إذا أراد أمرؤ مكراً خبا عللا ... وظل يضرب أخماساً لأسداس
وقال: وأنشد ابن الأعرابي:
وذلك ضرب أخماس أراه ... لأسداس عسى ألا تكونا
وقال: هؤلاء قوم كانوا في إبل لأبيهم عزاباً، فكانوا يقولون للربع من الإبل الخمس وللخمس السدس، فقال أبوهم: إنما تقولون هذا لترجعوا إلى أهلكم. فصارت مثلاً في كل مكر.
وأخرى تقطع الزرد
وطعن رجل من أجنادنا كردي يقال له مياح فارساً من الإفرنج ادخل قطعه من الزرد في جوفه وقتله.ثم ان الإفرنج غاروا علينا بعد أيام، ومياح قد تزوج وخرج وهو لابس وفوق درعه ثوب احمر من ثياب العروس قد تشهر به فطعنه فارس من الإفرنج فقتله رحمه الله .يا قرب مأتمه من العرس فذكرت به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد انشد قول قيس بن الخطيم
أجا لدهم يوم الحفيظة حاسراً ... كان يدي بالسيف مخراق لاعب
الإجهاز على أسرة الخليفة
ونحن في الرواق جلوس، وفي القصر أكثر من ألف رجل من المصرين فما راعنا الأفواج قد خرج من المجلس إلى القاعة، وصوت السيوف على إنسان . فقلت لغلام لي ارمني " ابصر من هذا المقتول " . فمضى ثم عاد وقال " ما هؤلاء مسلمون ! هذا مولاي أبو الأمانة (يعني الأمير جبريل) قد قتلوه، وواحد قد شق بطنه يجذب مصارينه " . ثم خرج عباس وقد اخذ راس الأمير يوسف تحت إبطه ورأسه مكشوف، وقد ضربه بسيف والدم يفور منه وأبو البقى ابن أخيه مع نصر بن عباس فادخلوهما في خزانه في القصر وقتلوهما، وفي القصر ألف سيف مجردة.وكان ذلك اليوم من أشد الأيام التي مرت بي، لما جرى فيه من البغي القبيح الذي ينكره الله تعالى وجميع الخلق .
قال أبو الريّان: وهذه الجملة التي أثبت لك فيها ما دخل على الشعراء المجيدين من التقصير والغفلة والغلط وغير ذلك، كافية ومغنية عن إيراد سوى ذلك؛ وإن لقيتها بجودة بحث وصحة قياس، ولم تحتج إلى كشف عيوب أشعار الناس.
ولعل قائلاً يقول: مال على هؤلاء وترك سواهم لميله على من بكت، ولتفضيله من عنه سكت. فقل لمن قال ذلك الأمر: على خلاف ما ظننت لم أذكر إلا الأفضل فالأفضل، والأشهر فالأشهر، إذ كانت أشعارهم هي المروية، فالحجة بهم وعليهم هي القوية؛ فقد نقلته على من ميلى عليهم، إلى ميلى الحق إليهم.
قال أبو الريان: فأما نقد المستحسن فتمثيله لك يعظم ويتسع لكثرته، فلا يسعنا ايراده ولكن ما سلم من جميع ما أوردناه فهو في حيز السالم، ثم تتسع طبقات الجودة فيه، وأحسن منه ما اعتدل مبناه، وأغرب معناه، وزاد في محمودات الشعر على سواه، ثم يمدح الأدون فالأدون، بمقدار انحطاطه إلى حيز السلامة، ثم لا مدح ولا كرامة.
فأتى بكثير كلام لا يفيد إلا قليل معنى. وذلك القليل لا غريب ولا عجيب، وهو كله ذكر فراق. ثم رجع إلى أن )هِرّ( فقيمةٌ تصيد قلبه وقلب غيره، فأبطل بإقامتها كل ما قال من أخبار الفراق ونقضه، وجعل بكاءه المتقدم لغير شيء. ثم قال: وأفلت منها ابن عمرو حجر فحسن عنده أن يخبر أن الناس قد صادت هر قلوب جميعهم إلا قلب حجر أبيه. وهذا من الأحاديث الركيكة، والأخبار التي ما بأحد حاجة إليها. ومع هذا فقد أورد أصحاب الأخبار أن (هر) هذه كانت زوجة أبيه حجر، فانظر ما في جملة هذه الأبيات من الركاكات، وقلة الإفادات؛ فإنها لا تفيد قلامة، ولا تهز ثمامة. ولسنا ننكر بهذه العيوب ونزارتها، ما أقررنا له به من الفضائل وندارتها؛ وستجد من لا يصدق معاصرا، ولا يصدق على متقادم متأخرا؛ يبنى على ضعف أسه، ويفديه من الجهل والعيب بنفسه. فإذا اعترضك من هذا النمط متعرض، فأعرض عنه ودعه على أخلاقه، مستمتعاً بخلاقه، واتبع المسلك الذي أوضحته لك.
فإنه قال نظمت للسلطان أسعده الله وأنا بمدينة سلا لما انفصل طالبا حقه بالأندلس قصيدة كان صنع الله مطابقا لاستهلالها ووجهت بها إلى رندة قبل الفتح ثم لما قدمت أنشدتها بين يديه بعد الفتح وفاء بنذري وسميتها الفتح الغريب في الفتح القريب منها
فإذا استحالت حالة وتبدلت ... فالله عز و جل لا يتبدل
واليسر بعد العسر موعود به ... والصبر بالفرج القريب موكل
والمستعد بما يؤمل ظافر ... وكفاك شاهد قيدوا وتوكلوا
ومنها
محمد والحمد منك سجية ... بحليها بين الورى يتجمل
أما سعودك فهو دون منازع ... عقد بأحكام القضاء يسجل
ولك السجايا الغر والشيم التي ... بغريبها يتمثل المتمثل
ولك الوقار إذا نزلت على الربا ... وهفت من الروع الهضاب المثل
ومنها
عوذ كمالك ما استطعت فإنه ... قد تنقص الأشياء مما تكمل
تاب الزمان إليك مما قد جنى ... والله يأمر بالمتاب ويقبل
إن كان ماض من زمانك قد مضى ... بإساءة قد سرك المستقبل
هذا بذاك فشفع الثاني الذي ... أرضاك فيما قد جناه الأول
والله قد ولاك أمر عباده ... لما ارتضاك ولاية لا تعزل
( لك أن تشوقني إلى الأوطان ... وعلي أن أبكي بدمع قان (
والآراء على هذا النوع تستحسن هنا مطلع ناصر الدين بن النقيب فإنه أعدل شاهد مقبول والتشبيب بنفسه الطيب يغني في هذه الحضرة عن الموصول وهو
( قلدت يوم البين جيد مودعي ... دررا نظمت عقودها من أدمعي (
وبالنسبة إلى حسن الابتداءات مطلع الشيخ برهان الدين القيراطي مع حسنه وبهجته فيه نقص وهو
( قسما بروضة خدها ونباتها ... وبآسها المخضل في جنباتها (
فإنه لم يأت بجواب القسم ولا ما يحسن السكوت على مطلعه ولا تتم الفائدة إلا به
ومشايخ البديع قرروا أن لا يكون المطلع متعلقا بما بعده في حسن الابتداء
وقد آن أن أحبس عنان القلم فإن الشرح قد طال ولم أطله إلا ليزداد الطالب إيضاحا ويداوي علل فهمه بحكم المتقدمين ويتنزه في رياض الأدب على النبات الغض من نظم المتأخرين.
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن الغوث بن قطن كان وصى ابنه وائل بن الغوث، فقال له: يا بني، إن الملك دار بناها الله لأسلافك، فعمروها بالعدل والإحسان، فكانت الروائح إليها تروح، والسوام منها تسرح، كذلك ورثتها عمن قبلي، وكذلك أخلفها لك، فعليك بعمارتها كما كان يعمرها من أسلافك. واعلم أن الدار دار بنيت لها، مبنية حيطانها، ومشيدة أركانها. وما لم يقع فيها أو في شيء من بنيانها ثلمة، فإن الثلمة تتبعها مثلها، ولا يستقر إلا في حجرتها.
المغلبون من الشعراء ثلاثة
المغلبون من الشعراء ثلاثة: نابغة بنى جعدة غلبه أوس بن مغراء القريعي. وقال آخرون: بل غلبته ليلى الأخيلية حتى قالت له:
أنابغ إن تنبغ بلؤمك لا تجد ... للؤمك إلا وسط جعدة مجعلا
وتميم بن مقبل غلبه النجاشي في قوله:
إذا الله عادى أهل لؤم ودقة ... فعادى بني العجلان رهط ابن مقبل
والثالث راعى الإبل غلبه جرير في قوله:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
فهؤلاء المغلبون كانوا يجيبون فيغلبهم من ليس مثلهم في عظم الشعر: يريد أفضل الشعر.
قد أحلت له الضرورة ما حرم الله عليه ، قد حصل على أشد إضافة ، وتكشفت عن أقبح فاقة ، قد تناهت حاله في الانتشار والرزاحة إلى التكشف عن دار بلقع ، وفقر مدقع . انتقل من سلخ جلد إلى تعرق لحم ، ومن رض عظم إلى انتقاء مخ . فلان حي كميت ، وفي بيت بلا بيت . ليس معه عقد ، على نقد . يخرج خروج الحية من جحره ، والطائر من وكره . حاله حال السليم مله عواده ، والغريق أسلمته أعواده . هو بين أنياب الدهر تحطمه بصريفها ، وتعتوره بصروفها ، ويده صفر ، ومنزله قفر ، وغداؤه الخوى ، وعشاؤه الطوى ، ورطاؤه الغبراء ، وغطاؤه الخضراء ، وإدامه التشهي ، وطعامه التمني ، وفراشه المدر ، ووساده الحجر . ثوبه جلده ، ومركوبه رجله . خصيب العين . جديب البطن ، واسع المنى . ضيق الغنى ، أفرغ بيتاً من فؤاد أم موسى .