نهج النظرة الارتيابية
فليس بالضرورة أن تكون النظرة الارتيابية هي الأساس، والبحث خلف ديانة كل فنان وكأنها سُبّة، خاصة وأن لليهود في مصر تاريخا طويلا، وقد عاشوا ضمن النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المصري، قبل فكرة الدولة الإسرائيلية، وليس كل يهودي صهيوني، وهو أمر بدهي، كما ليس كل مسلم إرهابي، إن أردنا انتهاج وجهة النظر نفسها.
لم يكن لأوائل الشعراء إلا الأبيات القليلة يقولها الرجل عند حدوث الحاجة. فمن قديم الشعر قول دريد بن نهد القضاعي:
اليَوْمَ يُبْنَى لِدُوَيْدٍ بَيْتُهُ ... لَوْ كان للدَّهْرِ بِلًى أَبْلَيْتُهُ
أَوْ كان قِرْنى واحداً كَفَيْتُهُ ... يا رُبَّ نَهْبٍ صالِحٍ حَوَيْتُهُ
ورُبَّ عَبْل خَشِن لَوَيْتُهُ
وقال الآخر:
أَلْقَى عَلَىَّ الدَّهْرُ رِجْلاً ويَدَا ... والدَّهْرُ ما أَصْلَحَ يوْماً أَفْسَدَا
يُصْلجْهُ اليومَ ويُفْسِدُه غَدَا
ووحكى أنه كان رجل جندى وكان شديد الغفلة لكثرة الأكل من مخ الحمار وكان متزوجاً بأمرأة صغيرة بعمر أولاده لكنها ذات حسن وجمال وقد وإعتدال كأنها الشمس الضاحية وكان الجندى مغرما بها وكانت ألته صغيرة جداً مسترخياً وكان فى دار الجندى رواق به شباك يطل الأصطبل فقعدت المرأة يوماً من الأيام أمام الشباك فرأت حصان الجندى وقد ارخى زبه والغلام يعلفه فقالت المرأة ياسعادة التى يركب عليها هذا الحصان لأنها تستلذ بهذا الزب الكبير المليج وكان الغلام اسمه زعير وكان ممن اعطى حظاً وافراً من كبر الزب فسمعها الغلام لما حكت ماتقدم من الكلام فقام زبه فرفع عن ثيابه فبان له زب قدر ثلثى الذراع
ملتهب الأحشاء يحسب ليلة ... أبداً دخاناً والنجوم شرارا
" القاضي عبد الوهاب " : له في المرقص:
يزرع ورد ناضراً ناظري ... في صفحة كالقمر الطالع
فلم منعتم شفتي قطفها ... والحكم أن الزرع للزارع
" أبو محمد الخفاجي " : له في المرقص:
ملك الزمان بأسره فنهاره ... في وجه وظلامه في شعره
" أبو الحسن بن دويرة المعري " : له في المرقص:
جنبوا الجياد إلى المطي فغادروا ... بالبيد سطراً من حروف المعجم
فترى به عيناً يوطئه حافر ... وترى به هاء بوطئه منسم
أسائلكم: هل يقتل الرجل الحب؟
قال: صدقت، فهل تعرف أنت الآن بيتاً أوله أكثم بن صيفي في إصالة الرأي ونبل العظة، وآخره إبقراط في معرفته بالداء والدواء؟ قال المفضل: قد هولت علي، فليت شعري بأي مهرٍ تفترع عروس هذا الخدر؟ قال: بإصغائك وإنصافك، وهو قول الحسن بن هاني:
دَعْ عَنْكَ لَوْمي فَإنَّ اللَّوْمَ إِغْرَاءُ ... وَدَاوِني بالتي كانَتْ هِي الدَّاءُ
وتناقض رابع في حياة الرجل لا ينساه التاريخ فالرجل الذي يدعي أنه جاء لحماية الإسلام يتعاون مع أعداء الإسلام الحقيقيين وهو على أحسن العلاقات وأتمها من الاتحاد السوفيتي في حين أن أن الحرب سجال بين الإسلام والإلحاد في أفغانستان، ومئات الآلاف من المسلمين قتلوا ويقتلون على يد الجيش الأحمر بقنابل النابالم وبلغت الوقاحة إلى الشيخ الرفنسجاني رئيس مجلس الشورى أنه منع من الكلام واحد النواب الذي كان يريد الهجوم على الاتحاد السوفيتي بسبب الحرب التي يخوضها ضد الشعب الأفغاني الأمن ، وقال له تريد أن تفسد علاقتنا الحسنة مع الاتحاد السوفياتي، والخميني نفسه الذي يهجم دوما على البلاد الإسلامية وزعماء المسلمين ويحارب الجار الشقيق المسلم العراق ساكت على ما يجري في أفغانستان من إراقة الدماء ولم يذكر الاتحاد السوفياتي إلى الآن بكلمة غير سليمة .
لا غربان هنا، خلال وجودي لم ألحظ غراباً يحلّق في البعيد أو القريب، أو يلتف على جيفة يولول ويتغذى، كما في مدن وقرى السواحل والسفوح حيث أقضي وقتاً أراقب الغربان وهي تبني أعشاشها على ذُرى الأشجار العالية مثل الغاف والسُمر، دائما ذكراً وأنثى في العش، أو يحومان قريبا منه.. هذه الصداقة حدَّ التوّحد، من صميم السلوك الغرابي. حيث يظل الذكر والأنثى متلازمين حتى النهاية.. يشارك الغراب، في سمو هذه العاطفة العميقة، حسب (خبراء هذا المجال) اللقلق الياباني وكذلك البطريق الامبراطوري في تلك الأصقاع الجليديّة، فحتى لو مات أحد الزوجين يظلَّ الآخر عازباً حتى يلحق بقرينه.
لاتنكحن عجوزاً إن ظفرت بها ولو حبوك على تزويجها ذهبــــاً
فإن اتوك وقالوا انها نصف فإن حسن نصفيها الذى ذهبـــــــــا
ومنهن العجوز التى اشتعل شيبها وذهب شمم بدنها وانقطع حيلها وانضم كسها واندك ركنها وتلاشى شعرها وصار شفراها كأنهما ملتحمان لانضمامهما وقلة لحمهما فإذا نيكت انعكفا مع الأير إلى داخلاالفرج والأليق نيكها ان يكون كلبس الجورب وهو أن يلقها على ظهرها ويجلس على رجلها ويضع ايره بين شفرتها ويأخذها بيديه كل واحد منهما بجانب السياية وباطن الإبهام
يرى الحجري أن القصة القصيرة بالمغرب ‘موجة جارفة من التغيرات والتحولات العارمة، التي بدأت تجتاح مساكنها مع هبوب جيل من القصاصين لا يؤمن بالساكن والثابت في كل شيء، جيل جُبِل على العصف الجارف والتمرد الثائر على كل الأشكال والقوالب، جيل يشبه العاصفة المفاجئة، جيل إعصاري لا يؤمن سوى بالتبدل لأنه يعيش عصره الممهور بالثورات الذهنية والتكنولوجية، جيل لا يعتمد إلا على الذات ليصنع ذاته الممزقة بين ماضٍ ثابت وآتٍ متحول قاهر لا يرحم’ (ص. 69). وفي هذا الصدد يدرج الناقد تجربة كل من أنيس الرافعي ومحمد تنفو وسعيد منتسب وجمال بوطيب ومحمد اشويكة وسعدون عبد الهادي وشكيب عبد الحميد وأحمد شكر…
وما يثير سؤالا نقديا حارقا في الحقيقة تلك النهاية التي اختتم الشاعر بها قصيدته الطويلة التي بللها في بركة دم قانية، حيث يقول في السطر الأخير منها على غير المتوقع: ‘أنا لا أكتب قصيدة لكنني أشم القميص لأبصر’، حيث التناص صريح مع الآية الشهيرة من سورة النبي يوسف’ اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا’. لقد نثر الشاعر قمصان السورة الثلاثة (قميص الجريمة قميص اللذة قميص الشفاء) فاختار طوال القصيدة قميص الجريمة المخثر بدماء الأبرياء واستدعى في آخر الأمر قميص الشفاء ليجعله رديفا للإبداع الشعري.