Alef Logo
يوميات
              

في حضرة الشيطان / ج2والأخير

الياس توفيق حميصي

خاص ألف

2010-07-09


خَلَعَتْ رِداءَهَا الحَرِيرِيَّ المُلْتَصِقَ بِجَسَدِهَا، وَتَهَدْهَدَ النَّهْدانِ، وَهِيَ تَبْتَعِدُ، وتقترِبُ مِنِّي، وَأَنَا مُسْتَلْقٍ؛ لَمْ أُصَدِّقْ عَيْنَيَّ، أَسْلَمَتْ لِعَيْنَيِّ ظَهْرَهَا، لا أُصَدِّقُ أَنَّ ما أراهُ يُمْكِنُ أَنْ يُسَمَّى ظَهْراً كَمَا عِنْدَ كُلِّ النِّساءِ، لا يُمْكِنُ أَنْ يكونَ هذَا الخَطُّ الَّذي يَنْتَصِفُ شَطَّيِّ الرُّخامِ الإغريقيِّ هذا مشابهاً ظَهْرَ امْرَأَةٍ أُخْرَى على سَطْحِ هَذِهِ الأَرْضِ؛ لَمْ يَكُنْ شَعْرُهُا كَشَعْرِ سِواها؛ كانَ أسودَ فاحِماً يَنْسَدِلُ كَشَلال ضوءٍ على كَتِفَيْهَا، لَمْ أَرَ في حياتِي رُمَّانَتَيْنِ بارِعَتَيْنِ، ومَصْقُولتَيْنِ كَرُمَّانَتَيِ كَتِفَيْهَا؛ تَأَمَّلْتُ، وَشَهَقْتُ: آَهٍ. يكفِي. عادَتْ لِتَنْظُرَ في عَيْنَيَّ نَظْرَةً قاتِلَةً, كأَنَّها عَرَفَتْ أَنِّي صُرِعْتُ.!.
اِلْتَفَتُّ إليهِ، لَمْ يَكُنْ موجوداً؛ يبدُو أَنَّهُ ذَهَبَ لِينامَ، بَعْدَ أَنِ اطْمَأَنَّ على كِلَيْنَا؛ لَمْ تَكُنْ زوجتَهُ، لا.!؛ لا يُمْكِنُ أَنْ يكونَ زوجَها، كيفَ يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يَدْعُوَنِي إِلى بَيْتِهِ، إلى هَذَا الطَّقْسِ الخَرَافِيِّ في بِيْتِهِ، وهِيَ زوجتُهُ.؟. هَلْ هِيَ ابْنَتُهُ.؟ رُبَّمَا، وَلَكْنْ، لا، لا يُمْكِنُ، وَكَيْفَ يَقْبَلُ أَنْ يُشاهِدَ هذا كُلَّهُ أمامَ عَيْنَيْهِ، لَوْ كانَتِ ابْنَتَهُ.؟، كيفَ يستمتِعُ بِهَذا المَشْهَدِ.؟. إِنَّها عَشِيقَتُهُ ؟، رُبَّما..!. لَسْتُ أَدْرِي.!.
لَمْ أَسْتَطِعْ حَسْمَ ما دارَ في رأسِيَ الفارغَةِ مِنْ أسئلةٍ، وَمَا زَوَّغَ دِماغِيَ مِنْ أَجْوِبَةٍ لَمْ تَشْفِ غَلِيلِي.!.
تنفَّسْتُ الصُّعَدَاءَ، أمسكْتُها مِنْ ذِراعِها، نَزَعَتْها بِقُوَّةٍ؛ دَفَعَتْنِي إِلى الخَلْفِ، فَهَوَيْتُ، وغَطَسْتُ في الماءِ. خَرَجَتْ مِنَ الحَوْضِ، أخَذَتْ مِنْشَفَةً خضراءَ، وابتعَدَتْ في الصَّالةِ المفتوحةِ على رُواقٍ طويلٍ، لا أعرفُ إِلى أينَ يُفْضِي.
كانَ جِسْمِي يفوحُ بالعِطْرِ الثَّمينِ الَّذي خَلَّفَهُ الصَّابونُ وعُطُورٌ أُخْرَى مُزِجَتْ بِالماءِ، وكانَ البَخُورُ يُشَكِّلُ سحابةً ضَبابيَّةً، أخذَتْ شَكْلَ المَكانِ، وَشكَّلَتْ سَحَاباتٍ تتماوجُ؛ كانَ المنظرُ بِرُمَّتِهِ سِحْراً؛ لا بُدَّ أَنِّي في حَضْرَةِ الشَّيطانِ...!.
أخذْتُ مِنْشَفَةً زرقاءَ، تُرْكَتْ على طَرَفِ الأريكةِ، قُرْبَ الحَوْضِ؛ لَفَفْتُ بِهَا جَسَدِي، كانَ المكانُ دافِئاً، نَشَّفْتُ شَعْرِي على عَجَلٍ نافِضاً إِيَّاهُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ؛ أردْتُ أَنْ أُفْرِغَهُ مِنَ الصُّوَرِ الَّتي تَشَبَّثَتْ بِهِ، وَجَدْتُ زُجاجةَ الوِيسْكِي؛ دَنَوْتُ مِنْ طَرَفِ البارِ الفَخْمِ في زاويةِ الصَّالةِ؛ سَكَبْتُ كَأْساً حتَّى نِصْفِهِ، ودفعتُ بهِ في فَمِي بنهمٍ جُرْعَةً واحدةً؛ وجلَسْتُ على الأَرِيْكَةِ المُقَابِلَةِ حيثُ كانَ يتفرَّجُ.
شَعَرْتُ باستِرْخاءٍ عظيمٍ يجتاحُني، طَرَدْتُ وَسَاوِسِي، ونَظَرْتُ بِاتِّجاهِ الرُّواقِ، لَمْ يكُنْ يَصْدُرُ مِنْهُ أَيُّ صوتٍ يَدُلُّ على حَرَكَةٍ، كَأَنْ لا أَحَدَ في البيتِ سِواي؛ مُسْتَحيلٌ..! أينَ ذَهَبا.؟. أشعَلْتُ سيجاراً تناوَلْتُهُ مِنَ العُلْبَةِ المُزَخْرَفَةِ الَّتي بِجانِبِي؛ تَنَهَّدْتُ عَمِيقاً، وَتَسَاءَلْتُ: كيفَ قَبِلْتُ دَعْوَتَهُ.؟؛ كيفَ جِئْتُ إِلى هُنَا، وأَنَا بِالكادِ أَعْرِفُهُ، ثُمَّ لِماذا دَعَانِي، لِمَ أنا بِالتَّحْدِيدِ. ؟. أَوْقَفْتُ سَيْلَ الأسئِلَةِ الَّتي بَدَأَتْ تَصْطَفُّ في دِماغِي مِنْ جَديدٍ، لِتَحْتَلَّ ساحَتَهُ.
كانَتْ ثِيابي مَلْقِيَّةً على أَرِيكَةٍ أُخْرَى، رَمَتْها عليها، وهِيَ تُقَشِّرُنِي مِنْها بِهُدُوءٍ؛ أَنْهَيْتُ الكأسَ الثَّاني على عَجَلٍ، لَبِسْتُ ثيابِي؛ كانَ الهُدوءُ فاجِراً، لَفَظَتْ عِيدانُ البَخُورِ أنفاسَهَا الأخيرةَ؛ أَلْقَيْتُ نَظْرَةً على المكانِ الأُسطورِيِّ حَوْلِي. صَمَتَتِ المُسَجِّلَةُ، اِنْطَفَأَتِ الأنوارُ بِالتَّتابُعِ، دَنَوْتُ مِنَ البابِ، فَتَحْتُهُ بِهُدُوءٍ؛ وَخَرَجْتُ.
غادَرْتُ المَبْنَى الضَّخْمَ، خارجاً مِنَ البَوَّابةِ الرَّئيسةِ التي فتحت تلقائياً عند اقترابي منها؛ مَشَيْتُ حتَّى وَصَلْتُ إِلى ناصِيَةِ الشَّارعِ المُمْتَدِّ أمامَ عَيْنَيَّ كَنَفَقٍ مُضَاءٍ، يَحْتَلُّهُ السُّكونُ، ويَغُطُّ في سُباتٍ عميقٍ مِنَ الكِتْمانِ؛ كانَ أخرسَ تماماً؛ لا أَحَدَ فيهِ، لا أَحَدَ إِطلاقاً، نَزَلْتُ عنِ الرَّصيفِ، مَشَيْتُ بِاتِّجاهِ القَمَرِ الوحيدِ يَرْمُقُنِي بِعَيْنِهِ الواسِعَةِ المُضِيئةِ، وأنا هائِمٌ مَشْدُوهٌ، هَبَّتْ نَسْمَةٌ رَقِيقةٌ مِنْ جِهَةِ البَحْرِ، رَفَعْتُ ياقةَ قميصِي. وَأَفَقْتُ.!.
..........................................
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.
ألف




تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

حبيبتي

18-تموز-2015

(اِنْتِصَارُ البَرْدِ على النَّهارِ)

18-كانون الأول-2011

الَّلاذِقِيَّــــةُ ... هَلْ تَعُودُ.؟.

05-تشرين الثاني-2011

اللقــاءُ الأخيــرُ.

26-تشرين الأول-2011

البيضة الأقوى.!.

18-تشرين الأول-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow