طوبى لعبدٍ صام لله عن ... مطعومه شهراً ومشروبهِ
وصانَ عن قول الخنا صومه ... ولم يَشُبْهُ بأكاذيبهِ
والتمسَ الأجر على صومه ... من ربِّه في تركِ محبوبهِ
فالصَّوم لله كما صحَّ عن ... نبيِّه والله يجزي بهِ
وقال آخر:
شهرُ الصّيام سيِّدُ الشُّهورِ ... كما أتى في الأثر المشهور
ولم يزل في سالف الدّهور ... محترماً ذا بهجة ونور
فيه كما في الخبر المذكور ... نُزِّل بالتوراة يوم الطُّور
والذّكر والإنجيل والزّبور ... فاستكثروا فيه من القصور
في جنَّة الخلد بلا قُصور ... واجتنبوا اللَّغوَ وقول الزُّور
وانتبهوا للعرض والنشور ... قبل حلول ظلمة القبور
وقال آخر:
شهر الصّيام مباركٌ قد خصّه ... ذو الطّول فيه بفضلهِ واختارهُ
ولستُ أعدِلُ عن قومٍ وإن عدَلوا ... عنّي وشرُّ فريق الحيّ عادلهُ
وإنَّما عدلُهم عنّي لجهلهم ... وفي الحديث عدوُّ الشيء جاهلهُ
وقال أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف الكاتب البغدادي:
أتيهُ على الخليفة في نواله ... ويمنعني التعفّفُ عن سؤالهْ
واعلم أنّ رزقَ المرءِ يأتي ... كما تأتي المنيّة لاغتيالهْ
وقال الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي البوشنحي الشافعي:
إنْ شئت عيشاً طيباً ... صفواً بلا مُنازع
فاقنع بما أُوتيته ... فالعيش عيشُ القانعِ
وقال هبة الله علي بن عرام:
إذا حصل القوت فاقنع به ... فإنّ القناعة للمرء كنزُ
ومَا الضايِعُ والهايِعُ واللايِعُ والأعْلَمْ
ومَا الدَأدَا ومَا النَأنَا ... ومَا الظَأظَا ومَا الأجْذَمْ
ومَا الدَرْدَقُ والخِرْنِقُ والنِقْنِقُ والهَيْثَمْ
ومَا الأغْيَدُ والأدْرَ ... دُ والجَلْعَدُ والهَرْثَمْ
ومَا الصَلْصَالُ والسَلْسا ... لُ والشِمْلالُ والمُفْعَمْ
ومَا اللُؤمُ ومَا التُؤْمُ ... ومَا البُومُ ومَا الشَيهَمْ
ومَا العَيهَلُ والقَنْبَلُ والصِئْبِلُ والسِلْتِمْ
ومَا القَحْمُ ومَا الرَقْمُ ... ومَا الوَغْمُ ومَا الضَيْغَمْ
ومَا القَرْمَدُ والجَلْمَدُ والمِسْرَدُ والِلهْزِمْ
ومَا النَفْنَفُ والصَفْصَفُ والحَرْجَفُ والصَيْلَمْ
ومَا القَسْطَلُ والعَيْطَلُ والغَيْطَلُ والعَنْدَمْ
ومَا الجَثْجَثُ والكَثْكَثُ والعَثْعَثُ والأبْلَمْ
تُعيِّرني أمّي رجالٌ ولنْ تَرى ... أخَا كرَمٍ إلَّا بانْ يتكَرَّما
وَمَنْ يَكُ ذا عِرْضٍ كريمٍ فلَمْ يصُنْ ... لهُ حسَباً كانَ اللَئيمَ المُذَمَّما
وهلْ ليَ أمٌّ غيْرُها إنْ ترَكْتُها ... أبى اللهُ إلَّا أنْ أكُونَ لها ابْنَما
أَحارِثُ أنَّا لوْ تُساطُ دِماؤُنا ... تزايَلْنَ حَتَّى لا يَمَسَّ دمٌ دمَاً
أمُنْتقِلاً منْ نصْرٍ بُهْثَةَ خلْتَني ... إلاَّ إنَّني منْهُمْ وإنْ كنْتُ أيْنَمَا
إلَا إنَّنَي منْهُمْ وعِرْضيَ عرْضُهُمْ ... كَذى الأنْفِ يَحْمي أنْفَهُ أنْ يُصَلَّما
لذي الحِلْمِ قبْلَ اليْومِ ما تُقْرَعُ العصَا ... وما عُلِّم الإنسانُ إلَّا ليَعْلَما
فإنَّ نِصابي إنْ سأَلْتَ ومَنْصبي ... منَ الناسِ قوْمٌ يفْتِنُونَ المُزَنَّما
وكُنَّا إذَا الجبَّارُ صعَّرَ خدَّهُ ... أقمْنا لهُ منْ ميْلِهِ فتقَوَّما
قال
المُنَخَّلُ بن عامر
بن ربيعة بن عمرو اليَشْكُرِيّ
إنْ كُنْتِ عاذِلَتِي فَسيرِي ... نَحوَ العراقِ وَلا تَحُورِي
لا تَسأَلِي عن جُلِّ مَا ... لي وأنظُري حَسبِي وَخِيرِي
وإذَا الرياحُ تكمَّشَتْ ... بجوانِبِ البيتِ الكبيرِ
ألفيتَنِي هشَّ النَدَى ... تشريحَ قِدحِي أوْ شَجِيْرِي
وفوارسٍ كَأَوَارِ ... حَرِّ النَّارِ أحلاسِ الذُكُورِ
شدُّوا دوابرَ بَيضِهِمْ ... في كُلِّ مُحكَمَةِ القتيرِ
وأستلأموا وتلبَّبُوا ... إنَّ التلبٌّبَ للمغيرِ
وعَلَى الجيادِ المُسبَغَا ... تِ فوارسٌ مِثلُ الصُقُورِ
أبُلِغْ أبَا حُمْرانَ أَنَّ عَشِيرَتي ... ناجَوْا ولِلقَومِ المُناجينَ التِوا
باعُوا جَوَادَهُمُ لِتَسْمَنَ أُمُّهُمْ ... ولِكي يَعُودَ عَلىْ فِرَاشِهِمُ فَتَى
عِلْجٌ إذا مَا بَزَّ عَنهَا ثَوبَها ... وتَخامَصَتْ قالَتْ لَهُ مَاذَا تَرَى
لكِنْ قَعِيدَةُ بَيتِنَا مَجْفُوَّةٌ ... بادٍ جَناجِنُ صَدْرِها وَلَهَا غُنَى
تُقفي بِغَيْبةِ أَهْلِها وَثّابَةً ... أوْ جُرْشُعاً عَبْلَ المَحَازِمِ والشَوَى
ولقَدْ عَلِمْتُ عَلَى تَجَشُّمي الرَدَى ... أنَّ الحُصُونَ الخَيْلُ لا مَدَرُ القُرَى
رَاحُوا بَصَائِرُهُمْ عَلى أكْتَافِهِمْ ... وبَصِيرَتي يَغْدُو بِهَا عَتَدٌ وَأَي
نَهْدُ المَرَاكِلِ مُدْمَجٌ أرْساغُهُ ... عَبْلُ المَعَاقِمِ ما يُبالي ما أَتى
أَمَا إِذَا اسْتَقبَلتَهُ فَكَأَنَّهُ ... بازٌ يُكَفْكَفُ أَنْ يَطِيرَ وقدْ رَأَى
وإِذِا هُوَ اسْتَدْبَرْتَهُ فَتَسُوقُهُ ... رِجْلٌ قَمُوصُ الوَقْعِ عارِيَةُ النَسَا
وإذِا هُوَ اسْتَعْرَضْتُهُ مُتَمَطِراً ... فَتَقُولُ هَذَا مِثْلُ سِرْحانِ الغَضَا
إنّي رَأيْتُ الخَيْلَ عزَّاً ظاهراً ... تُنجي مِنَ الغُمَّى ويَكشِفْنَ الدُجَى
وفيها، توفي الأمير شرف الدين علي بن الأمير جمال الدين قشتمر، امه ايران خاتون ابنة أبي طاهر ملك المر، كان قد مرض وشفي وركب وخلع على الطبيب، فلما نزل، عرض له ألم في فؤاده واعقال طبع، فمات وكان شاباً جميلاً كريماً شجاعاً، قد أمر وأضيف إليه عدة من المماليك ورفع وراءه سيفان وتوفر اقطاعه، فاخترمته المنية في عنفوان شبابه، ودفن عند والدته بمشهد الحسين عليه السلام، واستدعي جمال الدين قشتمر إلى دار الوزارة، ومعه ولده مظفر الدين محمد وولده شرف الدين علي المتوفي، وهو فخر الدين مغدي فخلع على مظفر الدين وجعل أميراً على مائة فارس وعمره يومئذ ثلاث عشرة سنة، وخلع على فخر الدين مغدي وجعل أميراٍ على عدة خمسين فارساً، وعمره يومئذ خمس سنين، ثم خلع على الأمير جمال الدين قشتمر، كل ذلك جبراً لقلبه، من فجعته بولده.
وفي سلخ ربيع الأول، وصل الأمير ركن الدين اسماعيل بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل إلى بغداد وخرج إلى لقائه النقيب الطاهر الحسين بن الاقساسي وخادمان من خدم الخليفة وموكب الديوان فلقيه بظاهر البلد ودخل معه إلى باب النوبي فقبل العتلة ودخل إلى نصير الدين نائب الوزارة فأكرمه وخلع عليه قباءا أطلس وسربوش شاهي وقدم له فرساً بعدة كاملة وأسكن دار الأمير علي بن سنقر الطويل بدرب فراشا وأسكن الأمراء الذين كانوا صحبته في دور، وبعد أيام قصد زيارة أخته زوجة الأمير علاء الدين أبي شجاع الطبرسي الدويدار فعمل له دعوة جميلة عمت جميع أصحابه وخلع عليه وأعطاه أحد عشر رأساً من الخيل العربيات وعشر جون فيها من أنواع الثياب وخمسة آلاف دينار وخلع على جميع أصحابه واتباعه ومماليكه.
وفي ثالث شوال، توجه شرف الدين أبو الفضائل أقبال الشرابي بالعسكر فوصلوا في ثالث عشر شوال، وكان في القلعة خادمان أحدهما اسمه برنقش والآخر اسمه خالص، كانا قد كتبا إلى الخليفة وإلى عماد الدين زنكي صهر مظفر الدين والي بني أيوب حيث ثقل مظفر الدين في المرض يعرفانهم ذلك وقالا: من سبق إلينا كانت منتنا عليه. وكتبا إلى الملك الصالح أيوب بن الكامل أبي المعالي محمد يعلمانه بموته ويحثانه على المجيء فلما شاهدا عساكر الخليفة سقط في أيديهما وعلما أنه قد انتهى إلى الخليفة ما فعلا فامتنعا من فتح البلد فلما رأى الشرابي أنهم أغلقوا أبواب المدينة دونه، استدعى الأمير جمال الدين قشتمر وقال له: ما لهذا الأمر سؤال وإذا فعلت شيئاً لا يسع غيرك إلا موافقتك فركب في الحال من غير استراحة ودار ليله أجمع حول البلد وهم على السور، بالاضواء والطبول ثم قسم أبواب البلد على الأمراء وضرب هو خيمة مقابل باب عمكا واللونه أعظم الأبواب وأكثر المقاتلة هناك،
في المحرم، وصل إلى بغداد مظفر الدين أبو سعيد كوكبري بن زين الدين علي كوجك صاحب أربل، ولم يكن قدم بغداد قبل ذلك، وكان معه محي الدين يوسف بن الجوزي، وسعد الدين حسن ابن الحاجب علي، وكانا قد توجها إليه في السنة الخالية فخرج إلى لقائه فخر الدين أحمد بن مؤيد الدين القمي نائب الوزارة، والأمراء كافة والقضاء والمدرسون وجميع أرباب المناصب، فلقوه على نحو من فرسخ، ولقيه فخر الدين بن القمى بظاهر السور واعتنقا راكبين ثم نزلا، فقال له فخر الدين لما انتهى إلى مقار العز والجلال ومعدن الرحمة والكرم والافضال: لا زالت الأبواب الشريفة ملجأ للقاصدين، والاعتاب المنيفة منهلاً للواردين، وصولك يامظفر الدين رسم أعلى المراسم الشريفة وأسماها، وأنفذ أوامرها في مشارق الأرض ومغاربها وأمضاها، قصدك وتلقيك وأحماد مساعيك أكراماً لك