مذكراتٌ مبعثرةٌ على مكتبِ محامٍ غائبٍ -7
خاص ألف
2013-04-30
محامو البيوت البيضاء
لا أعرف كيف أدير نفسي؟.
أرغب في تحطيم شيئاً رخيصاً، غير ذي قيمة،
لم أعتد على تحطيم الأشياء الثمينة.
لا يوجد أرخص من الإنسان. سأحطّم نفسي إذاً .
هي أنت. لماذا متّ؟.
لو كنتَ إشاراتٍ وأرقاماً، لعرفتُ من أنتَ. لن تلغيك تلك العولمة. أنت حاضرٌ. بأفكاركَ. بكلماتكَ. عندما تقمّصتَ البارحة دور سيدة على الدردشة، تحدّثت مع شاب يدّعي أنّه في الثلاثين. عرفتكَ فوراً !
ألا يخجلكَ أن تستمعَ لكلماتِ الغزلِ بأنثى، بينما أنت رجل؟.
أنتِ تختلقين القصص، كي أضعفَ أمامكِ. فسّري على مزاجك. لن أهتمَّ.
لستُ غاضبةً منكَ. فقط أرغبُ أن أفهمَ نفسي. عرفتكَ من أشعاركَ التي قلتَها لذلك "الشّاب"، غيّرتُ حركة حرف التّاء، ووضعت بدلاً من أنتِ "أنتَ"، ثم لو كنت فعلاً امرأة لدخلت محادثة صوتية .
تعتقدين نفسكِ ذكية. عرفتكِ من فلسفتك البوهيميّة. تبادلنا كلماتِ الحبّ. فقط استبدلنا الأدوار. أنتِ لا تستمعين لي عندما أتحدّث إليك بكلماتٍ لطيفة. تعيّرينني بأنني رجل يمرّ تفكيري من الجزء السفليّ من جسدي، قبل أن يصعد إلى رأسي .
حبيبتي. أنتمي إلى مدينة الفسق. يسمونها بلدَ العشق. يعتدي فيها الرّجل على المرأة بأشكال متنوعة، ومن ضمنها ألفاظ الحبّ. أبناءُ مدينتي المنسية يحبّون على الرّائحة، وبالاستشعارِ عن بعد. يبتكرون قصص حبّ أمام أنثى افتقدت كلمة التّعاطف في حياتها، تريدُ أن تلتصق بقصّة تبرّر لها آلامها، وتضفي عليها لوناً أرجوانياً توشّيها به. تبدو فينيقية تخطفُ الأبصار، وما الأمر في الحقيقة سوى لعباً على المشاعر، فكيف يمكن لرجل عدّد إلى مالانهاية أن يعرف الحبّ العميق الذي لا يعرف الزيف؟. هؤلاء الأطفال الذين ينشأون من زواج متعدّد، تكون أرواحهم متعبة، ليس لهم هويّة ثابتة يبقون طوال حياتهم يبحثون عن هوية، في بلدتي التي يسرح في أرضها الجنون. يهاجر النّاس طلباُ للخبز والجنس يمتهنون "الشّعر"، هي حجّة كي يجلسوا في بيوتهم وتعيلهم النّساء، ويضع الشّاعر كأساً مترعة بالموت. تصطفّ النّساء أمامه، يمنهحنّ بركته معتقداً أنه إله، ولا يعرف كم تسبّب بالمتاعب لجيل كامل. لا تذكّرينني أرجوك!.
تربيتي الأولى أفهمتني أن لا أعبأ بالنساء، وأنّ الحبّ هو حاجةٌ جنسية للرجال نمارسها نحن والحيوان على السّواء .
لا تستطرد في الكلام ، لدينا قضيّة غداً سنحضرُ فيها إنّابة. قضيّة كريستين. هل لا زلتَ تذكرها؟ خرجت من سجن النّساء وعلى يدها طفلة أنجبتها في السّجن. أصبحت في السادسة عشر من عمرها. تعيش على أطراف نهر الجغجغ. فهي ابنة من زواج غير شرعي، ولها ابنة. كيف أساعدها على رعاية ابنتها؟ وتسجيل اسمها في السّجلات؟. هي تعرف والد ابنتها. هل يمكننا إلزامه بالاعتراف بنسب ابنته؟.
كأنّكِ تعيشين على المريخ ؟ بالطبع لا. هذه القضيّة في حكم المنتهية. لا تحضري الجلسة. مصير كريستين أن تذهب إلى تلك البيوت البيضاء. انتهت طفولتها منذُ أن اصطادها رجل .
أيّة بيوت؟.
هل رأيت بيوتاً مدهونة باللون الأبيض في مداخل مدينتنا؟.
تلك البيوت يرعاها "أبو الحسن علي " ، بينما يمارسُ وظيفته الأمنيّة؛ يحافظ على النساء من خلال إشراف عناصره عليها، مباركاً من يفيد ويستفيد. ولهذه البيوت محامٍ متخصصٌ في شؤون الدّعارة الوطنية، وفي بعض المرّات يربح جلسة مجانية .
هذه البيوت هي للدعارة. أغلب النساء فيها ظلمن. هي قصّة طويلة الدعارة الحقيقية عند ما يسمونه "النّخب". لا أرغب في إكمال الحديث. يحتاج الأمر لمحكمة دوليّة لمعرفة سرّه. فقط عليك أن تذهبي إلى محامي الدوّلة "عبد المحسن" هو يجلس دائماً عند القاضي العقاري. لدينا قرى متنازع عليها، هي غيرُ مسجلةٍ في ملكيتنا، عندنا إثبات. كلّ الأوراق تثبتُ حقّنا. أتمنى أن لا تمثَّلُ الدولة في الدعوى .
يبدو أنكَ نسيت أنّنا اتفقنا مع القاضي أن يكون وريثاً من ضمن الورثة، وأن ندفع من حصتنا لمحامي الدّولة. أرسلَ القاضي يومها خلفَ خصومنا، وأعلن وساطته بالصّلح مقابل أن يكون وريثاً من ضمن الورثة لديهم.
عدم المؤاخذة. كنت أحلمُ بالقضية. الأموات يحلمون أيضاً، ولكل حلم تفسيره. دعيني أفسّر حلمي عند الشّيخ "العلاّمة"مفسّر أحلام الموتى.
يقول شيخنا الكريم ـ قدّس الله سرّه ـ بإنّ هناك غبن لحق بي من عائلتي وعليكِ أن تصحّحيه كونكِ حيّة، لديّ في ذمّتهم أكثر من مليون ليرة منذ العام ألفين. احسبيها على الدّولار. خذيها لكِ. كنت أنوي أن أشتري طقماً من الذهب، أهديكِ إيّاه في يوم زواجنا .
عزيزي: استفق. لا أحبّ الهدايا الرّمزية. سألتُ عن الموضوع. قالوا: إنّها مودعة في البنك، وعندما تصلح أمور البلد سآخذها. أشتري يومها باقة ورد أضعها على قبرك، وتكون وراثتنا منك "باقة ورد".
هل أصبحتِ المليون تجلب هدية رمزية فقط ؟.
لا أحد يفهمُنا غيركِ!
نعم. أنتم آل الحيلة. حياتكم تعتمدُ على التّحايل على الإيمان. على المال. على المجتمع. تسمون ذلك ذكاء .
هل تشتمين عائلتي؟
أنتم أيضاً تدّعون الحكمة، والتّعقل. بينما تحاربون خيالكم، وتلغون حتى أنفسكم .
أتشتمُ عائلتي؟
سأترككَ وحيداً. وقبلَ أن أغادرَ . أقول لك: أنتم قومُ المظاهر. لبستَ البذلة الرسمية وربطة العنق، حتى بتّ لا أعرفكَ، لو خلعتها عندما تذهبُ إلى فراشك. حتى عندما ذهبنا إلى البحر. لم ترضَ أن تخلعها. إلا عندما أرغمتكَ. أتذكرُ عندما أمسكت بيدك وكنت خائفاً من الماء؟
نعم أذكر. أكملي. أعيدي لي بعض الذّكريات .
كانَ الموج عالياً. سمعته يناديني، وعندما وضعت قدميّ عليه، فحنّ ولان. مشيت فوق الموج كما تمشي النوارس، بينما أمسك بك لتشعر بحلاوة مصارعة الأمواج. أحببتُ أن تصارعها أنت، لكنّك رفضت. خفت منها، كما خفت أن لاتكون ليّنة معك مثلما هي ناعمة طيعة معي.
مابكَ؟
لماذا تبكي؟
لم أستطعِ البكاءَ خلالَ حياتي، كان عليّ أن أكون بطلاً. هذه هي مهمة الرّجال. لا تصدقيهم. هم مجرّد أدعياء .
لو عدّتُ ثانيةً إلى الحياة
لحملتكِ مثلَ طفلة في العاشرةِ
وبرمت بك. كي تضحكي
وألبستكِ رداءً أحمر بكشائش مخرمة، كرداء ابنتي
أرغب أن أرى ابتسامتكِ الأولى
قهقهتكِ على طرائفي المصنوعة للتوّ
بساطتك. وحقارتك.
لو عدّتُ ثانيةً
لتمسّكتُ بأطرافِ ثوبك
وتبعتكِ كظلك.
كم كنتُ مغفّلاً !
لو رفعت إلى الجنّة، وأتيتِ إليّ بكل حقاراتك،
لسقطّتُ إلى الدّنيا دون تفاحة .
أرغب في الدنيا. نسيتها منذ رحلتِ عني
لم أعاتبكِ،
أنت التي تركتيني وحيداً
أتيت إليك فإذ بي أخطىء الطريق،
وأغوص في موت عميق
لو عدت ثانية .
كنت سأقول لك أحبّك
وأعتذرُ عن كلّ سيرتي.
اديا خلوف
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |