الأشـــباح
خاص ألف
2010-06-11
في بيتِنَا المسكونِ بالأشباح هناك في " شارعِ أَنطاكِيَهْ "؛ كُنَّا نسكنُ بيتاً بلا جُدرانٍ، ونفترشُ أرضاً بلا قَعْرٍ؛ كُنَّا أربعَ بناتٍ، وصبياً وأُمَّهُمْ والجزَّارَ.!
وكانَ شُبَّانُ الحارةِ يُحَدِّقُونِ بنا كفريسةٍ، كأنَّنَا كائناتٌ هبطَتْ إلى الأرضَ مِنْ كوكبٍ آخرَ ...!
في بيتِنا هناكَ، في " شارعِ أَنطاكيهْ "، لا دخلَ لـِ " الإِسكندرِ "، أو جَدِّهِ " سلوقُسَ " بِنا؛ عدا ما تركُوه في جُعبةِ الأيام، والتَّاريخِ تحتَ الأنقاضِ، والطبقاتِ السُّفلَى مِنْ مدينتِنا العريقةِ، لنأخذ معها صوراً تذكارية.!.
كنتُ في صِغَرِي أشكرً اللهَ، لأنَّهُ خلقَ البحرَ، وكنتُ أظنُّ أنَّهُ خلقَهُ لكي تأتيَ إليَّ سُفُنٌ مِنَ البعيدِ. وكنتُ أحلُمُ أنِّي ذاتَ يومٍ سأمتطِي ظهرَ إِحداها، لكنني لم أفعلْ، لأنَّني كنْتُ أخافُ البحرَ، والأمواجَ، والرِّياحَ، والعاصفةَ ؛ ولذلك أحببْتُ البحرَ، وكتبتُ عنهُ، وسافرت فيه في أحلامِي التي ذهبَتْ هَدْراً، في ذلكَ البيتِ المسكونِ ...؟!
في ذلكَ البيتِ المسكونِ، دخلَ علينا أشباحٌ كثيرونَ، دخلُوا بمِفتاحٍ كمفتاحِنا، لم يدخُلُوه عُنْوَةً، لم يدخُلوا مِنَ النوافذِ، أو سقطُوا من الفضاءِ علينا؛ دخلُوا مُقابِلَ مبلغٍ صغيرٍ لا يكفي لإسكاتِ جُوعِ خمسةِ أطفالٍ صِغارٍ.!.
في بيتِنا قبرٌ قديمٌ، يضُمُّ خمسةً مِنَ الأطفالِ، وأُمَّهُمْ، والجزَّارَ، سبعةً مِنَ القلوبِ، وأرْبَعَ عَشْرَةَ رِئَةً، وَمِثلَها مِنَ الأيدِي، والأرجُلِ، والعُيونِ، والآذانِ، و.. و .. و .. لكِنْ، لم يكُنْ في بيتِنا دماغٌ واحدٌ؛ لذلك، كنتُ أكرهُ العقلَ؛ لأنَّني لا أعرِفُهُ كِفايةً، وما بينَنا خِصامٌ طويلٌ ...!.
سرعانَ ما انْتَبَهْتُ إلى أنِّي تعلَّمْتُ الكثيرَ مِنَ الأشباحِ؛ أحدُهُمْ علَّمَني اللغةَ، وآخرُ ساعدَني في الحسابِ، وثالثٌُ علَّمَني الفرنسيةَ، ورابعٌ الهندسةَ الفراغيَّةَ، وخامسٌ، وسادسٌ .. أشباحٌ كثيرونَ علَّمُوني، أو تعَلَّمْتُ منهُمْ، ثمَّ اخْتَفَوْا، لكنَّهُمْ باقونَ هناكَ في بيتنا، إلى أبَدِ الدَّهْرِ. ماتَ أبي، ماتَتْ أمِّي، وبَقِيَ الأشباحُ في ذاكرتِي.!.
أمَّا بيتُنا، فقدْ خَلا مِنَّا جميعاً، ما عَدَايَ.
في قاعِ ذاكرتِي أشباحٌ كثيرون أسرى ذاكرتِي.!.
ِاثنانِ منهُما لم يخرُجَا دونَ مُقابِلٍ، ساقَ واحدٌ منهُمْ أختيَ الكُبرى إلى المقصلةِ، في السَّابعةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمرِها.
والثاني خَطَفَ أختيَ الَّتي تصغرُني مُباشرةً ليؤسِّسَ إمبراطوريةًَ...!
أمَّا الباقونَ فقدْ ذهبُوا إلى الأبدِ.
لكنَّهُمْ لمْ يبرَحُوا بيتَنَا المسكونَ، وذاكرتي التي نزفَتْ هناكَ، في ذلكَ البيتِ المسكونِ، في شارعِ أَنْطَاِكِيَهْ .!؟...
....................
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف
08-أيار-2021
18-تموز-2015 | |
18-كانون الأول-2011 | |
05-تشرين الثاني-2011 | |
26-تشرين الأول-2011 | |
18-تشرين الأول-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |