قوس المحكمة
هناك أشياء توخزني مثل الشّوك . تستقرّ في روحي . لا أستطيع الصعود إلى السّماء . ولا البقاء قيد موتي . تستدعيني أشياءَ قيد الإنجاز.
حبيبتي : أنا مقتنعٌ بعقيدتك
بطائفتكِ . بكِ . أعتقد أنّك مثل الأنبياء .
سأذهب لا ستشارة كبيرِ عائلتنا في الزّواج منك
قال لي : أنّكم زنادقةٌ كفرة ، فكلّ من هو ليس مثله كافر
وأنّ جميع من هم ليسوا منا ليس لديهم أخلاق . إما يعبدون الفرج أو يتزوجون بأخواتهم وبناتهم . هل صحيح مايقولون ؟
أبعدْ عن طريقي . لا أرغبُ بالزّواج منك . انتهتْ علاقتنا الآن . سأضعُ هذه الرّسائل التي أرسلتها لي في كيس ثم أعلّقها في مشنقة المرجة ، كي يقرأها القاصي والدّاني ، بينما تنزف متساقطة من الزّمان . لا أخجلُ من علاقة أقمتها بإرادتي وفشلت . لا تلمسْني . لستُ غاضبةً . فقط اكتشفت أنّني أسمى من التّرهات .
لا ترحلي . لم أستشرهم . فقط أردتُ أن أعطي للموضوع طابعَ العلنية . أعطني يدك
لا تلمسني . ابتعد . لا يهمّ ماذا تمارس طائفتي من طقوس . المهمّ ما تمارسه أنت من قنّاعة ، وما دمتَ تسألني . يعني أنّه يخامرك شكّ لستُ معنيّةً بتوضيحه . لكن قل لي : من هو هذا الفقيه في الدين الذي شرّع وأفتى في العائلة . هل هو ذاك الذي يأكل من مالكم ، ويوزع الزكاة على حسابكم . تعيشون الذّل معه وتعرفون أن دينه دنانيره . محكومون بتسلّطه على ذهنكم ومالكم . اذهب أنتَ وهو وحاربا من يخالفكما ، رغمَ عدم قناعتي بعادات عشيرتي . لن أتخلى عنها من أجل قناعة رجل دينكم .
مالي أتحدّثُ عنها كأنّنا عاشقان . ليتَ اللحظة تستمرّ . ما أحلى شتائمها . لا تدري أنّني أستفزّها كي تشتمني. كأنّني لم أغادرِ الحياة .لي ماضٍ وحاضر وذكريات . سأخرجُ إلى العلن الآن . سأقوم من حفرتي :
ها قد قمتُ . تعالي إلي . عودي كالأحلام
أراكَ بينما ترتفعُ
جاثيةٌ قرب مرقدك أبكيك
أحطّم سواد الليل .
أناديك .
لدي سؤال . يقول ربعي : أنّكم مدمنون على الجنس . تتزوجون مايطيب لكم من النساء . مثنى وثلاث ورباع ، وكلّمارأيتم امرأة تتمنون الزواج بها ، وقد تطلّقون واحدة كي لايزيد العدد عن الأربع . تقولون : أنّه الحلال . ثقافتكم تعتمد على أن المرأة عورة هي وصوتها وعينها .
لن أجيب عن السّؤال . نسيتهم قبل موتي بأجيال . أم أنّك تعودين بي إلى الماضي يوم سألتُك مايشبه هذا السّؤال ؟ وما هو اعتراضك ؟ هل هو عليّ أم على قومي ؟
أنا منفيّ من العاداتِ . لي طريقٌ وطريقة حياة . قومي وقومك هم داخلنا الذي يبحث عن الأشياء الغامضة . أكثرهم محبٌّ يعتقدُ أنّه يدافع عن مثل عليا ، لا يدّ لنا في انتمائنا . ورثنا عقائدنا عن آبائنا . ورثنا غباءنا عنهم ، ونجاحاتنا ، ومفردات حياتنا . أحبيهم فالحبّ يخلقُ المعجزات . لا تقفي عند الكلمات العابرة فطالما رأيتك مضيئة بينهم ، ولطالما رأيتهم يحبون وجودك معهم .
هاتِ يدكَ . تعالَ نعودُ إلى مكتبنا . لديّ قضيّة كلّفتَني بها قبلَ الموت . المحاكمة بعد ساعة . كن ظلّي وعندما يجلسُ القاضي إلى قوس المحكمة ، ويأتي دور قضيتي . تحدّث بصوتي . أخاف الأقواس حتى لو كانت أقواسَ النّصر .
تلك الأقواس على مداخل المدن . تصيبني بالحمّى . لا أنظر إليها . فقط أحسب كم ربح المشرف على التّعهد، والذي رسى عليه المزاد ، والسّمسار الذي فاز بالحصة الأكبر . أرغب بتحطيم هذه الأقواس . تحطيم التّماثيل التي تمثّل الأحياء . تحطيم قوس المحكمة الغير مرئي . ذلك القوس المزيّف الذي يرمي الفقراء في السّجون ويعفو عن الجبناء
سيحلّفنا القاضي اليمين . ماذا أفعل ؟ لم أتعوّد الحلفان .
ردّدي وراء القاضي : أقسم بالله العظيم أن أقول الصدق .
انظر . وقفوا جميعاً . كم أنا خائفة ! لا أقول الصّدق . هل يمكنني تبرير ذلك . بالطّبع : أساس كلّ أمرٍ النيّة . قولي في قلبك . أقسم بالله العظيم أن لا أقول الصّدق ، وعندما تعودين إلى المنزل ادفعي كفّارة منعاً للبس .
من أين لي ثمن كفّارة ؟ . نفذَ من عندي الطّعام . ليس في جيبي نقود ، أخجل من الفقر . ماذا علي أن أفعل كي أبدو غنيّة ؟ في قانون المهنة " على المحامي أن يكون له مكتب مناسب ومظهر مناسب " انظرْ إلى جموع المحامين الذين ينتعلون " الشاروخ " يتباهون . يقولون : أنهم أوّل من أصاب المهنة بالتّواضع .
بدأتِ المرافعة . توقفي عن الحديث .
يا سيدي الرّئيس . عندما يعتقُ الحذاء نرقّعه ، وهذه النّقابة التي أقمنا الدعوى ضدها كالنّعل القديم . اهترأت ولا يمكن ترقيعها .
نقطة نظام :
أخرجوها من القاعة . سنقيم عليها دعوى سبّ وقذف ضدّ الذات القانونية .إذا تركناها تتمادى ، قد تتجاوز على الذات القضائية . وبعدها الذات الرئاسية وبذلك تخفّ هيبة الدّولة
كم أخجلُ مما جرى لي . هل من حقك أن تقول أنهم أحذية بالية ؟
وهل تصدقينهم أنّني قلتُ ذلك ؟
سمعتكَ تنطقُ بلساني . سبّبت لي الحرج . هم لم يقولوا شيئاً . نحن الذين قلنا
نسيتِ أنّني ميّت . أنتِ تسبّبت بالمشكلة لنفسك . لم تتحدّثي بشيء ، ولم يتمّ حلفان اليمين . تتوهمين . هي قراءتك للآخر . تقدمينها قبل الالتقاء به ، والآخر هنا هو القاضي ممثّل لكلّ الذوات التي تحدّثت عنها . أنت ترغبين في النزول إلى السّاحة وليس الذهاب إلى المحكمة . ترغبين أن تشتميهم . يمكننا فعل ذلك . قضيتنا في المحاكم خاسرة لأنّها تتعلّق برجال فقدوا خبز يومهم .
هل تذكرين عبّاس عامل البلدية ؟
سرح من عمله . يقال أنّه خطر على أمن الدولة . احذريه . قد يكون خائناً
كفاك هراء ! وهل هناك لدينا أشياء هامة ليخونها الإنسان . كلّ شيءٍ مباع من قبل السّلطان . حتى ينابيع الأرض شفطت من الأعماق .
ثقي بي . هو خائنٌ بالانتماء . ولدَ وفي فمه ملعقة خيانة ، فأبوه أرضعه الفقر وليس أمّه . كان والده يجلس مسترخياً بينماوالدته تخدم بني الأوغاد .
ألا ترى أن لفظ الخيانة مهين؟
تستفزّين عقلي وبصيرتي . كلّنا خونة أبناء خونة ، ومع أنّكِ منّا . تفكّرين مثلهم . تزاحمينهم وهم يدفعونك فتسقطين .
قف . لا ترحلْ . ماذا أقولُ في القضيّة في الجلسّة المقبلة ؟
لا تقولي . اذهبي إلى عبدو السّمسار . يقالُ أنّه يجلبُ الحقوق لأصحابها ، لا تنظري إلى تفاتيفه ، ولا إلى حركات جسده . كلفيه بالقضيّة . ثلاثة أرباع المبلغ له ، والرّبع لكِ . صحيح أنّه سيبدو لك كأبله ، لكنه فائق الذكاء . يستطيع أن الوصول إلى علي بن أبي طالب ، يدفع له من حرّ ماله الذي كسبه منكِ . النصف له والنّصف لعليّ ، يبقى عليكِ أنتِ أن تدفعي حصّة القاضي والكاتب . الربع كافٍ . هو حصة القاضي . ادفعي لكاتب الجلسة بعض الليرات من جيبك . وداعاً . حاولي كسب القضية بأيّ ثمن . الأمر معنويّ