَ للتوّ و تستعدُّ للذهاب . ثم تذهبُ وتغلقُ باب المكتب وتنام .
-يالكِ من متجنيّة !
تؤلفين قصصاً لا وجود لها في الواقع . مع أنّكِ تدركين أنّها رحلة صباحية أبحث فيها عن حذائي . أليس لديك رحلة بين الورود ؟
رحلتي أنا مع الحذاء .
جهّزي نفسكِ من أجل الذّهاب إلى الانتخابات النّقابية . سنذهبُ في العاشرةِ .
ترشّحتُ من خارج الجبهة .
أكثرُ أعضاء النّقابة . سيدعمون وصولي فأنا نقابي جيد . ساعدتهم جميعاً في الماضي .
-أتمنى لكَ التّوفيق . لن أذهبَ إلى هذه المهزلة . تعرفُ أنّه يخجلني أن أكون محام . لم أفهم أمراً من هذه المهنة سوى الكذب ، وفنّ الرشوة والتّملق .
-ستذهبين من أجلي . لن تخذلينني . أليس كذلك ؟
أمضيتُ ليلة البارحة في القرية . اجتمعتُ مع بعض النّقابيين " الشّرفاء "
-أين وجدتَ هؤلاء ؟ أنا في رحلة بحث مستمرّة عنهم . أكثر من رحلة بحثك عن الحذاء . ربما لدى الأغلبية من المحامين مبادئ إنسانيّة غائبة عن المشهد بشكل عام .
- مع هذا فأنا أتفاءلُ بوجودك . سنذهبُ معاً إلى المكتب ، ومن ثمّ ننطلقُ .
-لا بأس . لم أذهب إلى المكتب منذ شهر .
- ماهذا الملفّ على طاولتك ؟ دعني أراه .
" مذكرات فاطمة والحاج محمّد "
"رحلتُ إليه في ليلةٍ ظلماء . كنتُ خائفة فيها من القدر . أحاطني بذراعيه . استسلمتُ للحبّ . يعرف حاجاتي ، يضمّني ، ويمسحٌ على شعري . أذوب بين يديه ، وأستسلمُ للنوم .
مشاعره فيّاضة . يجلبُ الطعام . نأكلُ معاً . يقدّم لي كلّ ما أفتقدُه . يهيم بي حبّاً . عندما قبّلتُ رجله أوّل مرّة . غمرتني سكينة تشبه الحلّم . لم يكن مثل زوجي "شهم " صحيح أنّه يقوم بالفروض والعبادات بطريقة مملّة . لا أعتقد أنّها تمتّ للدين بصلة . لكنّه دافئ في العناق ،لولاه لكانت لياليّ صحراء . ف"شهم " مدمنٌ على الهروب من جسدي . في آخر مرّةً أمسكتُ به متلّبساً مع امرأة في شركته هي : "أم لولو" الستينية . هو مدمن على الخيانة . ليس له عقيدة ولا مبدأ . قد أكون أحببتُ الحاج . كردّ فعلٍ على ابتعادِ زوجي عن القيم .
البارحة دفنت " الحاج محمد "
بكيتُ عليه بعد أن دفنته . دفنتُه تحت شجرة تين قريبة . كان يحبُّ ثمارَها .
قتلتُه انتقاماً من زوجي .كنتُ غاضبةً من الرّجال فجعلته كبشَ فداء . لن أقتل زوجي على أيّة حال .
قتلتُ " الحاج " لأنّه خائن .أمسكتُ به مع فتاة يافعة يغريها بالزّواج منه "
-هل هذه قصّة كتبتَها أنت ، وتريد أن تنشرها ؟
-منذ متى وأنا أكتبُ القصص ؟
هي مذكرات فاطمة التي قتلها زوجها دفاعاً عن الشرف .
انتهت القضية صلحاً بين أهل فاطمة وزوجها . استلمتُ مذكّرات فاطمة - التي لم يقرأها القاضي - من المحكمة . قدّمتها كدليلٍ على انتقام موكلّنا من أجل شرفه "جريمة دفاع عن الشّرف " كان بإمكان القاضي توصيفها بشكل مختلف. لم يقرأ المذكرات كلّها . مثلما فعلتِ أنتِ . عندما وصلَ إلى المكان الذي وصلتِ إليه توقّف ورفع الجلسة للحكم ، وعند النّطق بالحكم . أتى حاجب "أبو جاسم " انحنى له وقدم له مايريد ثمّ أكمل النّطق .
من هو أبو جاسم ؟
-يقال أنه عليّ كرم الله وجهه
-من المؤكّد أنّك تستخفّ بي .
هل تعني أنّ فاطمة بريئة ؟
- بالطبع . لو أكملتِ مذكّراتها . لرأيتِ أنّها كانت قد ابتكرت صورة " الحاج محمد" من خيالها . كانت ترغب في عناق رجل ما عندما تنام ، وبما أنّ" شهم" يعتبر نفسه شخصيّة عامة ، يعتقدُ أنّ فاطمة لا تعطيه حقّه ، وتسمح له بالإبداع بأن تكون عرّابته في الوصول إلى القيمة العليا في تجارة الرّقيق الأبيض . كان عليه أن يفهمها قيمته . نادراً مايأتي إلى المنزل . وهذا لا يعني أنه معادٍ لحقوق النّساء . بل ينادي بحريّة المرأة، ولا يؤمن بالتّعدّد . فعل فعلته مضطراً ، وربح القضيّة . هو الآن بطل القيم والأخلاق . رأيته يحتفي بشرفه في " الطاحونة الحمراء "
- لن أسألك لماذا استلمتَ قضيّته مادمتَ مؤمناً ببراءة فاطمة . كنتَ مخطئاً .
- أنا خيال إنسان مات وأصبحت عظامه مكاحل . الموتُ هو أن تنسى وجودك ، وينسى النّاس من أنت . لماذا لا تدعينني أموتُ براحتي وتنغصين علي موتي ؟
- هل يعني أنّ رحلة البحث عن الذّات والانتخابات . كلها ليست حقيقيّة ؟
- حدثت في الماضي ، ولا تدعينها تمرّ بسلام . ترحلين عبر الزّمن .
هل تذكرين يوم صوّتَ المحامون للقائمة علناً . وبعد أن فشلتُ غنوا : " إنّي اخترتكَ ياوطني " كانت الأغنية ردّاُ عليّ . شعرتُ بشهوة الانتقام . لولا أن قلتِ لي . لا تحزن . نلت ثلاثين بالمئة من الأصوات . عندما خرجنا من مقرّ النقابة . كانت سيّارات الأمن مبتهجة ، والمحامون في أحسن حال لأنّ الحقّ انتصر والشّر سقط ، وكما تعلمين فإنني خائن شرير بالوراثة والنّسب .
تلك الأغاني الحماسية تشعرني بالزيف . فكل شخص يفعل عكس مايقول . صاحب الأغنية اختار وطناً آخر .
- عد إلى أحلامك حبيبي . إلى موتك . إلى حكاياتك . فالقصص محفوظة لا تضيع .
أحبّكَ . أسامحكَ عن قضيّة فاطمة . لولاك ماعرفت عنها شيئاً .
- لماذا هي حزينة على فاطمة ؟
لو كانت تسمع صوت نحيبي لما حزنت إلا على نفسها .
أحزن عليها .قضيتها أصعب من قضية فاطمة . بقتْ وحيدة . أعملُ جهدي كي أحجز لها بطاقة سفر ، أرغب أن تأتي إلي . فقط عليها أن تنسى تلك المذكّرات المتناثرة على مكتبي . لم يتثنّ لي الوقت لأرشفتها . كنتُ على وشك فعل ذلك . قبل أن أنام كلّ ذلك الزمن . شيء ما يثقل أجفاني يمنعني من الاستيقاظ . لا أعرف كم شهراً نمتُ .
-أين أنتَ . لم تتغيّرْ . تحبُّ الحفاظَ على راحتكَ . وتعيش الموتَ بكامل حريّتك .
-دعيني أحلم . وريثما أستيقظ ، أو تصلين . يوجد على مكتبي قضيّة للدّراسة . أرجو أن تكتبي جواباً فيها قبل أن تأتي إليّ.عليكِ أن تربحي القضيّة . ابذلي جهدك . عديني أنك ستربحين قضيتي . . .


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow