مذكراتٌ مبعثرةٌ على مكتبِ محامٍ غائبٍ
خاص ألف
2013-05-22
أرشفة
أراقبكِ من قربِ موطني الأخير " شرمولا " "1"
في مدفننا العائليّ
لا زلنا نتفاوضُ عن أمكنتنا في الجنّة، أوالنّار.
يحاول البعضُ اغتصابَ موتنا. . .
هل تذكرين؟
كانوا على مدى حياتهم منافقين. أتوا إليّ يتنازعون على مساحتي في قبري .
يسكنون قربي أينما حللتُ. في الموت، والحياة، والذكريات.
هم أعداء الحياة في الدنيا، وأعداء الموت في الممات.
أراكِ فوق جبال طوروس "آلهةً للحبّ"
كأنّكِ تنظرين إلى قبري!
نعم. تركتُ بعضَ الماءِ في تلك الحفرة فوقَ القبر.
أشعرُ بالعطش. قادمةٌ إليكَ من منفذِ البطشِ
ادعُ لي بالسّلامة. أصبحتُ على بوابة الحدود
أنتظرُ الليلَ. علمتُ أنّ عسسَ السّلطان يطلبون رأسي
سأتسلّل مع العتمة. اشتريتَ ثوبَ زفافٍ من على عربةٍ متجوّلة غارقةٍ بالدّم
انتظرني. لحظاتٌ فقط، ثمّ أصلُ.
قادمةٌ، وفي قلبي آهاتُ أمّ، عويلُ طفل، وصورةُ قاتلٌ يسقط قتيلاً للتوّ. لا أعرفُ من أبكي منهما: القاتل،أم القتيل؟
أراكِ قربَ البوّابة بثوبكِ الأبيض.
بأبهى حلّة.
تصطكّ أسناني خوفاً من اللقاء. تعوّدتُ أن ينزلَ دمعي في اللقاء مثلما ينزلُ حين الفراق .
ما أجملَ الموت قربكِ!
ماذا أرى على ثوبكِ؟
تغيّرَ لونه. لماذا أصبح أحمرَ؟
قتلتْ حبيبتي على مفرقِ قبري. أردتُ لها الحياة. تبعتني إلى الموتِ . كيف يمكنني أن أبكيها ؟ فما أنا سوى شبحٍ يطاردُ الحياة. تلاحقني من مكان إلى آخر. خسرتْ حياتها. من سيكتبُ بعد الآن قصّة عمري؟
دعني أستريحُ قليلاً من عذاباتي. لا توقظني من موتي. اتركني لبضع سنواتٍ. أرغب أن أجرّبَ صمتَ القبور خارج الحياة.
كان صمتي مدوياً قبل ساعات. قتلتُ لم أسمع صوتَ الطّلقات.
أرغب أن أحدّثكِ لبعض الوقت، ثم موتي قدر ما تشائين!
لو جمعنا تلك الجماجم المزروعة هنا. -التي تخصّ أجدادنا-. نخمّرها ونصنع من كل ألف جمجمة "ماسة" نعلّقها على صدرِ امرأة وافدةٍ إلينا.
أرغبُ في إزالة تلك الجماجم. المساحاتُ تضيقُ بها. لو حرقناها، واحتفظنا بمعدنها. نصنع منه أشياءَ مفيدة.
بعد توسيع المكان من الجماجم. سيكونُ لدينا مكاتب متخصصة . أحداها لكِ. لا أتدخل بإدارته. تؤرشفين فيه صفحاتِ التّاريخ. تفرّغتِ الآن من الركضِ وراء الرّغيف.هو ليس عمل مجانيّ على أيّة حال، من يكتبُ التّاريخ تكرّمه الأجيالُ القادمة من الجهل. دون أن تقرأ الصّفحات، ولا التّزوير الوارد بين الكلمات. تردد عبارات لا معنى لها كدمشقَ الأموية، والفتوحاتِ العربية، دون الدخول في الثمن من الدّماء. أرغب أن تغيّري نمط كتابة التّاريخ. أعلم أنك تستطيعين.
سأسعى أيضاً لأرشفة قوانين الغابةِ في مكتبي القانونيّ.قانون الغابة رائع. ليس فيه تخزينٌ للطعام. تقتلُ عندما تجوع لتأكل. في معركة على المكشوف.أنتَ ترغب في البقاء كخصمك تماماً ، وقد تملك الفرصة . عندما تمتلئ معدتكَ. تذهب في رحلة استجمام. قد يحتجّ العالم المتحضّر على هذا القانون. لا تصدّقي. لو كان العالمُ كما يدّعي" متمدّناً" لما سمح بقتل إنسان . . .
عزيزي أشعرُ بالحاجة إلى التّعبد بطريقة جديدة، فما رأيته في حياتي لم يقنعني.
سأعملُ على إنشاء عقيدة للموتى!
يمكنكِ فعل ذلك. . .
ليكن معبدكِ بعيداً عن مكتبي القانوني. أنتِ مصابةٌ بعقدةِ الحيّاة. ترغبين أن يكون الموت مثلها، لم تتمكّني في الدنيا من إقناعهم بإيمانك. كفّروك لأنّك لم تقيمي الحدّ على نفسك، واكتفيت بالتّعزير. ليس عندي مركّب النّقص هذا لأجاملك به.
أخطأتَ فهمي. سأكتبُ حكاياتي على جدران المعبد. أرسمكَ تحت الخطوطِ الخضرِ من تلامذتي المخلصين. أحببتُ قراءة الكتب المقدّسة عندما كنتُ على قيدالحياة. آن الأوان لأصنعَ كتاباً لي، وأنا على قيد الموت . لم يعد عندي مشاغل كثيرة. ألا تعتبر ذلك أرشفةً؟
أين أنتِ؟
لم أعدْ أراكِ قربي.
سمعَ بعض الملائكة كلامي وأنا أهذي. هي أحلام موتي. تحدّثت عن معبد لي. عوقبتُ. تحولت إلى طائر يبحث عن الحبّ. لم يختلفِ الأمرُ كثيراً عن الحياة. سأبقى طوال موتي أجري. . .
أعتقدُ أن أكون حرّة مثل طائرِ أمراً ليس ببالغ السّوء
روحانياتُ عبوري . أسردها لكَ اليوم. قبل البدء بالطّيران وراء حبّة قمح. هو يشبه الرّكض وراء لقمة.
كلما بحثتُ عنّي، وجدتني في المكانِ الغيرِ مناسب.
أبحثُ عنه. أجده محلّقاً في كلّ الفضاءاتِ.
فكرة رائعةٌ تأتيني من الخيالِ: "العدالة"
أرغب في عدالةٍ لقضيّة المرأة!
لا أعرفُ ماهي قضيّتها؟
إحساسٌ بالظّلم : موجود
شعور بالتّهميش: موجود
بيت مزعزع الأركان: موجود، وبقوّة
شدّدت الرّحال. أسيرُ على خطّا الثورات. أنضمّ إلى صفوف الاشتراكية.
رائع هو الشّباب!
نضالٌ. حبٌّ. اختلاطٌ . نقاشٌ
كنتُ أفتقدُ هذا.
مراهقتي كانت متزامنةٌ مع ميلي لتلك الحكاياتِ.
اختبأتُ بها. لم أشّعرْ بالزّمن عندما مرّ
أكبرُ، يكبرُ المختبئ فيّ
كنتُ مغفّلة كبيرة، تعلّمت الدّرس.
مستاءةٌ من الأشخاص، والزعماء، وأسماء الحكايات
من الدّول التي تتبنى قضايا.
عند أوّل مفرقٍ للكذب. أسجل ملاحظتي، وأهربُ إلى العزلة.
لماذا فعلتُ هكذا بنفسي؟
رفاقي في أوجِ ازدهارهم. يجيدون تلميع الوجهِ، والحذاءِ، والشّعر.
معيشتهم تحسّنت. معيشتي ساءت.
حاربني الظّلم بأيديهم.
قرّرتُ العبور.
للعبورِ طقوسه. رأيتهم يعبرون إلى الطّائفة. القوميّة. كنّا معاً نمارس طقوس الاحتجاج ، والثورة. ذهب كلّ منا في طريق. في كلّ الطرقِ المؤدية إلى العدالة يوجد حارس للظلم.
وعلى مفارق طرقهم أقمت خيمة لروحانياتٍ من تأليفي. تعتمد الشّكلَ. لا تعود إلى الذّات، والفرح. لا تؤمنُ بالقوّة الداخليّة. قلبت روحانياتِ الفقر.
"الليبراليّة" ستكون هي الخطوة المقبلة . فقط عليّ أن أراقبها.
تبهرني. كلماتها جميلةٌ كقصيدة شعر: حريّة فكريّة . اقتصاد . سوق .
سأنثر كلّ أوراقي إلى الأعلى، وأركض جهتها .
على كلّ بوابة من أبوابها نخّاسٌ.اعتقدتُ أنّه تمثالا للحريّة.
دخلتُ إلى بعض مستعمراتها الضائعة.
يا للجمال!
أحلمُ بالرفاه. بالمجد. بالمال.بالنفوذ، وبالسّلطة.
آمنتُ بروحانياتهم. تخليتُ عن روحانياتي الثّائرة. تعوّدت على التّضرع ، والدّعاء.
النتيجة كانت مذهلّة. أصبحتٌ عبدا. دون أن أغيّر ألقابي " العظيمة "
ليكن مايكون. لن أتخلى عن هذا المجد.
لم أكن مراهقة في هذه المرّة. بل بعد منتصف العمر.
أسقطت كلمة الاقتصاد من مفاهيم الحريّة، فإذ بالسّوق يحاصرني. يبيعني مرّة إثر أخرى، وفي كلّ مرّة يتدنى سعري.
في آخر مرّة باعني إلى مجزرة. ذبحتُ فيها. تخاطرتْ روحي مع أرواح الفقراء في العالم. يريدون تغييره. صادفتُ أصدقائي يتسولون، وأبناء الغرب ينامون في الشّوارع.
عندما غادرتُ أماكني. بعد أن كفرتُ بالوطن، والاشتراكية. حلمت بقوس قزح.
عندما غادرت أماكنهم الفارغة سوى من الزّيف. بعد أن كفرت بصناديق الاقتراع والحريّة. حلمتُ برغيف خبز.
عدّت إلى توحّدي. أصبح لي روحانيات جديدة. هذه أيضاً من تأليفي وتلحيني. سيمفونيّة تغنيها الأرواح التي تنشد العدل.
أمارسُ طقوسي على ناصيّة قريبةٍ من قبورٍ مجهولةٍ.
أعلن انتمائي إلى ذلك المجهولُ الذي يفرش أمامي بساطه الأحمر.
أنظر إلى نفسي في مرآة العدالةِ
تتهمني المرآة بالزيف
نصفي مأكول من قبل العبث
والنصف الآخر يلوكه لسان "البعبع" من خلف شاشة صغيرة أو كبيرة
روحي تسافر إلى الحريّة. تطرد من فردوسها المفقود. تعود إلى روحانياتها الحقيقيّة، فتغطس في حمام الدّم . جسدي يتعبدّ في محرابٍ يخصّ صعلوكاً.
السّياف يلوّح لي. النّخاس يدير ظهره، ورفاقي يتبادلون أزواجهم خلال الرحلة
أبواب الحريّة مشرّعة تنادي. ليس أمامها ازدحام. ترسل من يطلبها فوراً إلى الجنة . يصبح لا جئاً وريثما يأخذ الإقامة هناك. يعاني الكثير . يتمنى لو يستطيع العودة، لكن هيهات!
لم أفهم شيئاً مما قلتِ!
أرشفتُ أوّل طريقٍ لعبورنا من الظّلم إلى الظلم.كتبته على الصفحة الأولى من تاريخ بلادي. أحبّ هذا العمل.
مستمرّةٌ في أرشفةِ حكاياتِ العبورِ.
العمل مثيرٌ. أدوّنه على جدران معبدٍ. للقادمين. للعابرين.
ولكلّ الموتى الذين يؤمنون بالحياة
يسجلون أمانيهم على بوابة معبدعلى قارعة الموت يؤرشف الحياة
هو تاريخ مدينتي. قريتي، وحقلي الذي حلمت أن أزرع فيه أشجاراً مسحورةً قادمة من الأساطير .
السعادةُ تغمرني. لو عملتُ هذا العملُ في حياتي، وعرضته على عليّة القوم من أجل إظهار وجههم اللامع، ومحو آثار العجز من سيرتهم. لربحت كثيراً. السّوق هو الحاكم لكلّ الأمور. من لا يأتي بنسبة مقبولة من المال. يرسلُ بطريقةٍ،أو بأخرى إليّ. يدوّن حكاية صحيحة يؤرشفها على جدران معبدي،
وتستمرُّ الحياة
ويستمرُّ الموتُ
ويستمرُ الظّلم
ونولدُ من جديدٍ. نحملُ مافاتنا من أمنيات. . .
. . . . . .
شرمولا : تل أثري قرب مقبرة عامودة
08-أيار-2021
04-تموز-2020 | |
19-كانون الثاني-2019 | |
10-كانون الأول-2015 | |
19-تشرين الثاني-2015 | |
05-تشرين الأول-2015 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |