مذكراتٌ مبعثرةٌ على مكتبِ محامٍ غائبٍ / 4
خاص ألف
2013-04-09
انتخابات
أبحثُ عن فردةِ حذائي
في كلّ صّباح . أبدأ رحلةَ البحثِ عن حذائي .
- هل بدأتَ الرّحلةَ الصّباحيّة اليوميّة ؟ رحلتك أشبه برحلة البحث عن الذّات . الحذاءُ ينتظرك في مكانٍ ما . أعتقدُ أنّه في الّشرفةِ الخارجية قربَ الباب .
استيقظتُ باكراً . كنتُ أستعدُّ للنّزولِ إلى الحديقة . أبحثُ عن ذاتي حافية القدمين بين أشجارها . أمشي على أطرافِ رؤوس أصابعِ قدميّ كي لا تستيقظُ داليتي المجنونة . نتبادل الأفكار . منذُ البارحة وأنا صائمةٌ عن الكلام .فلا أحد في المنزل أحدّثه . سمعتُ صوتَ زقزقة خفيفة للباب في الأسفل . رأيتك بكامل أناقتك . تبحثُ عن حذائك . ربما أمسكته بيدك ووضعته في خزانة الأحذية بينما كنتَ مربكاً كيف ستواجهني . تحضّر لمسرحيّة تقول : استيقظتَ للتوّ و تستعدُّ للذهاب . ثم تذهبُ وتغلقُ باب المكتب وتنام .
-يالكِ من متجنيّة !
تؤلفين قصصاً لا وجود لها في الواقع . مع أنّكِ تدركين أنّها رحلة صباحية أبحث فيها عن حذائي . أليس لديك رحلة بين الورود ؟
رحلتي أنا مع الحذاء .
جهّزي نفسكِ من أجل الذّهاب إلى الانتخابات النّقابية . سنذهبُ في العاشرةِ .
ترشّحتُ من خارج الجبهة .
أكثرُ أعضاء النّقابة . سيدعمون وصولي فأنا نقابي جيد . ساعدتهم جميعاً في الماضي .
-أتمنى لكَ التّوفيق . لن أذهبَ إلى هذه المهزلة . تعرفُ أنّه يخجلني أن أكون محام . لم أفهم أمراً من هذه المهنة سوى الكذب ، وفنّ الرشوة والتّملق .
-ستذهبين من أجلي . لن تخذلينني . أليس كذلك ؟
أمضيتُ ليلة البارحة في القرية . اجتمعتُ مع بعض النّقابيين " الشّرفاء "
-أين وجدتَ هؤلاء ؟ أنا في رحلة بحث مستمرّة عنهم . أكثر من رحلة بحثك عن الحذاء . ربما لدى الأغلبية من المحامين مبادئ إنسانيّة غائبة عن المشهد بشكل عام .
- مع هذا فأنا أتفاءلُ بوجودك . سنذهبُ معاً إلى المكتب ، ومن ثمّ ننطلقُ .
-لا بأس . لم أذهب إلى المكتب منذ شهر .
- ماهذا الملفّ على طاولتك ؟ دعني أراه .
" مذكرات فاطمة والحاج محمّد "
"رحلتُ إليه في ليلةٍ ظلماء . كنتُ خائفة فيها من القدر . أحاطني بذراعيه . استسلمتُ للحبّ . يعرف حاجاتي ، يضمّني ، ويمسحٌ على شعري . أذوب بين يديه ، وأستسلمُ للنوم .
مشاعره فيّاضة . يجلبُ الطعام . نأكلُ معاً . يقدّم لي كلّ ما أفتقدُه . يهيم بي حبّاً . عندما قبّلتُ رجله أوّل مرّة . غمرتني سكينة تشبه الحلّم . لم يكن مثل زوجي "شهم " صحيح أنّه يقوم بالفروض والعبادات بطريقة مملّة . لا أعتقد أنّها تمتّ للدين بصلة . لكنّه دافئ في العناق ،لولاه لكانت لياليّ صحراء . ف"شهم " مدمنٌ على الهروب من جسدي . في آخر مرّةً أمسكتُ به متلّبساً مع امرأة في شركته هي : "أم لولو" الستينية . هو مدمن على الخيانة . ليس له عقيدة ولا مبدأ . قد أكون أحببتُ الحاج . كردّ فعلٍ على ابتعادِ زوجي عن القيم .
البارحة دفنت " الحاج محمد "
بكيتُ عليه بعد أن دفنته . دفنتُه تحت شجرة تين قريبة . كان يحبُّ ثمارَها .
قتلتُه انتقاماً من زوجي .كنتُ غاضبةً من الرّجال فجعلته كبشَ فداء . لن أقتل زوجي على أيّة حال .
قتلتُ " الحاج " لأنّه خائن .أمسكتُ به مع فتاة يافعة يغريها بالزّواج منه "
-هل هذه قصّة كتبتَها أنت ، وتريد أن تنشرها ؟
-منذ متى وأنا أكتبُ القصص ؟
هي مذكرات فاطمة التي قتلها زوجها دفاعاً عن الشرف .
انتهت القضية صلحاً بين أهل فاطمة وزوجها . استلمتُ مذكّرات فاطمة - التي لم يقرأها القاضي - من المحكمة . قدّمتها كدليلٍ على انتقام موكلّنا من أجل شرفه "جريمة دفاع عن الشّرف " كان بإمكان القاضي توصيفها بشكل مختلف. لم يقرأ المذكرات كلّها . مثلما فعلتِ أنتِ . عندما وصلَ إلى المكان الذي وصلتِ إليه توقّف ورفع الجلسة للحكم ، وعند النّطق بالحكم . أتى حاجب "أبو جاسم " انحنى له وقدم له مايريد ثمّ أكمل النّطق .
من هو أبو جاسم ؟
-يقال أنه عليّ كرم الله وجهه
-من المؤكّد أنّك تستخفّ بي .
هل تعني أنّ فاطمة بريئة ؟
- بالطبع . لو أكملتِ مذكّراتها . لرأيتِ أنّها كانت قد ابتكرت صورة " الحاج محمد" من خيالها . كانت ترغب في عناق رجل ما عندما تنام ، وبما أنّ" شهم" يعتبر نفسه شخصيّة عامة ، يعتقدُ أنّ فاطمة لا تعطيه حقّه ، وتسمح له بالإبداع بأن تكون عرّابته في الوصول إلى القيمة العليا في تجارة الرّقيق الأبيض . كان عليه أن يفهمها قيمته . نادراً مايأتي إلى المنزل . وهذا لا يعني أنه معادٍ لحقوق النّساء . بل ينادي بحريّة المرأة، ولا يؤمن بالتّعدّد . فعل فعلته مضطراً ، وربح القضيّة . هو الآن بطل القيم والأخلاق . رأيته يحتفي بشرفه في " الطاحونة الحمراء "
- لن أسألك لماذا استلمتَ قضيّته مادمتَ مؤمناً ببراءة فاطمة . كنتَ مخطئاً .
- أنا خيال إنسان مات وأصبحت عظامه مكاحل . الموتُ هو أن تنسى وجودك ، وينسى النّاس من أنت . لماذا لا تدعينني أموتُ براحتي وتنغصين علي موتي ؟
- هل يعني أنّ رحلة البحث عن الذّات والانتخابات . كلها ليست حقيقيّة ؟
- حدثت في الماضي ، ولا تدعينها تمرّ بسلام . ترحلين عبر الزّمن .
هل تذكرين يوم صوّتَ المحامون للقائمة علناً . وبعد أن فشلتُ غنوا : " إنّي اخترتكَ ياوطني " كانت الأغنية ردّاُ عليّ . شعرتُ بشهوة الانتقام . لولا أن قلتِ لي . لا تحزن . نلت ثلاثين بالمئة من الأصوات . عندما خرجنا من مقرّ النقابة . كانت سيّارات الأمن مبتهجة ، والمحامون في أحسن حال لأنّ الحقّ انتصر والشّر سقط ، وكما تعلمين فإنني خائن شرير بالوراثة والنّسب .
تلك الأغاني الحماسية تشعرني بالزيف . فكل شخص يفعل عكس مايقول . صاحب الأغنية اختار وطناً آخر .
- عد إلى أحلامك حبيبي . إلى موتك . إلى حكاياتك . فالقصص محفوظة لا تضيع .
أحبّكَ . أسامحكَ عن قضيّة فاطمة . لولاك ماعرفت عنها شيئاً .
- لماذا هي حزينة على فاطمة ؟
لو كانت تسمع صوت نحيبي لما حزنت إلا على نفسها .
أحزن عليها .قضيتها أصعب من قضية فاطمة . بقتْ وحيدة . أعملُ جهدي كي أحجز لها بطاقة سفر ، أرغب أن تأتي إلي . فقط عليها أن تنسى تلك المذكّرات المتناثرة على مكتبي . لم يتثنّ لي الوقت لأرشفتها . كنتُ على وشك فعل ذلك . قبل أن أنام كلّ ذلك الزمن . شيء ما يثقل أجفاني يمنعني من الاستيقاظ . لا أعرف كم شهراً نمتُ .
-أين أنتَ . لم تتغيّرْ . تحبُّ الحفاظَ على راحتكَ . وتعيش الموتَ بكامل حريّتك .
-دعيني أحلم . وريثما أستيقظ ، أو تصلين . يوجد على مكتبي قضيّة للدّراسة . أرجو أن تكتبي جواباً فيها قبل أن تأتي إليّ.عليكِ أن تربحي القضيّة . ابذلي جهدك . عديني أنك ستربحين قضيتي . . .
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |