Alef Logo
ابداعات
              

هذا ماجرى في صالون الحلاقة

أمجد ريان

2006-09-24

خاص ألف
لا أعلم لماذا فى
بدأت الماكينةُ تلعبُ فى أصابعِ الحلاق ، بدأ يدورُ على الزَغَبِ المطلِّ من الأذنين ، لقد تقدَّم بى الزمنُ بالفعلِ ، وكان الحزامُ الجلدىُّ هائلاً فى اتساعِهِ فوق هذا البطنِ المترهّلِ المتدلى لأسفل .
مدَّ الحلاقُ أصبعَه ليفتحَ المذياعَ مقلّباً بين جميعِ المحطّاتِ الإذاعيّةِ فى سرعـة ، وتأفف : أما أخبارُ الطَّقس .. فقد أعلن متحدثٌ عسكرىٌّ أن الميليشياتِ قد فقدت نصفَ طاقتِها فى الهجومِ على .. صينيةِ البطاطسِ باللّحم ، والحُلْو تورتةُ الأناناس .. ولكن هاهى الوزاراتُ المسئولة تجتمع فى .. البى بى سى "ترحبوا" بكم على موجاتِنا الخاصة ، وظلت أصابعُ الحلاّقِ تلتوى حتى توقَّف عند محطةِ الموسيقى الغربية ، كانت موسيقى "الجيرك" تصدح ، فرفع الحلاقُ ذراعَه ممسكاً بماكينةِ الحلاقةِ لأعلى ، وبدأ الرقصُ على نغماتِ "الجيرك" ، انتصب الزبائنُ واقفين ، وبدأو يرقصون "الجيرك" ، وكان لابد لى من أن أنزلَ على الفورِ من على المِقعدِ المتّسِعِ الدَّوارِ ، لأشارك الجميعَ ، وأخذتُ أتمايلُ بقوةٍ على أنغامِ "الجيرك" حتى أن الفوطةَ التى على صدرى بدأت ترفرفُ بقوةٍ فى جميعِ الاتجاهات ، وتتصاعدُ لأعلى ، ما أحلى رقصة "الجيرك" ، وما أجمل زبائن محلِّ الحلاقة ، وهم يرقصون كل هذا الرقصِ العنيف ، بقيادةِ الحلاّق الوسيم ، بدأ المارّةُ فى الطريقِ يلحظون هذا الحفلَ المفاجئ ، فبدأو ينضمون لنا ، وبدأت حلقاتُ الرقصِ تتداخلُ وتتّسعُ حتى تمتدَ للشارعِ العريض ، لقد توقّفَت السيارات ، وإنها لحلقات الرقص العنيف : جيرك شعبى عاصف ، جيرك لا يُبقى ولا يذر ، لقد بدأنا نلهثُ بقوة ، والرقصُ دوامةٌ حقيقيّة ، نُبدّلُ الشهيقَ والزفيرَ بعنف ، والعرقُ يتصبَّبُ على الجباهِ والأجسادِ ، حتى بدأنا نتساقطُ فوق الأرضِ واحداً بعد الآخر ، حتى كان مصيرُنا جميعاً الجلوسَ غير منتظمين على الأرضِ : بعضُنا أخذ وضعَ القرفصاء ، وبعضُنا أخذ وضعَ التمدّدِ الطولىّ ، وبعضنا أخذ وضعَ نومةِ الشاطئ ، حيث ينامُ على جنبِهِ واضعاً رأسَهُ على كفِّهِ متكئاً على الساعدِ المرفوع .
صرنا كلُّنا على الأرضِ نبحثُ عن الهدوءِ ، وكانت الأرضيّةُ مغطاةً بالشَّعْرِ الكثيفِ المتساقطِ من حلاقةِ عشراتِ الزبائن ، شعرٍ كثيفٍ مختلطٍ : شعرٍ ناعم ، وشعرٍ أكرت ، شعرٍ أبيض ، وشعرٍ رمادى ، غابةٌ من الشَّعْرِ سقطْنا فيها ، امتدت أصابعُنا فى لحظاتِ الهدوءِ والراحة ، امتدت أصابعُنا إلى الشَّعْرِ لكى نشكّلَهُ فى رسومٍ جميلة : بعضُ الزبائنِ شكَّل ببقايا الشَّعْرِ مجسماتٍ للأزهـارِ والطيور ، وبعضُ الزبائنِ شكّل ببقايا الشَّعْرِ مجسماتٍ للنجومِ المبعثرة ، أما أنا فلأننى متفلسفٌ بعضَ الشىء ، فقد رسمتُ ببقايا الشَّعْرِ خريطةَ الوطنِ العربى ، فى منتصفِها رسمتُ البحرَ الأحمر ، وكان على أن أكوّمَ الشَّعْرَ فى صورةِ فرعين كبيرين فى أعلى البحرِ الأحمر ، ثم بدأتُ أكوّنُ شكلَ الجبالِ والوهادِ والأمصار ، وضعتُ أكواماً عالية من الشَّعْرِ لأشكّلَ العماراتِ شديدةَ الارتفاع ، وبجوارِها كوَّنتُ القصورَ والفللَ صامدةً فوق الخراباتِ والمخيماتِ والملاجئ ، لقد عبثتْ أصابعُنا طويلاً فى بقايا الشَّعْرِ الملقـاةِ على الأرض ، لقد شكَّلْنا كلَّ ما نعرف ، ولم يبق سوى أن ندمِّرَ كلَّ ما شكَّلْناه ، صرنا نعجِنُ أكوامَ الشَّعر ، ونرمى بها فى وجوهِ بعضِنا البعض ، صرنا نئنُّ كالثيرانِ الجريحة ، ونصفرُ كالجعارين ، وصارتْ أجسادُنا مغطاةً بأكوامٍ لانهائيّةٍ من الشعر ، نغترفُ منه بقبضاتِنا المسْعورة ، لنلقىَ به ، مستخدمين كلَّ قوةِ سواعدِنا العربيّةِ الأبية ، اختلطت ملامحُنا بالشَّعر ، واختلطت ملابسُنا بالشَّعر : الشَّعرِ الأسود ، والشَّعرِ الأبيض ، الشَّعرِ النَّاعم ، والشَّعْرِ الأكْرَت ، الشَّعْرِ الرَمَادىّ ، والشَّعْرِ شديدِ الالتواء . صالونِ الحلاقة ، يكون الرجالُ جادين هكذا ، لقد دخلت عليهم فى صالونِ الحلاقة ، كان الرجالُ يثرثرون بهدوء ، ويتصفّحون الجرائدَ والمجلاتِ التى انتقاها لهم الحلاق ، المجلاتِ المصوّرةِ كبيرةِ الحجم ، وعندما جلستُ على المقعدِ العريضِ المتحرّكِ الدائرىّ ، وضع الحلاقُ على صدرى "فوطةً" كبيرةً بيضاء ناصعةَ البياض ، وكان يُمسِكُ بالماكينةِ التى تُشبهُ (أبوجلمبو) ، هل لديك فكرةٌ عن تساقطِ "الشَّعْر" ، الشيخوخة ، والشيبِ الماكرِ الذى يأتيك من حيثُ لا تدرى ،

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

عندما تتحرك الملعقة داخل الكوب غالبا ماتحدث كل هذا الرنين

12-تموز-2008

إحدى ليالى أمشير

06-نيسان-2008

هذا ماجرى في صالون الحلاقة

24-أيلول-2006

نص / تمارين في قلب السماء

06-تموز-2006

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow