الماغوطُ.. شِكِسْبِيرْ... وَكَأْسُ العَرَق
خاص ألف
2010-09-01
أنا لا أعرفُ أبي.!. ولا أريدُ الآنَ أنْ أَتعرَّفَ إليهِ أكثرَ مِنْ ذِي قَبْلُ.!.
كلُّ ما أُريدُهُ، أنْ يتخلَّى عنِّي، يترُكَنِي وَشَأنِي؛ كما كانَ يفعلُ دائماً في حياته.
مجنونٌ " هَمْلِتْ " ، هذا ما قاله الشاعرُ اليونانيُّ "كافافي". صَدِّقْنِي يا" شِكِسْبِير".!؛ لو لمْ يكُنْ أبُو هَمْلِتَ مَلِكاً، لَما كانَ "هَمْلِتُ" فَعَلَ ما فَعَلَ؛ ولَمَا ظهرَ لهُ شَبَحُ أبيهِ، وَلَغَفَرَ لأمِّهِ زواجَها مِنْ عَمِّهِ، أَخِي أبيهِ .!؟. صَدِّقْنِي، ما أَحَبَّتْهُ " أوفيلْيا لو لمْ يكُنْ وَلْيَّ عَهْدِ "الدانِمارْك".!.
والغريبُ في الأمرِ، يا سيِّدي "شِكسْبِيرُ"، أنَّ في العالمِ اليومَ ألوفاً مؤلفةً مِنْ شخصيَّاتِكَ المُفُضَّلَةِ: "هَمْلِتْ، ماكْبِثْ، الملكِ لِيْر، شايلوك .و..."؛ لكنَّهُمْ لم يَجْدُوا "شِكِسْبِيرَ" أحمقَ مثلَكَ لِيكتُبَ عنهُمْ؛ وَالأكثرُ حُمْقاٌ، أنَّ العالمَ لا يزالُ حتَّى اليومِ يحتفلُ بكَ وبِهِ، لا لِشيءٍ سوى أنَّ العالمَ اليومَ يغفِرُ لكَ حماقاتكَ في الدراما؛ لأنَّكَ مَيْتٌ وشخصيَّاتِكَ الخالدةَ، فالعالمُ اليومَ قدِ امتلأَ بِالعُهْرِ، وِبِالمُلوكِ، وَبِأولياءِ العُهودِ؛ والشيوخِ، حتَّى باتَتِ الأرضُ لا تَحْتملُهُمْ .!.
هل تعلمُ .؟. أنتَ محظوظٌ جدّاً؛ لأنَّكَ وُلِدْتَ في عَصْرِكَ الفِكتوريِّ، منذُ مِئاتِ السَّنينَ. لو كنْتَ تعيشُ الآنَ بينَنا، لكنْتَ تعلَّمْتَ الكثيرَ مِنَ "الماغوطِ"، وَسِواهُ مِنْ شُعرائِنَا الأشقياءِ الذينَ لم يَدْعُهُمْ أحدٌ مِنَ النُّبلاءِ يوماً إلى وليمةٍ على رأسِها كأسُ من العَرَقِ .!؟.
شاعرٌ كـ"الماغوطِ"، على أيَّةِ حالٍ، ما كانَ يقبَلُ دَعْوَةً مِنْ مِثْلِ هؤلاءِ.!. هلْ تعرفُ لِماذا.؟. لأَنَّهُ – بِبساطةٍ - يُدرِكُ بِحِسِّهِ العَفْوِيِّ الغريزيِّ، وبِمَعْرِفَتِهِ الواعيةَ، وبِعَقْلِهِ الَّذي انتصرَ على المادَّةِ، أَنَّهُ إِنْ قَبِلَ مِثْلَ هذهِ الدَّعْواتِ، فهذا يعنِي شيئاً واحِداً: ألَّا يكونَ هُوَ هُوَ.!. ألّّّا يكونَ كما يشتهِي هُوَ.!. ألَّا يكونَ كمَا يُحِبُّ هُوَ.!. ألَّا يكونَ مُطْلَقاً.!. وبِما أَنَّهُ أتقنَ فَنَّ التَّعَرُّفِ على الكينوناتِ الماديَّة مِنْهَا والرُّوحيَّةِ، وخَبِرَ الكثيرَ مِنَ البشرِ المُتهالكينَ، والمُتهتِّكينَ، والمُعافِينَ، والأثرياءَ والفُقراءَ، وسِواهُمْ... فقَدْ قَرَّرِ، رُبَّما لِذكائِهِ الشَّديدِ، أَنْ يكونَ مِنْ مُحِبِّي "العَرَقِ"، نَعَمْ، "العرقُ" وحدُهُ كانَ يفتحُ شَهِيَّتَهُ على الطَّعامِ، والنِّساءِ كما يَحْلُو لِـ"زُوْرْبَا" اليُونانِيِّ، إِسْأَلْ " نيكوسْ كازانتزاكِسْ" عنِ العَرَقِ: " الرَّاكِي"، عنِ "كْرِيْت"، وعَنْ رحلتِهِ في سبيلِ مَعْرِفَةِ اللهِ، وعَنْ ذلكَ الرَّاهبِ في جبلِ " آَثُوسْ"، إِسْأَلْهُ: هَلْ مِنْ طَعْمٍ أطيبَ مِنْ أَنْ يَتَذَوَّقَ الإنسانُ كُلَّ ما في الطَّبيعةِ والحياةِ مِنْ خَيْراتٍ، وعلى رَأْسِ كُلِّ ذلكَ المرأةُ، وَهُوَ يحتفِظُ بِكرامَتِهِ كإِنسانٍ.!؟.
إذا أدركْتَ ذلكَ، عَرَفْتَ لِماذا لا يُهِمُّ شاعِراً كَـ"الماغُوطِ" أَنْ يتساقطَ بَعْضٌ مِنْ أوراقِ عُمُرِهِ مَعَ فنَّانٍ "قديرٍ وكبيرٍ جدَّاً"، تعرفونَهُ جميعُكُمْ، عَرَفَ بِدَهاءٍ وخُبْثٍ كيفَ يقتاتُ على أرواحِ كثيرينَ، حتَّى يُكَوِّنَ ثَرْوَةً، وَيَفْخَرَ - بَعْدَ مسلسلاتِ ومسرحيَّاتِ " وَطَنْجِيَّاتِهِ، وَقَوْمَجِيَّاتِهِ" الخَرْقاواتِ -، بِجِنْسِيَّةِ أولادِهِ الأمريكيَّةِ.!؟.
يا سيِّدي "شِكِسبيرَ"، هلْ سمعتَ بِأَحَدِ فنَّانِيْنَا الكبارِ الَّذينَ اسْتَهْلَكُوا آَخِرَ شَهْقَةٍ في رِئَتَيْهِ في استغلالِ "الوُجوهِ الواعدةِ"، في مجالِ الفَنِّ والتَّمثيلِ، وهِيَ لا تَمُتُّ بِصِلَةٍ إِلَيْهِمَا، لا مِنْ قريبٍ، ولا مِنْ بعيدٍ، لَكِنَّهُ قَدَّمَها إلى "الجُمْهُورِ الطَّيِّبِ المُتسامِحِ، والكريمِ، في مُسَلْسَلٍ طويلِ الأَمَدِ، عاشَ عُقُوداً يقتاتُ على بَلَهِ النَّاسِ، وَتَعَلُّقِهِمْ بِقَشَّةِ السُّخريَةِ الَّتي تنالُ مِنْهُمْ، لِيستطيعُوا آَخِرَ الَّليلِ أَنْ ينامُوا مُرتاحِي البالِ، مُعَلِّقِيْنَ آمالَهُمْ في حَلِّ مشاكلِهِمْ، والتَّخَلُّصِ مِنْ هُمومِهِمْ على شَمَّاعَةِ شاشةِ التلفزيونِ، والشَّخصياتِ الوهميَّةِ الَّتي اخترعَهَا لنا هَؤُلاءِ، بِمُبارَكَةِ ورعايةِ وعنايةِ المعنِيِّيْنَ، والمسؤُولينَ، و...!.
بعدَ ذلكَ كُلِّهِ، هَلْ تجرُؤُ أَنْ تأخُذَ "قَرْفَةَ عَرَقٍ"، يا سيِّدِي "شِكِسْبِيرَ".!.
أنتَ لا تعرِفُهُ، أمَّا أنا فَأَعْرِفُهُ جيِّداً جِدّاً.!.
" وْهَايْ قَرْفِهْ ... بْصَحّْتَكْ ...؟! ".
..............................
اللاذقية في 22/8/2010
نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر ــ ألف
08-أيار-2021
18-تموز-2015 | |
18-كانون الأول-2011 | |
05-تشرين الثاني-2011 | |
26-تشرين الأول-2011 | |
18-تشرين الأول-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |